"عائشة الحجيري أم عمر" أرملة تجاوزت الخمسين من عمرها من أهالي بلدة "عرسال" اللبنانية، هي ليست ناشطة في مجالات حقوق الإنسان، وإن كانت قد رهنت حياتها منذ توفي زوجها لتعليم بناتها الثلاث اللاتي أوصلتهن للتعليم الجامعي، كما أنها ليست من سيدات المجتمع المخملي، رغم أنها تفوقت بعطائها على سيدات الصف الأول من مجتمعها اللبناني الموغل في الطبقية والفوقية و"البيكوية" والألقاب، هي بكل بساطة مستخدمة في أحد المستشفيات العائدة للهيئة الطبية في "عرسال"، تشطف وتغسل وتنظف البلاط وتمسح النوافذ والأبواب.
بيتها مؤلف من غرفتين تطلان على الجبل، قررت أن تهبه مع قلبها المملوء عطفا ورحمة لتلك الشريحة المنسية القابعة على رصيف الإنسانية الموحش منتظرة يدا لتنشلها من آلامها وأوجاعها ويأسها، فكانت يد أم عمر التي حولت من إطلالة بيتها نحو الجرد والجبل لبيت يطل على المحبة والأمل باحتضانها لهذه الشريحة التي تخاطبها مع كل لقاء: "أنا أرملة وفقيرة مثلكم بس كلكم ولادي وشوفيني ساعدكم رح ساعدكم".
"زمان الوصل" زارت دار "أم عمر" التي حولتها لمركز رعاية لذوي الاحتياجات الخاصة من أبناء المنطقة ومن اللاجئين السوريين، تسجل أسماءهم ونوعية إعاقاتهم وأعمارهم وأرقام هواتفهم، تستمع لشكواهم وتفرج عن همهم بحديثها الصادق الحنون، وهي تقدم لهم (شايها) اللذيذ في عصرية تتكرر كل يوم، أسماها المعاقون "عصرية أم عمر".
*أحلام أم عمر
قالت أم عمر لـ"زمان الوصل" إن الهدف من مركزها نسف الفكرة التي كرسها الناس عن المعاق بأنه إنسان ضعيف ويائس وبحاجة للعطف، وقد انتدبت للمركز أخصائيا اجتماعيا مجازا للتواصل مع ذوي الاحتياجات الخاصة يقوم بتحديد مشاكلهم ويدرسها ويضع الحلول لها ويصنف كل حالة في استمارة خاصة.
وتقول أم عمر عن الأخصائي الاجتماعي "عبد الحفيظ الحولاني" بأنه يتابع الحالات يوما بيوم ويعمل على زيارتهم في المخيمات ورواد المركز يحبونه كثيرا ويثقون به.
لم تقف "أم عمر" عند هذا الحد، إذ افتتحت دورات لرواد المركز من ذوي الاحتياجات الخاصة كدورة الأشغال اليدوية حيث يقوم المعاق بإنجاز عمل يدوي كتزيين صندوق خشبي أوتلبيسه بالصدف أو تلوين لوحة أوزركشتها ليتمكن من بيعها والاعتماد ما أمكن على نفسه، وهذا كله تحت إشراف متخصص بالأعمال اليدوية يشرف عليهم ويعلمهم، هذا علاوة على دورة تمريض ودورة محو أمية، أما فرحتها الأكبر فكانت بتشكيلها لفرقة مسرحية جميع الأعضاء فيها من ذوي الاحتياجات، ووعدت بتقديم عرض مسرحي خاص بهم قريبا.
*مركز واعد ومسؤوليات مرهقة
"أم عمر" تملك على سجلاتها الخاصة بالمركز 298 حالة من ذوي الاحتياجات الخاصة تراوحت بين الضمور الدماغي والشلل والصم والبكم بالإضافة لأصحاب الإعاقات البصرية والسمعية والعقلية كمتلازمة "داون" والبلاهة المنغولية، وجميعهم لا يتلقون أي رعاية أو تغطية صحية من أي هيئة أو منظمة أو جمعية في لبنان.
تقول "أم عمر" بأن أشد ما يحزنها هو حاجة بعض الحالات لديها لدواء مدى الحياة.. وأسعاره غالية ولا أحد يوفر لهم هذا الدواء الذي يشكل انقطاعه خطورة على صحة المعاق كالدواء الخاص بمرضى الغدد الصم وأدوية القلب وغيرها.
وتؤكد "أم عمر" أنها تضع بيتها ومركزها في خدمة كل راغب بمد يد العون لهذه الشريحة ليكملوا حياتهم كغيرهم من أقرانهم الأصحاء.
أم عمر ومركزها صرخة في وجه كل من كف يده وأشاح بوجهه عمن هم بأمس الحاجة، وهي في الوقت نفسه همسة من "زمان الوصل" لأصحاب الضمائر للمسارعة وكسب الشرف.
عرسال - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية