"تروما" السوري و"بارانويا" الكويتي.. علي عيد

يبدو لي أن قرار استقبال اللاجئين يبقى أمراً سيادياً ولا يمكن فرضه قانوناً على أي دولة، لكن هناك ما يثير الحزن أحياناً عندما يخرج عليك محلل أو مسؤول في هذه الدولة أو تلك، وأقصد هنا الدول العربية، ليحدثك عن خصوصيات بلاده وصعوبة استقبال لاجئ سوري، كما فعل الضابط الكويتي المتقاعد فهد الشليمي عندما خرج على قناة أوروبية ناطقة بالعربية مبررا عدم قدرة الكويت على استقبال وإيواء لاجئين سوريين لأنها بلد لا تصلح إلا للعمل ولأنها غير قادرة على استقبال السوريين المصابين بمرض "التروما"، ولمن لا يعرف "التروما" فهي تعني الصدمة النفسية.
لا أخفي ألمي شخصياً لما سمعته من الرجل وإن كنت لا أريد تحميل الكويت فاتورة غضبي لأنها واحدة من دول الخليج التي سدت الأبواب، وربما كان أولى لوم السعودية أو الإمارات أو عُمان.
المزعج هو أن تبريرات الشليمي تتجاوز كل احتمالات المنطق والتاريخ بدءا بما تعرض له الشعب الكويتي من تهجير قسري قبل نحو ربع قرن على يد صدام حسين، والمؤلم أن من الكويتيين من سكنوا بيننا في سوريا دون أن نتحدث عن إصابتهم بالرهاب، فيما انتقل كويتيون إلى السعودية ومصر وباقي الدول العربية.
وكان على الرجل الذي يحمل صفة محلل استراتيجي أن يخبر العالم بأن الكويت تحتضن أكثر من مليوني وافد يساوون ضعفي عدد السكان الخليجيين، وأن الوافدين من دول شرق وجنوب شرق آسيا يتجاوز عددهم 1,5 مليون وافد معظمهم من سائقي السيارات والعمالة المنزلية والخدمية الرخيصة، وربما كان هؤلاء يصلحون للعيش في الكويت أكثر من السوريين، وهنا أجزم أنه على حق لأن السوري بطبيعته غير قادر على أداء مثل تلك المهن.
البارانويا والفوقية التي يتحدث بها بعض العرب تجاه السوريين ليس لها مبرر أخلاقي على الإطلاق، ولن ننكر موقف الأردن الرسمي في استيعاب مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، وهو البلد الفقير بموارده، لكن الغريب هو أن بعض الدول العربية وأخص الخليجية كان يمكنها فتح الأبواب أمام السوريين إن لم يكن بغرض اللجوء فللعمل على الأقل، ولطالما أسهم السوريون في نهضة دول الخليج العمرانية وحتى الاجتماعية، ولا يخفى على أحد أنه ليس من سوري إلا ولديه شهادة أو حرفة أو مهنة واختصاص، فلماذا تركوهم يعبرون البحار ليغرق الآلاف منهم بهدف الوصول إلى القارة الأوروبية.
هل يعتقد أهلنا في دول الخليج أنهم أكثر علماً وحرصاً على أمن مجتمعاتهم من الأوروبيين الذين فتحوا الباب أمام اللاجئين السوريين، وإن كنا لا نزال نرى أن أوروبا والدول الغربية لم تقدم واجبها تجاه مأساة ساهم العالم كله في صناعتها.
لعل الحديث في التاريخ يدفعنا لتذكير الخليجي الذي بات يعتبر نفسه عرقاً صافياً بأن العروبة أمُّها الشام، وأنها عاصمة أو امبراطورية عربية، وإن تحدثنا عن الإسلام فإن مئات الصحابة مدفونون في ثراها.
لن ننسى أن الأسد ونظامه هو المجرم وأداة الجريمة، ولن ننسى أن العرب بغالبيتهم وخاصة دول الخليج العربي سجلت موقفاً سياسياً مبكراً بسحب السفراء، والمطالبة برحيل الأسد، لكن كان يجب استدراك الضعف والعجز العربي سياسياً بالنظر إلى مأساة السوريين اقتصادياً واجتماعياً، وأكرر ما قاله الروائي المصري يوسف زيدان بأن ما ينفقه العرب على الدعارة يكفي لإيواء اللاجئين السوريين.
سأقدم توثيقاً شخصياً في تعامل دول الخليج مع السوريين بعد الثورة، فقبل نحو عامين وإثر خروجي من سورياً مرغماً كان عليّ البحث عن عمل وأنا أبٌ لأطفال وربُّ أسرة، استطعت أن أرسل أطفالي إلى السعودية في زيارة لبيت جدهم لأمهم، واستطعت الحصول على وعد بالعمل شرط أن أصل بأي طريقة إلى تلك الدولة، استعنت بأصدقائي وهم من مواطني تلك البلاد وبذلوا فوق طاقتهم، ولكن دون جدوى.. هل تعلمون السبب علما أنني أفنيت سنوات في خدمة الإعلام والكلمة هناك؟؟، السبب هو أن الخارجية وضعت نظاما إلكترونياً للحصول على تأشيرة دخول إليها وقامت بانتزاع اسم سوريا ... كنت أشعر بطعنة عميقة، لقد طعننا بشار الأسد وأعمل السكين فينا، لكن العرب تركونا ننزف، ربما حاولوا، ولكننا لم نكن بحاجة إلى الأكفان والكرافانات وحتى الضغط السياسي بقدر حاجتنا إلى أكفهم الدافئة وهي تمسح جراحنا، ولا ننكر أن كثيرا من الخير ظهر منهم، ولكن كان أولى لو تركوا شبابنا يشاركون في إعمار بلادهم بدلا من الآسيويين وهذا ليس انتقاصاً من الأسيويين بل لأن جبر كسر الأخ أولى من كل الحسابات الجافة لعلاقات الدبلوماسية، فكيف إذا كان الأخ هو عمدُ بيت العرب، ستبقى خيمتكم بلا عمد أيها العرب حتى رحيل قاتل السوريين ولحين احتضانكم لهم بدل أن تبتلعهم البحار.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية