تلك هي العبارة الأنسب لمقاربة عالم زياد الرحباني الوحيد حدَّ الفرادة في الفن العربي المعاصر.
في عالمنا الغارق في الأكذوبة، المليء بالمتملقين الذين يتفننون في وصف ثياب الملك وإطرائها، جاء زياد الرحباني ورأى الحقيقة بعينيه البريئتين فأعلن عري الملك من الثياب ، وعري حاشيته من الصدق، ولم يتوقف عند هذا الحد كما في الحكاية الشهيرة، بل تابع بصدق جارح كشف عريه وعرينا عبر الموسيقا والأغنية والمسرحية والكلمة المجردة.
قبل حوالي سبعة عشر عاماً كتبت عن زياد:
«ليس سهلاً أن يكون المرء ابن فيروز وعاصي الرحباني، وأن يُقَدَّم على إنه الوريث الشرعي للتجربة الأهم والأكثر تقدماً في مجال الأغنية والمسرح الغنائي المشرقي الحديث . ليس سهلاً، لأن من يقف بجوار تجربة كهذه يغامر بأن تدمجه في سياقها وأن تسحب ظلها العالي عليه ، لكن زياد بالرغم من أنه ولد وترعرع في هذه التجربة ، لم يستسلم لإغراءاتها الكثيرة أبداً. لم يكتف بأنه ابن عاصي الرحباني وفيروز- قارورة العطر، فعمل بدأب يستحق الإعجاب، حتى صنع لنفسه اسماً ولوناً. والآن يعرفه الناس في مشارق الوطن العربي ومغاربه كموسيقي مجدد مجتهد، وككاتب مسرحيات ، وأغانٍ وكعازف بيانو وكممثل».
أهم ما في تجربة زياد هو أنه في جل ما يقوم به يجمع بين الموهبة والجرأة والصدق ، لاشك أن ملح الصدق الذي ينثره عبر فنه الراقي، يكوي جراحنا لكنه يعقمها أيضاً.
خلال الأسبوع الماضي دعت أمانة احتفالية دمشق كعاصمة للثقافة العربية الفنان القدير زياد الرحباني ليحيي أربع أماس صرن خمساً في قلعة دمشق، القلعة الملقبة بـ «المنتصرة » لأنه لم يخرج منها جيش في تاريخها وعاد مهزوماً.
أماسي زياد الرحباني في قلب القلعة المنتصرة ، كانت خمس انتصارات له ولفنه بفنه، كما كانت خمس انتصارات للجمهور السوري الذي أفصح على مدى الليالي الخمس عن قصة حب ذات فرادة لفن زياد.
عندما اقترحت علي أمينة الاحتفالية السيدة الدكتورة حنان قصاب حسن أن أجري هذا الحوار مع زياد الرحباني، لم اسمح لنفسي بأن أتردد، رغم أنني لم أحاور أحداً منذ سنوات، والحقيقة أن هذا الحوار وضعني أمام تحد كبير، فزياد الرحباني يتكلم عن نفسه بضمير الجمع حيناً وضمير المخاطب حيناً آخر،وضمير الغائب في كثير من الأحيان، وهو يتكلم باللهجة اللبنانية الدارجة وغالباً ما يترك عبارته غير مكتملة وقابلة لأكثر من تأويل، وبما أن سياسة جريدتنا لا تسمح بنشر الحوارات بالعامية، فقد كان علي أن أترجم هذا الحوار من لغة زياد الى اللغة العربية الفصحى، ومع انني سبق أن ترجمت نصوصاً عويصة من الإنجليزية، إلا أنني أقر بأن ترجمة هذا الحوار كانت الأصعب!
تعلمون أن كل ترجمة هي مشروع خيانة، إلا أنني أتمنى أن يجنبني الجهد الذي بذلته، هذا المنزلق ، لأن خيانة زياد بالنسبة لي أمر لا يغتفر.
-قرابة منتصف ليل الأحد ونحن نخرج من قلعة دمشق بعد أن سهرنا معك، سمعت شاباً يقول لزميله : «يخرب بيته، شاقق الأرض وطالع » ، قلت له ممازحاً لماذا لا تقول : «شاقق السما ونازل، - يضحك زياد- أتابع متسائلاً :
ہ أيهما أقرب الى قرارة نفسك أن يقال عنك «شاقق الأرض وطالع ام شاقق السما ونازل»؟
ہہالأرض أضمن ، مجرَّبة.
- ہثمة تشابه بينك وبين التطريب من حيث أن كل منكما يشكل بطريقته قاسماً مشتركاً بين الموسيقا الشرقية وموسيقا الجاز؟ ماذا أعطاك الجاز وماذا أعطيته؟
ہہ اسمح لي أن أقول لك إننا قد نكون غلطنا؛ عندما قمنا بمحاولاتنا الأولى، في هذا المجال، أواسط الثمانينيات، كنا تحت تأثيرأنواع مختلفة من الموسيقا. وأردنا أن نقدم «كونسير» ـ أي حفل للموسيقا الخالصة ـ ولم يكن هذا النوع من الحفلات يقام كثيراً في لبنان إلا للموسيقا الكلاسيكية . كنا في حينها نجرب على موسيقا أحببنا أن نستنتج ماهي، فحلَّلنا وعَنْوَنَّاها ، وأحسب أننا قد ارتكبنا خطأ اقرب الى الحماقة عندما سمينا تلك الموسيقا بالجاز الشرقي، لأننا اكتشفنا فيما بعد أنه لايوجد جاز شرقي وجاز غربي وجاز أوزبكستاني وجاز أوروبي.
الجاز عادة كلمة تشمل كل هذه الألوان ، فالحرية الموجودة في التعاطي مع التقسيم داخل الجاز تعطيك الحرية لأن تذهب حيثما تشاء ، لذا تبين لنا ان تحديدنا ينطوي على غلطة وتناقض. وقد دمغونا بهذه الكلمة ـ الجاز الشرقي ـ - منذ ذلك الوقت ، وهي لاتعدو كونها تأثرا بنوع من الموسيقا سمعناها باعتبار اننا لانعيش بمفردنا. لهذا عندما بدأنا نشتغل لفيروز، بدأ الجميع يقولون ، العارف منهم وغير العارف، إننا نقدم جازاً. ولم يكفوا عن قول هذا حتى عندما أنجزنا لها أغاني تراثية! عندما أنجزنا أغنية «مش فارقة معاي» ، وهي أغنية تخت شرقي اقرب لدور قديم ، قالوا، رغم ذلك، إنها نوع من الجاز!
صحيح أن تأثير الجاز موجود ، لكننا نعمل على الكلاسيك الذي عمل عليه الرحابنة، كما عملوا عليه، فقد اختصروا الأغنية الشرقية المطولة وأنتجوا أغنية قصيرة أقرب الى الأغنية الخفيفة التي كانت منتشرة في العالم خلال الخمسينيات والستينيات. نحن تأثرنا بهذه التجربة مباشرة وحاولنا ان نكمل التجربة مع تأثر أكثر بالموسيقا اللاتينية وموسيقا الجاز، لكن تأثير الجاز لم يكن كبيراً الى هذا الحد، فالتقسيم لم يستخدم كثيراً في الأعمال التي يسمعها الناس لفيروز، باعتبار أن أكثر من عملنا له بهذا الأسلوب هو فيروز .
عملنا بعض التجارب، لكن تلك التجارب غير معروفة ولا موجودة في الأسواق، ونحن لم نصل فيها الى معطيات ثابتة، ليس هناك اسطوانة أستطيع أن أقول: إنها تحوي ماتوصلنا إليه أو ما زلنا نعمل عليه.
ہ قلت سابقاً إنك تقوم بتهريب الموسيقا الآلية الصرفة في السيديات؟
ہہصحيح. إذا راجعت السيديات، ستجد أن المقطوعة الموسيقية الواحدة لاتمر الا على ظهر عدد من الأغاني. وإذا زادت نسبة المقطوعات الموسيقية في الألبوم، يبدأ المنتج بالتساؤل: ألا توجد أغنية أخرى ؟ بمعنى خلصنا من هذه المقطوعات.
ہهذا يعني أننا لم نصل بعد الى مستوى الموسيقا الخالصة التي هي الأرقى.
ہہنعم . لو سألت أي موسيقي سيفضل الموسيقا على أية كلمة مهما كانت، لأن الكلمة مهما كانت تبقى محددة.
ہ في أحد برامجك الإذاعية القديمة سخرت من الرومانسية المفرطة لعدد من الفنانين اللبنانيين...
ہہموضوع الوطن الحلم تناولناه في عمل كامل هو « شي فاشل »
ہفي أغاني المرحلة الأولى من تجربتك الإبداعية مع فيروز خلقت مزاجاً مضاداً للرومانسية عندما أدخلت أكل الخس والتين في كلمات الأغنية وبدلاً من وضعية الحبيب ذليلاًً ومهجوراً يشحذ الحب جعلت فيروز تخلع ثوب «الغيم والندي» وتهجر النار التي «تغفى بحضن الموقدي» لتقلب الطاولة في وجه الحبيب قائلة له «مش فارقة معاي» !
ہہفيروز كانت متخصصة بالرومانسية فقط. وهي لم تتغير كثيراً إلا أنها بدأت تنوع .
ہ باعتبار أنك طلعت من تحت ظلال الرحابنة ، أحببت أن تختلف عنهم من خلال إنكار الرومانسي الموجود في داخلك. في ضوء ماسبق، يخيل إلي، من خلال متابعتي لتجربتك، أنه يكمن في داخلك رومانسي مقموع، ما رأيك؟
ہ لاشك .لاشك!
ہ هل يعدنا هذا الرومانسي بشيء للمستقبل؟
ہ ربما ، عندما تبدأ علائم الخرف الأولى (يضحك).
ہ عندما جاءت فيروز الى الشام قلت على شاشة التلفزيون السوري : إن زياد الرحباني أنجب فيروز إبداعياً مرة أخرى، بعد أن أنجبته الى هذا العالم...
ہہ (مقاطعاً وهو يضحك ) وما أحد قال لك شيء؟
ہہ عن جد، أعتقد أن تجربة فيروز مع كلماتك وموسيقاك ونَفَسَك ، كانت بمنزلة ولادة جديدة لها ولفنها ، ماهي المكونات الرحبانية المستمرة في تجربتك وما الذي طورته من تلك المكونات؟
ہہعندي انطباع أن عاصي الرحباني لو استمر لفترة أطول، كان سيصل الى شيء ليس بعيداً عن الشيء الذي أجرب أن أعمله. وهناك إشارات لذلك في أشياء أنتجها الرحابنة منذ زمن. ففي مرحلة البدايات جربوا أكثر مما فعلوا عندما ثبتوا في المرحلة الأخيرة. ولو عدنا الى الأعمال القديمة جداً للرحابنة، ستجد أنهم قد استعملوا الكثير من «القصص » التي قمنا نحن فيما بعد بإعادتها وأكدنا أنها تحمل تلك السمات. خذ مثلاً أغنية «بقطف لك بس » تجد أنها تحتوي كل عناصر الأغنية الحديثة مثل الـ Syncope - السينكوب، و هو طريقة إيقاعية تقوم على تأخير النبر- وغيره من الأمور التي لم تكن موجودة كثيراً في الأغنية العربية... اشتغل الأخوان رحباني على الرومبا والبوليرو أعداداً كبيرة من الأغاني ، لم يصل الكثير منها الى أجيالنا الحديثة، كما قاموا بترجمة أعداد كبيرة من الأغاني العالمية وأخذوا الإيقاعات التي كانت شائعة في وقتهم وبدؤوا يؤلفون اشياء مشابهة لها. ولو بحثنا عن الأعمال الرحبانية الناجحة التي لاتزال تقدم عندنا وتسمع في الغرب بسهولة، سنجد من بينها أغنية «نحن والقمر جيران» وهذه أغنية كلاسيكية لها مكانها في ذاكرة الكثير من العرب، وهي كأغنية يمكنك أن تضع عليها أي كلام غير عربي وتبقى محافظة على مستواها. هذا الأمر تحقق لدى الرحابنة بفضل كمية الترجمات التي أنجزوها ، وبعدها تابعوا على هذا المنوال فجاءت «بقطف لك بس » و «سأل الحلو» و «دق الهوا عالباب ». وهذا يعني أن الرحابنة حققوا الشيء الذي حاولنا نحن أن نعمله.
في عام 2005 قدمنا حفلة في أبو ظبي وضعنا فيها أغنية «بقطف لك بس»للأخوين رحباني وغنينا بعدها أغنية جديدة من شريط «أنا مش كافر » عنوانها « شو عدا مابدا » فمر الأمر بشكل عادي وقد أشار مذيع الحفل إلى أنه يوجد فارق زمني بين المقطوعتين مدته نصف قرن. ما أود قوله هو أن ما أقوم به ليس ابتكاراً مختلفاً عما كان من قبل، وليس بدعة كما يقول الناس الذين يزعمون أنني اخذت التراث الى مكان آخر. هذه الأقوال فيها مبالغة.
شكل الفرقة الموسيقية قد يغش أحياناً، لكن الجملة الموسيقية التي أقدمها ليست جديدة تماماً عما قدمه الرحابنة من قبل، وهذا هو رأيي التحليلي الدقيق.
ضمن البرنامج الذي قدمناه في قلعة دمشق مرت أغنية اسمها «يا ليلي » مغنى هذه الأغنية صعب جداً، لأنك تستطيع أن تعزفها دون كل هذه الفرقة، تستطيع أن تقدمها على عود فقط ، لكن الخلفية التي معها في التوزيع يمكن أن توحي لك بشيء آخر وتحجب وجهها الشرقي...
ہتقصد كثرة آلات النفخ النحاسية الغربية في الفرقة؟
ہہبلى ، كثرة تدخل النفخ وكثرة تدخل «السنكوبات» في الجزء الإيقاعي من المقطوعة، وإذا أوقفت هذا كله وقدمت المقطوعة معزوفة على عود يرافقه صوت، عندها تستطيع أن تتأكد من أنها مغنى شرقي بحت، وهذا المغنى لايستطيع أي كان أن يؤديه بسهولة ! الصبايا اللواتي كن معي ممتازات ، لكن يوجد في منتصف المقطوعة موال مغنى تصدت له رشا رزق وأدته بشيء من الصعوبة، لأنه موال مغنى مربوط.
ہأنت في بعض أعمالك استخدمت الفرقة الشرقية بشكلها التقليدي القديم. كما في «أنا مش كافر» صحيح أنك غالباً ماكنت تقدم تنويعاتك الجديدة المبتكرة ، لكنك في «هدوء نسبي » مثلاً قدمت شيئاً مختلفاً تماماً، قد يبدو الأمر بالنسبة لك متشابها باعتبار أنك في مركز التجربة ... لكنني كمتلق من خارج التجربة، أراه مختلفاً تماماً، أو هذا مايبدو لي على الأقل.
ہہهذا الكلام ينطبق على مقطوعة «هدوء نسبي» وحدها ولا ينسحب على كل مقطوعات الألبوم ، هذه المقطوعة مبنية على إيقاع يدعى «وحدة كبيرة» ويمكنك استبعادها من الألبوم إن شئت. غير أن هذا لاينطبق على الألبوم بمجمله.
ہقد يكون الأسلوب واحد لكن شكل التعبير يختلف، كما لو أنك شخص واحد يعبر عن أفكاره ذاتها بلغتين مختلفتين.
ہہتشبيه الأوركسترا باللغة أوافق عليه ، لكن الأفكار هي نفسها في الحالتين.
ہأحد الزملاء الصحفيين نقل عنك قولك «محبة السوريين مرعبة»ووضعه مانشيت في إحدى الصحف؟
ہہ (يجيب بمرح وشيء من تهكم ) عممها رشيد! أذكر أنني قلت له: إنني «مرعوب» هنا تتدخل الإعلامية ضحى شمس لتخبرني أنهم قد صححوا العبارة في الإذاعة ، وأن ماقاله زياد هو : «مرعوب، نحاول أن نبقى مصبَّرين كما الصورة الموضوعة في الملصق، كي لايغير الجمهور رأيه، وقصده من الرعب هنا هو أنه مبسوط». يتابع زياد : الرعب هنا من الاهتمام المعمم على الملصقات والشعارات والأعلام...
- في قلعة دمشق رأيت ليلة الأحد شاباً حليق الرأس يثبت العلم الذي عليه صورة زياد بإطار نظارته وقد صورته بالهاتف المحمول لطرافته. (يضحك زياد لمرأى الصورة ) كما رايت عدة بنات وقد صنعن لأنفسهن تيجاناً من الأعلام التي تحمل صورة زياد .
ہ نرجع للموسيقا ، من الواضح أنك لم تعد متحمساً لمفهوم الجاز الشرقي الذي أطلقته أنت.
ہہ حينما أقمنا تلك الحفلة في أواسط الثمانينيات.كتبنا على الملصق إنها جاز شرقي وكنا مصرين على أن ذلك الاسم، جاز شرقي، هو بمنزلة اكتشاف! لكن ذلك الاسم في الحقيقة لم نكن نحتاجه .لأننا كنا مثل أي فريق في أي مكان في العالم يجرب أن «يُقَسِّم» على نغمة موجودة، الفرق يتوقف على هوية ذلك الفريق؛ هذا لبناني ، هذا عراقي ، هذا كولومبي، لكن هذا النوع من الموسيقا وهذه الطريقة في التعاطي مع ميلودي معروفة يؤديها كل واحد بأسلوبه، هذا هو الجاز. وطريق الجاز مفتوح على كل الجهات، يستطيع كل واحد من خلاله أن يصنع ما يريد، هناك أنواع من الجاز التجريبي هي مجرد أصوات «حرتقة»، هناك جاز حر . لذا أقول: إن الجاز أوسع من أن تحده في منطقة ما مثل الشرق .
وقتها لم نكن ندرك معنى العبارة، أقمنا مختبراً ووجدنا أن هذا جاز شرقي، لكن هذا التصنيف أصابنا بالعطب لأننا بتنا بحاجة لأن نشرح للناس بأن هذه الأغنية لا علاقة لها بالجاز البتة. كما قلت إن هناك أغاني صنعناها بشكل تقليدي مئة في المئة نفذتها فرقة من أربع أوخمس آلات تقدم مغنى فقط ، حتى هارموني لا يوجد فيها، مثل ألبوم «أنا مش كافر»، لكن الصحافة استمرت في قولها كلما أنتجنا عملاً أننا لا نصنع إلا الجاز!
ہخلال السنوات الماضية ظهرت ألبومات موسيقية عديدة ضمن هذا الإطار من أشهرها أعمال ربيع أبو خليل و أنور إبراهيم وغيرهما ، ماذا تسمي هذه الأعمال إذا كنت لا تريد أن تسميها بالجاز الشرقي؟
ہہسأقول لك شيئاً قد لا توافقني عليه، هذه هي الموسيقا التي يريد الغرب أن يصنعها بالنيابة عنا ويصدرها للعالم باسمنا. هذه هي الموسيقا التي يصنعها الصهاينة في العالم بدلاً من العرب. اختصار تراثنا بهذه الطريقة وإعادة تصديره لنا! هذا هو الشيء الذي ليس من السهل علينا أن نقوم به مع الشركات العالمية لتقوم بتسويقه. إنهم يفضلون أن نبقى نحن نقوم بموسيقانا بشكل تراثي مئة في المئة، وأن نبقى نعيش التراث، وأن تبقى صورتنا فيها صحراء وخيمة وجمل ، وأن نبقى كذلك، أما الشيء القابل للتطور فيفضلون هم أن يعملوه وأن يسوقوه للعالم كله ولنا من ضمن العالم.
ہمن الواضح أنك تنظر بعدم ارتياح إلى هذه التجارب؟
ہہ نعم لأن هناك قلة قليلة من الفنانين الذين استطاعوا خرق هذا الطوق المضروب حولنا في العالم. فإذا ما قدمت موسيقا شرقية جيدة مطورة بالمحلي دون أن تخرج منه، أي لها جذور ، سيقولون لك إنها موسيقا ممتازة لكنهم لن ينتجوها لأسباب غير مفهومة. هناك أشخاص أمضوا عمراً في الخارج أنتجوا بأنفسهم أعمالاً موسيقية لحساب شركات صغيرة لكنهم عجزوا عن الوصول إلى شركات الإنتاج والتوزيع الكبرى... هذه الشركات التي تقوم بتسخيف الموسيقا الشرقية.الموسيقا الشرقية ليست بسيطة، وليست محصورة بالزنة واليونيسون التي يعملها «أنور إبراهيم في مقطوعاته. الآن من الدارج في الإيقاعات الإلكترونية الحديثة «التيكنو» أن تسمع شخصاً يقول شيئاً كأنه بدائي، ربما باكستاني أو أفغاني وهذا الصوت يمثل شعوب العالم الثالث. قبل سنوات كانت هذه الظاهرة تتجلى على شكل آذان يرفع من بعيد أما الآن فقد بدؤوا بفعل هذا الأمر على نطاق أوسع بعد أن احتلوا أفغانستان والعراق.
ہتجربة ظافر يوسف الذي عزف قبلك ببضعة اسابيع في قلعة دمشق ، من هذا النوع...
ہہ هناك كثيرون من هذا النوع، قبل عامين أو ثلاثة جاء الى مهرجان بيت الدين عازف ناي تركي ...محتال دولي .
ہتقصد أنه يقدم صورة كوزموبوليتانية للشرق بغرض تسويقها في الغرب؟
ہہبالضبط. أنا أسميه فن «التُّرَازمْ» وهذا المصطلح مزيج من كلمة التراث العربية وكلمة Tourisme الفرنسية لأنه يخلط التراث بالسياحة. تدخل إلى فندق فتجد بطاقات سياحية قرب الباب ، وأنا أعتقد أن هذا النوع من الاسطوانات الموسيقية يجب أن يباع عند أبواب الفنادق.
إذا ذهبت إلى أوروبا وبحثت في محلات الموسيقا الكبرى عن أسطوانات فيروز ووديع الصافي ، وكلاهما صاحب اسم كبير في لبنان، فلن تجدهما إلا في قسم الإثنيك ـ موسيقا الشعوب ـ ولن تجد آخر إنتاج لهما أيضاً. وإذا خرجت من باريس فلن تجد أي تسجيل لهما، بالرغم من أن أنهما كلاها يتعاملان مع شركة أوروبية شهيرة . نحن لم نخرج من هذا الإطار بعد ، حتى عندما يتعلق الأمر بأسماء مثل فيروز التي يجب أن تكون قد وصلت للغرب إذا كان أحد منا قد وصل، لن تجد أعمال فيروز، لكنك ستجد أعمال ربيع أبو خليل وأنور إبراهيم بسهولة أكبر ، وبالمصادفة أنور إبراهيم يهودي.
ہغياب جوزيف صقر كان حاضراً في حفل قلعة دمشق، إلى أين وصل بحثك عن بديل يحاول تعبئة الفراغ الذي خلفه رحيل هذا الفنان القدير؟
ہہأكيد كان غياب جوزيف صقر حاضراً بقوة ، وقد كان من الممكن للفراغ أن يكون أكبر لو لم يقم الناس بخلق هذا الجو . لا، لم تكن هناك طريقة لتعبئة الفراغ. بحثنا عن أحد قادر ، لا على أن يؤدي مثل جوزيف ، لأنه في الحياة لا أحد يشبه الآخر ، بل لأن يخلق جواً معيناً، لكننا لم نجد. وأنا لم أبدأ البحث قبل هذه الرحلة ، بل بدأته عقب وفاة جوزيف مباشرة. وهذه مشكلة لهذا النوع من الغناء، لهذا جربت أن أشارك في الغناء مع آخرين رغم أنني لا أقدر أن أصيب النوتات بسهولة.
ہالزميل وسيم إبراهيم من الحياة وصف لحظة لقاء الجمهور السوري بك : « صار التصفيق عاصفة، لكن المفاجئ أيضاً ان الصمت المطبق ما لبث ان حل بمجرد صدور أولى نغمات العازفين. الجمهور كان مبتهجاً وملتاعاً، ولكن في الوقت ذاته متشوقاً للسماع». وأنت قلت خلال سهرة يوم الأحد في قلعة دمشق: إن الجمهور حافظ كل شي، وطلبت من الجمهور في حال اجتماعه ان يعلمك أنت والفرقة الموسيقية بذلك وعندها ستدبر لكم الأمانة العامة بطاقات دخول! عقب وصولك قلت إن حب السوريين يخوف ، كيف بدا لك ذلك الحب بعد أن تكرر اللقاء مراراً.
ہہالشيء الذي تأكدت منه هو أن الأمر كان يحتاج لاستعداد أكبر ، لكن هذا الأمر ما كان لنا أن نعرفه دون أن يتم مثل هذا اللقاء مع الجمهور، سألت جماعة الاحتفالية عن الأشياء المناسبة وغير المناسبة، وأطلعتهم على مخاوفي، صحيح أنهم كانوا يطمئنونني طوال الوقت، لكنني رغم ذلك لم أطمئن تماماً وقد سحبت من البرنامج أشياء ندمت لأنني سحبتها عندما رأيت أن هذا الجمهور يعرف الموسيقا إلى هذا الحد.
صدقني أن أغنية «صباح ومسا» لا أحد يعرفها من مطلعها ، حتى في لبنان، فهي تبدأ بمقدمة غير قابلة للحفظ ، مقدمة تبوب للازمة ، وحتى اللازمة من غير السهل حفظها ، لكنهم رغم ذلك ، عرفوها من أول موسيقاها.
مستوى الجمهور تجلى حتى في طبيعة التصفيق ، ومعرفته المدهشة باللحظة التي يجب أن يصفق بها وباللحظة التي يجب أن يتوقف فيها عن التصفيق.
ہ ہفي أغنية مثل «تلفن عياش»، كان الجمهور يصفق مع الموسيقا ويسكت للمغنيات عند أداء الكوبليهات!
ہأستطيع القول: إن الموسيقا بالنسبة لي رئة ثالثة ، وقد حضرت الكثير من الحفلات في الدخل والخارج ، إلا أنني لم يسبق أن رأيت تفاعلاً بين جمهور وموسيقي كما شاهدت في قلعة دمشق.
ہہصحيح ،ماحدث شيء كبير، يبدو أن الجمهور سبق أن أعطى لهذه الأعمال وقتاً كي يحفظها بهذا الشكل، لأن حفظ مثل هذه الأشياء لا يتم بمرة أو مرتين. حصل معي شيء ، فأنا أعطي إشارات لقائد الأوركسترا بغرض إعلامه بسرعة المقطوعة القادمة، لكنني بسبب معرفة الجمهور، لم أعد أجرؤ على أن أعزف النغمة المتفق عليها، صرت أعزف السرعة فقط ، كي لا يعرف الجمهور المقطوعة فيصفق عليها قبل أن نبدأ بعزفها ! (يضحك).
ہقائد الأوركسترا أشبه بجني فهو يرقص بأصابعه وكل كيانه مع الموسيقا ...
ہہالأرمن قريبون جداً منا فهم شرقيون مثلنا، هم يحسون بهذه الموسيقا بشكل جيد ، ونحن نتعاون معهم منذ عام ألفين عندما أقمنا حفلاً موسيقيا بهذا الحجم لفيروز. ومن وقتها وهم يعملون مع فيروز هم والموسيقيون السوريون ، وغالباً ما تكون هذه الخلطة موجودة، لكن نسبة الموسيقيين السوريين في هذا الحفل كانت أكبر لأنهم متوفرون.ہسمعت أنك مررت خلال الفترة الأخيرة بحالة إحباط بسبب تدني الفن الرائج وطغيان الفيديو كليب، وتكاثر من يغنون بمختلف أعضاء أجسادهم عدا حناجرهم، كيف تنظر الى حال الفن الرائج الآن ، في ظل طوفان الفضائيات الهابطة التي صار عددها بالمئات ؟
ہ ہلا والله ، هذه حالة لا يمر المرء بها ، لأنها راحت أبدية، كما أنني لا أتعاطى بهذه الأمور، لأن هذا الوسط لا علاقة لي به. هذا الوسط هو سبب قعودي في البيت عملياً ،فكيف أكون على علاقة به. لأن كل شيء يذهب له؛ الإنتاج وسواه ، صحيح أنني لو فكرت بالعمل على طريقته، عندها يمكن أن أنافسه. ثمة دائماً عروض من المطربين والمنتجين للانضمام إلى هذا النادي ... فجمهورية روتانا ترسل إشارات دائمة لمن يودون الدخول...
ہتقصد مملكة روتانا؟
ہہبالضبط ، إنهم يجسون النبض دائماً بالرغم من أنهم باتوا قاطعي الأمل . الآن تمكنوا من قضم السوق قطعة فأخرى وتمكنوا من الإمساك به كله على مستوى الإعلام والإنتاج، وهم السبب وراء قعودي أنا وغيري في البيت.
ہهل تعتقد أن هذا الشيء بريء ؟
ہہلا ، ليس بريئاً، خاصة إذا عرفت أن السلفية والفن الهابط مركزهما واحد، وهما من إنتاج جهة واحدة . فمن أين تأتي البراءة لمثل هذا الأمر! انظر إليه هنا كم هو منفتح وهنا كم هو ... إنه أصولي في المسألتين!
ہعلمت أن عاصي كان يسألك دائما عن كل لحن جديد يقوم به، إن كان جميلا أم لا... وقرأت على لسانك قولك: « لم يكن عاصي يختار النسخ التي انا ابن السادسة من عمري، أختارها، ولكنه كان أسلوبه ليجعلني أشعر أن لي رأيي الخاص الذي أعتمد عليه...»
ہ ماذا عن علاقتك بعاصي وأسلوبه في تنمية شخصيتك المستقلة؟
ہہاعتقد أنه كان يعلمني بشكل مواز مع الأستاذ الآخر الذي كان يعلمني الموسيقا وهو الأستاذ بوغوص جيلينيان ، الذي رافق الرحابنة لفترة طويلة على البيانو . يبدو لي أنه كان يعلمني، دون شعور مني ، ذلك الجزء الذي توصل إليه بالتجربة في مجال الموسيقا، كان أحيانا يقدم المعلومة كما لو أنه يطرح علي حزورة. وأنا لا أعرف ما إذا كان بحاجة لرأيي حقاً، غير أنني أستبعد عدم تأثره به.
ہأول عمل أنجزته كان ديواناً شعرياً بعنوان « صديقي الله » كتبته بين عامي 1967 و 1968 وفي ذلك الوقت كنت في الثالثة عشرة من عمرك . والحق أنني قرأت هذا الديوان مؤخراً فأثأر اهتمامي.
ہہعاصي هو الذي جمع تلك الكتابات وطبع منها حوالي خمسمئة نسخة وزعها على أصدقائه،دون أن ينزلها الى السوق ، يبدو لي أنه كان يعتبرني الطفل المعجزة.
(يضحك) لكنني ما إن مرض أبي حتى قمت بجمع النسخ المتبقية وأخفيتها!
ہفي الديوان أفكار فلسفية كبيرة، كيف وصلت إليك؟
ہہالمرء يتأثر مباشرة ، كان في بيتنا كمية من كتب طاغور وأنا كنت أقرأ ما أراه أمامي وهناك تركيز على طاغور ، أما من هو طاغور فلم أكن أسأل.(يضحك).. أنا عندما أقرأ ذلك النص الآن، أشعر أن طفلاً كتب شيئاً في عمر معين ثم قام والده بطباعة ما كتبه ولا أعرف ما إذا كان في تلك الكتابات شيء.
ہ أعتقد أنه في تلك الكتابات بشائر زياد الرحباني الذي اكلمه الآن. في تلك الأشعار أهم مكونات عالم زياد الأساسية: نزوعه للعدالة ، حبه للخير والجمال ، ميله للبساطة ، وعلاقته بالله الذي هو عاصمة الخير ، هذه الأشياء يمكن للمرء أن يلمسها بوضوح في تلك الكتابات المبكرة ، وهي تظهر أنك لم تصبح بالمصادفة حليف المضطهدين (صمت).
أنت أيضاً تمارس الصحافة بين وقت وآخر . أنت صحفي من نوع خاص، ما الذي يغريك بعبور باب الصحافة الضيق وأنت تملك أجنحة الموسيقا المفتوحة على المطلق؟
ہہهذه التجربة كان لها هدف واحد، هو المساهمة بإطلاق جريدة الأخبار مع المرحوم جوزيف سماحة. والحق أنني عانيت لأنني اكتب الدارج بسهولة، وقد أردت أن أساهم في الجريدة، لكنني لم أفكر بتلك المساهمة كعمل صحفي بدليل أنني لم أستطع أن ألتزم بحجم معين، ولم أستطع أن أعرف كيف يستطيع الصحفي أن يضبط نفسه بأربعمئة أو خمسمئة كلمة. صحيح أن جوزيف قال لي اكتب بالشكل والحجم الذي يناسبك، لكنني لاحظت أن قراءة الدارج ليست سهلة لأن العامية ليس فيها مصطلح نهائي. لم يكن هدفي هو التعدي على الصحافة بل كان الهدف هو المساعدة في إطلاق جريدة الأخبار، خارج سياق الإعلام الموجود، لأن جل الصحف باتت مشتراة ، حتى صحيفة السفير التي كانت الأقرب لنا ضاعت لبعض الوقت بعد أن توفي الحريري، وفي هذا الجو أردنا، ونحن مجموعة نعرف بعضنا من أيام الحرب الأهلية ، أن نقدم شيئاً مطبوعاً ، والهدف من المشاركة يكمن في هذه النقطة، لا في الكتابة في الصحافة، فالكتابة النحوية لها ناسها.
ہأحسب أن علاقتك بلبنان مثل الأرزة يصعب أن تستبدل جبلاً بآخر .
ہہصار الوضع هكذا مؤخراً، أنا لم أكن أعلم أن البلد سيصل إلى الوضع الذي هو فيه، لكن بات من الصعب أن يتحرك المرء من لبنان أو أن يفكر بذلك ، فمثل هذه الأشياء كان يجب على المرء أن يحسمها في وقت مبكر، أن يقوم بهجرة او نصف هجرة ، لأنه يوجد الآن أشخاص يعيشون في بلدين...
ہ لست أظن أنك نادم لأنك لم تحسم خياراتك باكراً.
ہہ بلى أنا نادم، لأن الاستمرار هناك بات صعباً جداً . صحيح أنها ليست أمنيتي أن أهاجر، لكن الاستمرار هناك صعب جداً ، فالبلد واقف منذ ثلاث أو أربع سنوات.
ہ هل أفهم من ذلك أن اسم زياد الرحباني وسمعته باتا يشكلان عبئاً عليه؟
ہہالاستمرار في الشغل بات عبئاً ، أما الشهرة والسمعه فهما مجرد ذيول . المشكلة أن استمرار المرء في شغله الموسيقي بات عويصاً جداً، المشكلة هي أن المرء تأخر في اتخاذ أية خطوة أخرى، فأنت عملياً عالق في البلد ، لكن ليس برضاك التام. ظروف الحرب الأهلية تأقلمنا معها ، لكن هذه الظروف لا تنتمي لا للحرب ولا للسلم فهي مزيج من الاثنين.
أنا أضطر، كي اشعر أنني ما أزال أعمل ، لأن أعزف في محلات ومطاعم تصل فيها ضجة الصحون والصراخ لدرجة أنه لا أحد يسمع فيها شيئاً ، رغم ذلك فالناس يأتون، يقطعون البطاقات، ويملؤون المحل، لكن الجو أقرب لجو السوق. وسبب هذا هو أن المرء ليس لديه شيء آخر يفعله. فإنتاج حفل موسيقي أمر صعب جداً ، لذا يضطر المرء للعزف في أماكن ليس من الأصول العزف فيها.
ہهل تعزف يومياً ؟
ہہ لا ، أنا أعزف في المحلات مرة أو مرتين في الأسبوع، لكن مرَّت علي فترة كنت أعزف فيها يومياً. منذ سنتين لم يبق لي كي أبقى متذكراً آلة البيانو والموسيقا سوى أن أعزف في مثل هذه المحلات التي لا توجد قوة يمكن أن تجعل الناس يسمعون فيها شيئاً. والعجيب أنك تجد الناس في حالة انبساط، إلا أنهم يفعلون شيئاً آخر ، فهم يخبرون أصدقاءهم أنهم كانوا يستمعون لفلان!ہثمة لوحة تذكارية تحمل صورتك يوقع عليها عشاق فنك ترحيبا بك ، وهذه اللوحة تتجول في شوارع دمشق يحملها عدد من الشباب الذين ليس لهم من دافع سوى إيمانهم بقيمك ونظرتك النزيهة للعالم، ماذا تقول لهؤلاء الشباب ؟
ہہ(يضحك محرجاً ) ماذا أقول لهم ؟ (صمت ) أود أن اسألهم: ماذا يتوقعون مني؟ لكن أول شيء أود أن أشكرهم. تقول إنهم يؤمنون بنظرتي النزيهة للعالم ؟ أعتقد إنهم يحملوني بهذا مسؤوليات كبيرة.
ہأنت من حملت نفسك هذه المسؤوليات، تاريخك هو الذي حملك هذه المسؤوليات فأنت في المفاصل لم تتاجر ولم تكذب.
ہہصحيح، لكن تكريس هذا الأمر بلوحة وإمضاءات يكرس هذه المسؤولية أكثر واكثر. كما لو أنهم يقولون لي إنه لا مجال أمامك لأن :تلوِّش « أو أن تتعب!
ہخلال السنوات العشر الماضية لم تقدم أي صوت جديد،ومن تعاونت معهم ، الى جانب فيروز ، هم من ذوي التجارب المستقرة والملامح الناضجة كلطيفة مثلاً.
ہہالشغل مع لطيفة جاء بعد فترة دون عمل، خاصة أن لطيفة تسعى لأن تكون لها خصوصية تتميز بها عن المطربين الآخرين ، ولهذا حصل التعاون خاصة أنها هي من أنتجت العمل.
ہسمعت أنك عرضت أغنية :« أمِّن لي بيت» التي غنتها لطيفة على فيروز أولاً؟
ہہ هذا صحيح ، هناك ثلاثة من الألحان التي غنتها لطيفة كانت لفيروز، لكن فيروز تترك الألحان لفترة طويلة أحياناً، فبلغتها أنني اود أن أشتغل ، فقالت : حسناً.
ہعندما جاءت الملكة فيروز الى دمشق، تطاولت عليها بعض الألسنة في لبنان، فيما لم يجرؤ احد على تناول زيارتك لدمشق بكلمة واحدة، هل سبب ذلك هو أن مجيئك الى دمشق تزامن مع زيارة الرئيس اللبناني ميشال سليمان؟ أم أن لسانك المشهور بصولاته وجولاته في مجال السخرية ،هو الذي حماك من السنة بعض اللبنانيين؟
ہہ (لا أتصور) في كلا الحالتين. المهم أنه لم يكتب كل ما سيكتب حتى الآن. عندي انطباع أنهم كانوا يتوقعون على المسرح أموراً أخرى غير التي قدمناها ، كأن يكون التعاطي مع الناس أكثر أو ان تقال بعض الأمور ... والحقيقة أن شيئاً ما ظل مجهولاً إلى أن التقينا بالناس، والآن بات بوسع المرء إذا كان يُحَضِّر لحفلة أخرى أن يكون أكثر ثقة لأنه بات يعرف أكثر بكثير.
ہعزفت مع فرقة موسيقية نصفها من العازفين السوريين ،و فيها أرمن ولبنانيون وثلاثة من فرنسا وهولندا، إضافة إلى خمس مغنيات سوريات. كيف تقيم هذه التجربة؟
ہہالتعامل مع الموسيقيين في سورية الآن يذكر بشيء قديم لم يكن موجوداً في الماضي إلا في مصر ، وهو متراجع في مصر الآن، لكنه طالع في سورية، فقدرات الموسيقيين في سورية نادرة في الشرق كله ، إذ لديك موسيقي يستطيع أن يعزف في اوركسترا كلاسيكية ، كما يستطيع في الوقت نفسه أن يعزف الربع صوت تماما.
ہالفضل في هذا يرجع للمعهد العربي والمعهد العالي للموسيقا لأنهما يعلمان للطلبة الميتود الغربي والشرقي في آن معاً.
ہہ هذا الشيء لا يوجد بسهولة في أي مكان ، كذلك الأمر في مجال الغناء، فالشابات هنا يستطعن اداء مختلف أنواع الغناء من الأوبرا الى الغناء الإيقاعي الحديث الى التطريب، وهذا الأمر غير متوفر في أماكن أخرى ، لذا يجب أن يستفيد منه الموسيقيون في سورية.
في بيروت الأمر مختلف، فمن يغني الغربي أو الإيقاعي تجد لفظه العربي غلط ، ولا يستطيع أن يؤدي الربع بشكل صحيح. عندما نجلب كورس لفيروز نختاره من فئة غربي ـ شرقي، أي ثلاث بنات من كل نوع لأنه ليس لدينا أشخاص يستطيعون القيام بالأمرين معاً وهذا الأمر ينطبق على الموسيقيين أيضاً. وقد لا تصدق إذا قلت لك إنه لا يوجد عازف فيولا في لبنان. عملوا فرقة سمفونية لكنها كلها مستوردة ، أساسها ليس من اللبنانيين ، بل يتكون من عازفين جاؤوا بعقود وقعدوا، وليسوا نتاج وجود الدولة كما هو الأمر في سورية ، حيث شارك الخبراء الروس في تأسيس الفرقة السمفونية مع طلابهم ثم صار عددهم يقل لصالح المواطنين. هذا أمر ما عندنا شبيه به. بليلة واحدة اتخذوا قراراً بإنشاء فرقة سمفونية فاستوردها المرحوم رفيق الحريري لوليد غلمية، واضافوا إليها بعض المواطنين للتمويه كي لا يتذمروا من عدم وجود لبنانيين في الفرقة، والحقيقة أن الموسيقيين الذين جلبوهم لصالح الفرقة السمفونية، ليسوا جميعاً من نوعية جيدة ، لأننا لا نجلب بعضهم لتسجيل أغنية حتى ولو كانت خفيفة ، نظراً لضعفهم.
عندكم تجد الموسيقيين يتقنون الغربي والشرقي وهذا يشجع المرء على القيام بأشياء يصعب التفكير بها في اماكن أخرى.
ہالفضل في هذا يرجع بالدرجة الأولى للموسيقي المرحوم صلحي الوادي .
ہہنعم ، سمعت صلحي الوادي عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري ، عام 74 عندما كان يسجل موسيقا تصويريه لفيلم سينمائي في استوديو بعلبك بمنطقة سن الفيل في ضواحي بيروت، كان لديه ربع صوت وهارموني منذ ذلك الوقت وكانت تلك هي أول مرة أسمع فيها شيئاً كهذا. وأنا ما أزال أذكر هذا بوضوح.
ہ هناك تجارب متباينة المستوى في مجال تأليف الموسيقا السيمفونية الكلاسيكية في الوطن العربي، من عزيز الشوان في مصر الى وليد غلمية في لبنان، إلا أن تلك الموسيقا لم تتأصل في حياتنا الثقافية ، هل يمكن في المستقبل أن تؤلف سمفونية أو كونشيرتو أو قصيد سمفوني؟
ہہلا أجد من الضروري الالتزام بأي من هذه الأشكال، لكنني فكرت بهذا الأمر عدة مرات، غير أنه ليس من السهل إيجاد الصيغة المناسبة. هناك أشخاص آخرون حاولوا ، ثمة شاب لبناني اسمه عبد الله المصري حاول في هذا المجال ، وقد اقترب كثيراً من الجو الشرقي ، لأنه يسمع كثيراً ولم يقطع علاقته بالموسيقى الشرقية، هناك قريب لنا يدعى بشارة الخوري، لكنه ابتعد عن الشرقي كلياً وانغمس في موسيقا الأصوات (كونتمبورين) ، وهو يعيش في باريس ويتبع المدرسة الفرنسية التجريبية البحتة ، في اعمالهم ، لا تعرف إذا كانت هناك نغمة رئيسة ، ولا يهمهم هذا الموضوع ، فهم يقدمون أصواتاً هرمونية تجريبية، وآخر همومهم أن يرسخ شيء في ذهنك...شغلتهم أن يكسروا الجملة المفهومة. مرة قلت لبشارة الخوري : هناك جملة حلوة في هذه المقطوعة لكنك أفسدتها بعدة أشياء، فقال لي : إذا طلعت معي نغمة بسيطة فهم يعتبرونها بالفرنسي Banal أي سخيفة، ويجب أن «نزعها » بطريقة ما كي يصبح لها طعم !وهذا برايي نوع من الشذوذ في السماع!(يضحك) هم يعملون كثيراً ، لكن موسيقاهم لم تصبح بعد موسيقا للناس حتى في أوروبا. أعتقد أننا يمكن أن نسمع أكثر فأكثر بعبد الله المصري ، رغم قلة الأشياء التي ينجزها، فهو لا يجد الفرصة لإنتاج أعماله ، فإذا كنت أنا لا أجد منتجاً وموسيقاي أقرب الى الأذن فكيف يكون الحال معه هو.
ہنحن العرب ننقسم الى أقلية غنية مشلولة بسبب التخمة ، وأغلبية مشلولة بسبب الجوع ، كيف ترى المخرج من هذا الشلل باعتبارك صاحب رؤيا؟
ہہيجب أن نأمل دائماً ، تفاؤل الإرادة لا يزال موجوداً. وليس لنا سواه في الأساس، لأنه من غير الممكن أن نتابع دونه.
ہكيف ترى المخرج من حالة الشلل هذه؟
ہہ اعتقد أن قيام الحركة الدينية ، مهما كانت نظيفة ، بوراثة الحياة الحزبية، لا يشكل مخرجاً، الأمر برمته يتوقف على مدى رجوع الحركة السياسية إلى العالم العربي. إذا لم تعد الحركة السياسة للوطن العربي فأنا أعتقد أن ما نحن فيه لا يتجه نحو حل...
ہهل يتجه نحو مزيد من التأزم ؟
ہہقد يتجه الى مجهول ، لا أعرفه.
ہقلت في مؤتمر الحزب الشيوعي اللبناني : « لم يخرج من الحزب إلا من كان يجب أن يخرج . الشيوعي لا يخرج من الحزب إلا إلى السجن أو البيت ».
ہہعنيت أن من خرجوا ذهبوا إلى مشاريع أخرى، وما قصدته هو أن الشيوعي لا يذهب إلى حزب آخر، لكنه يستطيع الذهاب الى القهوة أو السينما طبعاً! (يضحك).
ہهل تعتقد أن الرقابة الاجتماعية في بلداننا تزداد صرامة ؟
ہہأكيد ، الرقابة تزداد مع تنامي التيارات الأصولية ، فهم يضطرون الناس لإعادة النظر في اللغة الشعبية وفي العادات الشعبية أيضاً ، لكنكم برأيي محميين بنسبة عالية من هذا الشيء لأنكم تبذلون جهدكم في التصدي له.
ہبماذا تعد جمهورك في سورية ؟
ہہأعدكم بأن أقوم جدياً بالبحث عن كيفية جديدة للشغل مع الجمهور السوري، هنا توجد طاقة كبيرة لم أكن أعطيها الاهتمام الكافي.
ہهل هناك تصورات عملية ، أم أن الأمر لا يزال في طور النية؟
ہہبصراحة وأنا على المسرح كنت أحس بأن ما أقدمه للجمهور هو مجرد بروفة.
ہهل نعد أنفسنا بلقاء قادم قريب ؟
هنا يتبادل زياد الرحباني النظرات مع الدكتورة حنان قصاب حسن، فتبتسم وتقول: سنحاول أن يكون اللقاء مع زياد الرحباني سنوياً.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية