أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ربما.. ملامح خوف إيران والأسد من تدخل روسي ظهرت في السويداء.. علي عيد*

أولويات الروس والأميركيين والأوروبيين والأطراف الإقليمية جميعها مختلفة وستتعزز صورة هذا الاختلاف في الفترات القادمة

يتحدث المحللون الإسرائيليون عن قيام روسيا بزيادة الرهان في سوريا عبر تدخل عسكري مباشر، ويبدو هذا التدخل مبعث سرور لدى إسرائيل وهي أول من نقل أخباره مؤكدة أنها لا تعتبر الروس عدوّاً مقلقاً، ما عبر عنه إيال زيسر في صحيفة "إسرائيل اليوم" حيث يقول أيضاً إن "الروس قد لا ينقذون بشار، ولكنهم عادوا ليجعلوا سوريا معقلا روسيا هاما كجزء من صراع عالمي، سواء ضد الجهاد العالمي أم كجزء من المواجهة المتجددة بينهم وبين الولايات المتحدة".

ربما تشهد الفترة القادمة تبدلات ومفاجآت في الداخل السوري من قبيل عملية الاغتيال التي استهدفت الشيخ وحيد البلعوس ليتبعها تحرك واسع مفترض ينتهي بانسحاب لقوات النظام من هذا المحافظة وفق مخطط مدروس.

اللافت أن التدخل الروسي الذي ملأت أخباره الصحافة الغربية فجأة دفع كلاً من بريطانيا وفرنسا إلى الإعلان مباشرة عن البدء بطلعات جوية تستهدف تنظيم "الدولة الإسلامية"، وهو نفس الهدف الذي يتحدث عنه الروس والأميركيون وحتى العرب والإيرانيون إلا أن الجميع ـعلى ما يبدوـ يكذب في هذا السياق، إذ وصل الصراع إلى درجة تنازع النفوذ، فالروس كانوا أكثر جرأة في التعبير عن مصالحهم والمبادرة في السنوات القليلة الماضية، كما ظهر في شبه جزيرة القرم وأكرانيا والآن في سوريا، وهذا يشكل مساراً منهجياً لدولة تريد أن تثبت قدرتها المتزايدة، واستردادها لهيبة الحقبة السوفييتية.

واشنطن التي تعرب عن قلقها، وهو نوع من السياسة التي وسمت فترة حكم باراك أوباما ربما تكون أيضاً سعيدة بهذه المواجهة أو أنها أسست لها برفضها فرض مناطق حضر جوي في الشمال والجنوب السوريين، وكذلك منعها تقديم سلاح نوعي ينهي سيطرة طيران الأسد النارية، وفي هذه الحالة يمكن فهم التحرك الأوروبي، ويمكن أيضاً الحديث عن مشهد جديد ليس هدفه الحفاظ على سوريا بقدر الاستثمار في الحالة السورية، وهو ما يفسر تعمّد إطالة الأزمة رغم كل مشاهد القتل المروعة التي يمارسها النظام مضافاً إليها تبعات هذا الخراب بظهور "داعش" مترافقاً بإضعاف مقصود للقوى المسلحة الداعمة للثورة والمتمثلة بتشكيلات الجيش الحر.

بناء على ما سبق فإن أولويات الروس والأميركيين والأوروبيين والأطراف الإقليمية جميعها مختلفة وستتعزز صورة هذا الاختلاف في الفترات القادمة رغم توحدها على شعار ظاهر هو "محاربة الإرهاب"، فالروس حققوا مبيعات جيدة في المنطقة العربية مؤخراً، وهناك صفقات سلاح وغاز كما هو الحال مع السعودية ومصر والإمارات، وهم يدركون أهمية وجودهم للحفاظ على زبائن، كما أنهم يخترقون في العمق منطقة خضعت تقليدياً للنفوذ الأوروبي خاصة بعد اتفاق سايكس ـ بيكو ـ سازانوف.

الأوروبيون أيضاً قلقون من تمدد الروس ودخولهم معهم في صراع داخل حوض المتوسط الذي يعتبر ضمن الحضن الاستراتيجي الأوروبي، لهذا فالأغلب أنهم لن يتركوا المسألة تمر وقد ينتج عن هذا تأزم شديد و"تفتقات" في بعض المناطق داخل أوروبا كصربيا التي تحتفظ بعلاقات واسعة مع روسيا رغم عرقلة هذه العلاقات لمسألة انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.

الأميركيون يريدون على الأغلب جرّ الجميع إلى تلك المواجهة، وكل الدلائل تشير إلى أن "الخصاء" الأميركي في الشرق الأوسط ليس بمجمله نابع عن قناعة بضرورة الانسحاب من الصراعات في تلك المنطقة بقدر وجود رؤية مختلفة لشكل التوازنات والعلاقة مع الروس والأوروبيين، وبدا الأمر واضحا في الاتفاق النووي مع إيران رغم كل تبعاته على علاقات واشنطن بدول الخليج.

الإيرانيون يعرفون أن الروس يستطيعون إزاحتهم من سوريا، وهم سيفعلون، طالما أن في الأمر مصلحة لهم، لكن المشكلة مرتبطة بإسرائيل وموقفها من حزب الله في لبنان وتعهد الروس بمعالجة هذه المسألة.
ويبقى الأتراك الذين انخرطوا في الشأن السوري وفقاً لنظرية الممكن، فمقابل إزاحة الأسد حصلوا على ضوء أخضر في محاربة حزب العمال الكردستاني، وهم بطبيعة الحال باتوا يسيطرون على عملية برمجة اقتصاد منطقة واسعة في الشمال الشرقي عبر توسيع تغطية شبكة الاتصالات والبدء بالتعامل بالليرة التركية.

بقى أن نتحدث عن تحولات الداخل وكيفية التحكم بعناصر قوة مبعثرة، ومرتبطة بأفكار التقسيم والتغيير الديموغرافي والأقليات والتهجير، وهنا يجدر الانتباه إلى أن الروس إذا ما أرادوا الدخول فعلياً للتحكم في المجريات اليومية للصراع فإنهم يكونون قد وقعوا في الفخّ، ولعله بيت القصيد الأميركي، ومن هنا يمكن تصور بعض التطورات التي ستحصل دون وضعها بالحسبان، فعلى سبيل المثال يمكن اعتبار ما يحصل في السويداء هذه الأيام جزءاً من المشهد، إذ قد ترفض إيران أو أطراف أخرى تملك أدوات على الأرض أن يدخل الروس إلى سوريا دون تفجير الأرض تحتهم، ولا نعلم بعد إن كانت تصريحات الأسد المرحبة مسبقاً بدخول علني عسكري روسي على الأرض حقيقية، أم أنه تم فرضها ما استدعى التخفيف من العبء وخلق إرباك طالما أن الروس خلال الفترة الأخيرة التي سبقت تصريحات أطلقها بوتين عن استعداد الأسد لاقتسام السلطة كانوا يتحدثون عن عدم تمسك الأسد بالسلطة ما يعني احتمالية أن يكون الأمر مفروضا على إيران ونظام الأسد، وهذا يعني أيضاً أن الانكفاء إلى الجيب العلوي بالسرعة الممكنة هو خيار لا مفر منه.

ربما ستحدث تطورات جديدة على الأرض، ولا أحد يستطيع قراءة المشهد كاملاً، وحتى موسكو الجريئة ربما ستجد نفسها غارقة في أوحال حرب أشد تعقيداً من الحال في أفغانستان، لذلك فإنه يمكن القول إن الحراك الدبلوماسي حول سوريا في حقيقته هو انعكاس كاذب ومقلوب لصراع في الكواليس، وصفقات تحت الطاولة.

طبخة التدخل العسكري الروسي ربما تكون ناجحة فقط في منطقة الساحل على اعتبار أن النظام حمّل الطائفة العلوية الجزء الأكبر من فاتورة جرائمه، وراكم بين أفرادها مشاعر الخوف مضافاً إليها إرث من استبداد عائلة الأسد الذي ورثته طائفته، كل هذا يشكل عاملا موضوعيا لدويلة وظيفية تستفيد منها روسيا، لكن لا نعلم إن كانت ستوافق على اقتسام النفوذ فيها مع إيران وكذلك ما هي احتمالات نشوء حركات وأحزاب راديكالية وميليشيات ستلعب دوراً في تحديد هوية هذه الدويلة وربما تقويضها.

*من كتاب "زمان الوصل"
(187)    هل أعجبتك المقالة (197)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي