هيئة التنسيق ترحب بالاحتلال الروسي*

عندما التقى الائتلاف السوري مع هيئة التنسيق "الوطنية"، أكدنا على الفور أن الاجتماع تم بضغط روسي إيراني وموافقة أمريكية غربية، في سبيل إعادة تسويق الأسد وتحويل الثورة ضده إلى حرب بينية يقتل فيها الثوار بعضهم بعضاً. فهيئة التنسيق، لم تكن يوماً مهتمة بالشعب السوري أو ثورته، بقدر ما يعنيها أن يصل بعض شخوصها إلى مواقع سياسية في أي حكومة سورية حتى ولو كانت برئاسة الأسد. يكفينا أن نتذكر أن بعض أعضائها يصلّون إلى موسكو، ويحجوّن إلى إيران، وقد غدا بعضهم نجماً لامعاً على شاشة خامنئي مرة وشاشة بن جدو صاحب جهاد النكاح مرة أخرى.
لم يكن مفاجئاً إذاً، أن يعلن حسن عبد العظيم أن هيئته ترحب بالتدخل العسكري الروسي في سورية، ولم يكن مفاجئاً أن يطالب الرجل بالحفاظ على الأسد أو على دور رمزي له في المرحلة القادمة، متذرعاً بأن بقاء بشار سيحافظ على تماسك الجيش العربي السوري.
أعرف حجم الصدمة التي قد يتلقاها بعض السوريين عندما يسمعون مثل هذه العبارات، ويعرفون أن "معارضاً أو هيئة معارضة" تدعو لبقاء بشار الذي أحرق سوريا وشعبها ودمر مدنها ودفن أبناءها أحياء، وحرق تاريخها وحضارتها، ثم يأتي هؤلاء وبكل بساطة للدفاع عن أكبر إرهابي عرفته البشرية.
أزعم أنني لم أتفاجأ بتصريحات عبد العظيم، بل كنت مستغرباً من تأخرها، وقد توقعت مثلها منذ الأيام الأولى للثورة السورية عندما تحدث السيد هيثم مناع عن وجود الإرهابيين في درعا. أما ابتداء من الشهر السابع حيث التقى الائتلاف بالهيئة في بروكسل، فلم أكن أتوقع تلك التصريحات بل كنت أنتظرها، خاصة في ظل الموافقة الأمريكية على التدخل الروسي وانكفاء الائتلاف واختناق صوته وضياع قيمته.
أشرت مراراً، إلى أن الاتفاق الذي جرى بين الائتلاف وتيار بناء الدولة، ثم بين الائتلاف والهيئة، لم يكن عبثاً، بل أُدخل الطرفان عنوة على المعارضة السورية، حتى ترحب هذه المعارضة بأغلبيتها بالاحتلال الروسي لسورية وتبارك بقاء الأسد، ثم تعبر الدول الغربية والولايات المتحدة عن رضاها، بحكم أن هذه خيارات ممثلي الشعب السوري. وهكذا تستطيع تلك الدول أن تتهرب من أي استحقاقات إنسانية أو سياسية، فهي ستدعي أن السوريين هم الذين يرغبون بالتدخل الروسي لمحاربة الإرهاب، وأنهم لا يمانعون بدور رمزي لبشار الأسد في الحكومة القادمة. وفي الوقت نفسه تستطيع الولايات المتحدة على وجه الخصوص استثمار القوات الروسية في المنطقة لمحاصرة المسلمين السنّة.
لا يزعجنا موقف الائتلاف كثيراً فقد أسقطه السوريون من حساباتهم، ولا يخيفنا موقف لؤي وهيثم وحسن وأصحابهم، فقبلتنا مختلفة عن تلك التي يركعون أمامها، ونعرف درجة الرفض الاجتماعي التي يعانون منها. وأجزم أنهم لن يكون مرحباً بهم في أي حكومة وطنية حقيقية.
حتى التدخل الروسي نفسه لا يخيفنا، وإنني أعتقد أن محاولة موسكو لاحتلال دمشق تشبه التدخل السوفياتي واحتلاله لأفغانستان، من زاوية أن ذلك التدخل أسقط الاتحاد برمته، بل وأذاق الأحزاب الشيوعية مرارة الهزيمة في العالم كله، وفتت كثيراً منها في أوروبا.
ثوار سورية ينتظرون الجنود الروس بفارغ الصبر، وسيسقونهم من كأس شربها الحرس الإيراني سابقاً، وإن فعلها الأفغان وأذلوا السوفيات يوماً، فإنني أؤكد أن السوريين قادرون على إذلال بوتين وعسكره، ليس بوتين فحسب، بل ومعه الأسد والائتلاف والهيئة والتيار أيضاً.
*د. عوض سليمان - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية