استأثرت المأساة السورية باهتمام واسع في المعرض الأول للكتاب العربي الذي أقامته "الشبكة العربية للأبحاث والنشر" في اسطنبول التركية من 9-15 نوفمبر/تشرين الأول الجاري، بمشاركة 50 دار نشر عربية ضخت نحو 5000 عنوان.
وكانت تلك المأساة محور معظم فعاليات البرنامج الثقافي المرافق للمعرض، حيث قدم كل من ياسين الحاج صالح وياسين سويحة مداخلتين عن "حدود سوريا" جغرافياً وسكانياً، تطرق الأول لمراحل تشكل الجغرافيا السورية منذ الاستقلال عام 1946 مروراً بمراحل المد القومي ومحاولات الوحدة حتى عام 1979 وظهور أبدية الدولة التي قادها حافظ الأسد وما سادها من اضطهاد وسجون لتتحول سوريا إلى سجن كبير، قبل أن يختم بالمرحلة الثالثة التي بدأت مع الثورة بربيع 2011، حين بدأ السوريون إلغاء الأبدية واستعادة السكان لمجتمعاتهم عبر تسمية المظاهرات بأسماء مدنهم وأريافهم ولم تنتهِ حتى اليوم، بعد أن غدت حدود سوريا "سائلة" تتوافق مع حركة ونزوح السوريين.
وأكمل ياسين سويحة بالشق السكاني الذي اعتبره "مأساة السوريين"، داعياً للتفكير بما آل إليه الحال، من هجرة نحو 4 ملايين سوري ونزوح أكثر من 7 ملايين، منبهاً خلال عرض سردي، طغى على مداخلته ومداخلة الحاج صالح، لحال الأطفال خارج المدراس ووضع اللاجئين بالمخيمات، في أول عملية تهجير أمام مرأى العالم من خلال أحدث وسائل الاتصال والتواصل.
وفي محاولة للبحث عن شكل الدولة السورية المستقبلي، في واقع سقوط الايديولجيات، قدم حازم نهار ووائل ميرزا مداخلتين حول "التغيير الديمقراطي والايدلوجيا" بدأ ها نهار بطرح محاسن ثورات الربيع العربي التي أخرجت الناس من تناول "المفاهيم" بعقلية ايدلوجية إلى التعاطي بعقلية نقدية، ما يوصل لقراءات مختلفة وإيجاد الحلول.
وحسم نهار، الذي أثارت مداخلته كثيراً من الأسئلة وخلافات الرأي، بفشل الايولوجيات الثلاث المتبعة بالمنطقة العربية "يسارية، قومية وإسلامية" مفنداً بأسلوب نقدي واقعي، أسباب الفشل ومفرقاً التناقض بين الايديولوجيا والديمقراطية، ليصل بالنهاية إلى أن مفهوم الدولة أوسع وأشمل من أن يلحق بصفة ضيقة، لأنها بمثابة الحكم الذي يقف بمسافة واحدة من جميع المكونات ويبقى فوق التقسيمات على اختلافها.
وتابع ميرزا بالتحول الديمقراطي وتجاوز الايديولوجيا من بوابة أدبيات التحول وأسبابه وعناصره، مستعرضاً مآلات ما يقال عن الإسلام هو الحل أو الليبرالية هي الحل، داعياً لتجاوز كل تلك المآزق عب تجاوز الايدولوجيا لأنه شرط كاف وضروري للتحول، قبل أن يسوق نجاح التجربة التركية كمثال، كادت عودة الايدولوجيا خلال السنتين الأخيرتين، أن تعصف بها.
* تصنيف الفصائل المقاتلة
ومن واقع أرض الميدان السوري قدم الباحثان أحمد أبا زيد وحمزة مصطفى مداخلتين حول "تصنيف الفصائل السورية، جدل الميدان والايدولوجيا"، حيث عرض أبا زيد مراحل تشكل الفصائل المقاتلة، منذ العمل المسلح وتشكل الجيش الحر أواخر عام 2011 لتشكيل "جبهة النصرة" في 24-1-2012 وبداية تشكيل فصائل ذات شعارات إسلامية حتى وصل إعلان تنظيم "الدولة" في نيسان ابريل 2013.
وفرّق أبا زيد بين المشاريع الوطنية والأخرى ذات الايدولوجيا الجهادية، عازياً أسباب تعدد جغرافيا الخلاف الايدولوجي، لزيادة المهاجرين شمال سوريا وتماسك الجيش الحر والعشائر بالجنوب، داعياً بنهاية مداخلته لعدم تجريد الفصائل من دورها السياسي وبالتالي إقصاءها عن المشروع السياسي عارضاً للجمهور تحالفات فصائل الثورة التي لالاتزيد عن خمس.
وأكمل حمزة مصطفى المهمة بتصنيف الفصائل خارجياً، معتبراً أن الثورات العربية شكلت ضربة لفهم الغرب المعد مسبقاً عن شعوب المشرق والذي يدرسه بالغالب أنتربولوجياً في حين يدرس مجتمعاته سوسيولوجياً، ما دفعه لتغيير التصنيف بناء على الحالة، من ثورة ومطالب شعب ودعوة الأسد للرحيل، إلى مفهوم المتمردين، وما بينهما من تصنيفات كالحرب الأهلية.
وأشار مصطفى إلى استجابة الثوار أحياناً للممولين في تسمية الفصائل مفرقاً بين ما تطلقه مراكز الأبحاث ومنظومات الإعلام من تصنيفات، بما فيها العربية، لينسف ظهور "الدولة" معظم تلك التصنيفات وما قابل ظهورها من تحول بالمواقف الدولية بين معتدل وإرهابي، والمواقف العربية التي رفع بعضها الحظر عن التعامل مع الإسلاميين.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية