تنظيم الدولة.. نحن من أسقطها*

بثّ تنظيم الدولة الإسلامية شريطاً صوتياً بعنوان "نحن بفضل الله من أسقطها"، أعلن فيه مسؤوليته عن إسقاط طائرة الركاب الروسية فوق سيناء، والذي أدى إلى مقتل جميع ركابها البالغ عددهم 244 شخصاً.
لعل التنظيم هو الذي أسقطها بالفعل، وأعتقد ذلك بقوة، وإلا لم يكن ليبادر في تسجيله الصوتي إلى تحدي المخابرات المصرية والروسية في نفي ذلك. وإن استطاع التنظيم إسقاط تلك الطائرة حقيقة، فهو يعني الكثير من الناحية السياسية والعسكرية. وأقل ما يعنيه:
أن تنظيم الدولة الإسلامية يمتلك صواريخ قادرة على إسقاط الطائرات، وأن لديه من المهارة ما يؤهله لاستخدام تلك الصواريخ وتوجيهها. أو أن لديه الإمكانية للوصول إلى قلب الطائرة الروسية وتفجيرها في الهواء من خلال زرع قنبلة فيها على سبيل المثال.
ومما يعنيه أن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وتركيا والأردن والسعودية والإمارات وبشار الأسد وبعض فصائل الجيش الحر ونصف دول العالم لم تنجح بعد عام ونصف تقريباً من الحرب على التنظيم في تحجيمه وإضعافه فضلاً عن إلحاق الهزيمة بمقاتليه. وعلى ما يبدو فإن التنظيم في أحسن حال، فهو لا يزال قادراً على القتال في سورية ومصر والعراق وليبيا.
وقد يثير ذلك أسئلة مشروعة، هل كانت الولايات المتحدة ودول العالم المتحالف معها تقوم فعلاً بقتال التنظيم؟ وهل قامت بالفعل بآلاف الطلعات الجوية للقضاء عليه وتدمير مخازن أسلحته وتجفيف منابعه الاقتصادية؟ أم قامت تلك الدول بالهجوم على الشعب السوري وتدمير بنيته التحتية وقتل أطفاله وتهجير ما بقي منه داخل البلاد؟ وهل تحاول الولايات المتحدة بالفعل، الحفاظ على التنظيم بطريقة تؤهلها للتدخل الدائم في سورية بحجة محاربة الإرهاب؟ هل صحيح ما يقوله مؤيدو التنظيم أنه يتنامى ويتمدد كل يوم، ويضيف إلى عناصره مقاتلين جددأ أكثر تدريباً و جاهزية وأشد بأساً، وذلك بالرغم من اتحاد العالم بشرقه وغربه في الحرب عليه؟. وهل للدول العربية والإقليمية التي تقاتل التنظيم في العلن، دور سريّ في تزويد التنظيم بأسلحة ثقيلة لتحارب الروس بشكل غير مباشر؟.
نقاشات كثيرة تدور بين المحللين في الغرب حول فائدة عام ونصف من الهجمات التي شنها التحالف ضد تنظيم الدولة، وتتجه حوارات الإعلاميين إلى التشكيك بنية الغرب والولايات المتحدة في الحد من التنظيم فعلياً، بينما يذهب محللون قلة إلى انتقاد الحرب على التنظيم من أصله بدل توجيهها إلى بشار الأسد وإنقاذ الشعب السوري مما هو فيه. وتتحدث الندرة من المتابعين عن إمكانية الاستفادة من التنظيم بشكل ما.
على أية حال، وبقطع النظر عمن أسقط الطائرة، فقد شعرت روسيا اليوم بحجم تورطها في الملف السوري، وأدركت أنها لم تأت في نزهة إلى الشام، وفهمت تماماً أنها ستدفع ثمن عدوانها العسكري على الآمنين في سورية. ولهذا سارعت موسكو في نفي أن يكون إسقاط الطائرة قد نجم عن عمل "إرهابي"، إذ أنها لا تريد أن تؤلب الرأي العام المحلي ضد سياسات بوتين فيبدو الرجل وكأنه جلب الموت للمدنيين الروس الذين لا علاقة لهم بهذه الحرب، وتعود للأذهان صور حرب أفغانستان وهزيمة الاتحاد السوفياتي وإضعاف هيبة موسكو العسكرية.
إذا اتحد ثوار سورية، فسيدفع بوتين الكثير مما يتوقعه ومما لم يسمع به بعد.
* د. عوض السليمان - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية