ليست صعبة مقاربات الرياضة بالمجتمع وحتى السياسة، لكن الصعب هو أن تقدم نصيحة وأنت تدرك أن من يخون الوطن هو اليوم من ينصب نفسه حاكماً وحكماً، وصعب عليك أن تسكت عن ما يجب أن يقال حين يلبس الفنان بزة عسكرية ليقاتل مع الطاغية، ويقود رجل الدين وفداً من أرباب اللحى ليشكر سفير روسيا على قصف بلاده لأهلك، بل ليخاطبه بلقب سيادة السفير كما فعل وزير أوقاف النظام قبل أيام.
شاهدت أكثر من مرة مقاطع مصورة للاعب كرة القدم السوري ونادي أهلي جدة السعودي عمر السومة وهو يسجل ثلاثة أهداف (هاتريك) في مرمى نادي النصر، وهو اللاعب الذي ملأت سيرته مساحات الحديث بعد أن أثبت علو كعبه واجتهاده وتفوقه في الدوري السعودي، وقرأت عن اللغط حول مطالبة الآلاف من السعوديين بتجنيسه وضمه إلى منتخب السعودية، وشاهدت السومة وسمعته وهو يرد في مقابلة على المطالبات بتجنيسه وهو يقول إن منتخب الوطن (سوريا) أولى، تأثرت بتمسكه بالوطن، وهو حال كل السوريين ممن يعتزون بهويتهم وشعبهم، لكن ما لم يقرأه أحد في ملامح "السومة" هو حالة الإرباك لشاب نبيل يريد الوطن ولا يريد أيضاً أن يضيع مزيداً من الوقت في انتظار ما لن يأتي.
لكن السؤال الذي دار في خاطري هو كيف سيستقبل نظام المافيا في سوريا لاعباً رفع علم الثورة عقب الفوز بمباراة للمنتخب كان يشارك فيها قبل نحو ثلاث سنوات.
كان السومة أول لاعب كرة يرفع علم الناس، ويحمل أحلام السوريين وأوجاعهم وتوقهم للحرية علناً وبكل جسارة، ولا أدري كيف كان سيتم استقباله في دمشق لو أنه عاد يومها بعد انتهاء المباراة على نفس الطائرة التي حملت المنتخب إلى أرض الوطن.
وأنا أحاول تحري ما يضمره النظام للاعب موهوب مثل السومة طلبت بيانات "السومة" (فيش) التي تحصلت عليها "زمان الوصل" ليظهر عمر السومة ابن جهاد وهناء، مواليد دير الزور 1989 بأنه مطلوب للمخابرات السياسية بملف يحمل الرقم (737764)، وبطبيعة الحال فأنا لم أفجع بهذا الكشف طالما أن نظام الأسد لم يفوت يوماً فرصة الانتقام من سوري حتى ولو كان طفلاً أو امرأة وهو ما فعله ببطلة سوريا للشطرنج رانية العباسي وأفراد أسرتها الثمانية حين اعتقلتهم من داخل بيتهم في دمر بدمشق قبل عام 2013، وللعلم فإن مصير العائلة لا يزال مجهولاً، وهم الأم وزوجها عبد الرحمن ياسين وأولادهما الستة وكان أكبرهم سنا 14 سنة وأصغرهم الرضيعة ليان (عام واحد).
أضف إلى ما سبق فإن قائمة طويلة من الرياضيين جرى اعتقالهم وتغييبهم وقتلهم خلال السنوات الخمس الماضية، وهناك من الرياضيين من تعرضوا لمصير مشابه حتى قبل الثورة كما حصل مع منافس باسل الأسد عدنان قصار الذي اعتقل 21 عاماً دون أن يرف جفن نظام الأسد.
أعود للسومة الذي قد يجادل البعض بأن انضمامه للمنتخب السوري هو تمثيل لمنتخب الشعب وليس النظام بأن هذا صحيح لو كان بينهم من يضمن أن لا يقوم النظام باعتقال لاعب كرة قدم أو فنان أو كاتب يريد أن يعبر عن رأي الشعب بحرية، ولا يريد أن يحمل على ظهره لافتة تحيي رئيساً أو حزباً أو حتى منظمة، وأجزم أن رياضة يحكم أنديتها وإداراتها أبناء الأسد ومخلوف ومعلّا لا يمكن أن تحمل على رأسها كرة عاقلة.
لا أدري كيف تقتحمني الرياضة وأنا أكتب زاوية رأي تحمل عنوان "قلم ناشف" وتهتم بالسياسة أولاً، إلا أنني وجدت اثنين من الحلول كي لا أتهم نفسي بالتطفل، الأول تلك المعركة العالمية حول الفيفا والتي يتدخل فيها حتى رؤساء الدول وكبريات الشركات وقضية بلاتر خير الشهود، والثاني أن السومة "العقيد" الجميل الذي أحبه كملايين السوريين والعرب ربما لا ينتبه إلى خطر الاستسهال في التعامل مع اتحاد كرة يتبع لنظام فاشستي، وإلى أن اسمه موجود ومحفوظ في لوائح المطلوبين، ومخابرات الأسد التي إن لم تعتقله فستتاجر باسمه واسم زملائه كما تتاجر باسم الدين واسم العروبة واسم الفن ... وحتى باسم انحلال الأخلاق.
يا عمر .. يا أبا خطاب .. من يبيع سماء وتراب الوطن لغزاة يقتلون أطفال حمص وحلب ودير الزور لا يمكنه أن يشتري ضميراً كي يحافظ على لاعب كرة قدم.
*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية