بعد مرور نصف قرن على اختفاء المغربي اليساري المعارض "المهدي بن بركة"، لا يزال الكشف عن الحقيقة ضرباً من الخيال، إذ تطالب أحزاب مغربية، ومنظمات دولية، بإماطة اللثام عن هذا الملف.
وفي 29 أكتوبر/تشرين أول 1965، اختُطف المهدي بن بركة، من أمام أحد مطاعم باريس، وتعرض للاختفاء، ليبقى ملفه عالقاً حتى اليوم.
والأربعاء الماضي، قالت منظمة العفو الدولية في بيان حصلت الأناضول على نسخة منه إنه " بعد خمسين عاماً على اختطاف زعيم المعارضة المغربي المهدي بن بركة، واختفائه قسراً في باريس، تعرب المنظمة عن تضامنها المستمر مع عائلته، وجماعات حقوق الإنسان المغربية في معرض مطالبتها بتحقيق العدالة، وكشف تفاصيل الحقيقة".
وناشدت المنظمة، السلطات الفرنسية كي "ترفع السرية عن المعلومات المتوفرة بحوزتها" عن قضية هذا الرجل، كما طالبت الرباط بـ"إبداء كامل أشكال التعاون مع التحقيقات الفرنسية الجارية حالياً، بغية كشف النقاب عن الحقيقة، ووضع حد لإفلات الجناة من العقاب".
وبحسب العفو الدولية فإن "العراقيل الرئيسية التي تواجه التحقيق في هذه القضية، تتجسد في الولوج إلى المعلومات السرية التي تتوفر بحوزة السلطات الفرنسية، ناهيك عن عدم إمكانية التواصل مع الشهود والمشتبه بهم داخل المغرب، والدخول إلى المعتقل السري السابق (ب ف 3) الكائن في العاصمة الرباط، والذي يُعتقد أنه يؤوي بعض رفات المعارض البارز، وذلك وفق ما جاء في مذكرات قاضي التحقيق المتقاعد باتريك راماييل المنشورة مؤخراً".
وأشارت إلى أن "السلطات المغربية لم تبادر بفتح تحقيق رسمي في الموضوع حتى الساعة".
ووفق المنظمة الدولية نفسها، فإنه في يوليو/ تموز الماضي، تقدم أحد قضاة التحقيق في فرنسا بطلب جديد، لتفتيش الموقع، دون أن يصيب نجاحاً في ذلك، وفق ما جاء في التقارير الإعلامية، كما ورد أنه تقدم بطلب لاستجواب أحد الشهود في إسرائيل بالكشف عن تفاصيل جديدة في وقت سابق من العام الجاري، تتعلق بتورط الموساد في اختفاء المهدي بن بركة".
من جهته، قال مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات المغربي، الثلاثاء الماضي، بإن "هيئة الإنصاف والمصالحة (حكومية، تأسست لبحث ملفات الاعتقال السياسي منذ استقلال البلاد وحتى سنة 1999) تناولت ملف المهدي بن بركة، ولم تصل فيه إلى الخبر اليقين، حيث إن 66 حالة أصبحت مجهولة المصير".
وأضاف الرميد، خلال جلسة مساءلة خصصها مجلس النواب( الغرفة الأولى بالبرلمان) أن الهيئة أوكلت للمجلس الوطني لحقوق الإنسان(حكومي) مهمة البحث في هذه الحالات"، مشيراً إلى أن المجلس "كشف عن جميع الحالات باستثناء 7 ومنها ملف المهدي بن بركة" .
وتابع الرميد مجيباً حزب الأصالة والمعاصرة (معارض) "الذي وجه السؤال له: لا أرى موجباً لمساءلة الحكومة، أو وزارة العدل والحريات، عن هذا الملف بعد تنصيب هيئة الإنصاف والمصالحة لهذا الغرض".
وأردف مخاطباً الحزب: "لقد أخطأتم العنوان عندما وجهتم السؤال إلى وزير العدل والحريات، خصوصاً أن القضاء لا يتوفر على ملف مفتوح في هذا الموضوع ".
وفي حديث مع الأناضول، قال عبد الرحيم العلام، مدير مركز التكامل للإدارات والأبحاث بالمغرب (غير حكومي)، إن "عدم الكشف عن حقيقة هذا الملف يرجع إلى الاشتباه في ضلوع مجموعة من الدول (لم يسمها) في اختفاء المهدي بن بركة".
وأضاف العلام أن" بن بركة كان يدافع عن حركات التحرر إقليمياً ودولياً، ولهذا هناك دول رأت فيه تهديداً لمصالحها"، مشيراً إلى أن بلاده "ليس لديها الإرادة السياسية من أجل كشف حقيقة هذا الملف".
وفي هذا الصدد، دعا المجلس الوطني لحقوق الانسان، للكشف عن أسرار هذا الملف، منتقداً حزب الاتحاد الاشتراكي (يساري معارض ويُعتبر بن بركة أحد مؤسسيه) الذي قال إنه "لم يفلح في الكشف عن حقيقة هذا الملف، رغم تولي اثنين من الحزب (عبد الواحد الراضي، ومحمد بوزبع) منصب وزير العدل، في فترة من الفترات".
وفي بيان له حصلت الأناضول على نسخة منه، دعا حزب الاتحاد الاشتراكي، مؤخراً، أعضاءه للانخراط في كافة مبادرات الشعب المغربي العاملة على كشف الحقيقة في قضية "اغتيال الشهيد المهدي بن بركة".
ووجه الحزب، "التحية لكل المبادرات الشعبية العاملة على كشف الحقيقة في قضية بن بركة".
وعلى الرغم من أن فرنسا فتحت تحقيقاً عام 1975، إلا أنه لا يزال قائماً، دون التوصل إلى نتيجة.
وقبل عام على اختطافه، قامت السلطات المغربية بإصدار حكم غيابي بإعدام المهدي بن بركة، تحت ذريعة " ضلوعه في التآمر على الملك الراحل الحسن الثاني (1961-1999).
وفي يونيو/حزيران 1976، أدانت إحدى المحاكم الفرنسية عدداً من الأشخاص بينهم وزير الداخلية المغربي آنذاك، الجنرال محمد أوفقير، بتهمة اختطاف بن بركة، وحكمت عليه غيابياً بالسجن المؤبد، ولكن دون أن تكشف عن مصيره.
وعمل بن بركة الذي ولد عام 1920 في الرباط، مدرساً لولي العهد، آنذاك، الحسن الثاني (والد العاهل المغربي محمد السادس) في منتصف أربعينيات القرن الماضي، إلا أن الخلافات السياسية فرقت بينهما فيما بعد.
وفي عام 1959، انشق بن بركة، مع بعض السياسيين الآخرين عن حزب "الاستقلال"، وأسسوا حزباً جديداً، تحت اسم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (غير اسمه لاحقاً ليصبح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)، من أجندته معارضة نظام حكم الملك.
وبعد الخلاف مع القصر، بدأ بن بركة يفكر في مغادرة البلاد، حيث توجه إلى الجزائر في مرحلة أولى ، حيث التقى هناك بالثوري الكوبي اليساري، تشي جيفارا، قبل أن يذهب إلى مصر.
وكان الرجل يدعم حركات التحرر عربياً ودولياً.
الأناضول
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية