في اللحظة التي كان يجتمع فيها مجلس الأمن الدولي لمناقشة ممارسات "داعش" بحق المثليين (الشاذين جنسياً) في جلسة وصفت بأنها "تاريخية"، كان السوريون يوجهون نداءات وصرخات وصلت أصقاع الأرض لإنقاذ أطفالهم وشيوخهم من المذابح التي يرتكبها نظام الأسد في الغوطة الشرقية، حيث حصدت الصواريخ الفراغية التي يلقيها الطيران نحو 300 قتيل وألف جريح خلال بضعة أيام.
ربما يغضب مني الشاذون جنسياً، لكنني لا أنكر انحيازي للطبيعة رغم وجودي في بلد غربي يحمي حقوق هؤلاء، وأراهم في الشوارع أحياناً كأزواج من الذكور أو الإناث، حتى أنني أشارك في الجدل من فائدة إصدار تشريعات غربية تسمح بزواجهم، والسؤال الذي يشغلني هو ما الذي سيجنيه المجتمع من زواجهم، هل سيلدون (يتناسلون) بيولوجياً، وهو ضرب من المستحيل، أم أننا فقط أمام ظاهرة تمثل انعكاساً للشذوذ القانوني والسلوكي والاجتماعي، وحتى الأخلاقي.
حقيقة الأمر هي أن موضوعي ليس الشذوذ بحدّ ذاته بل هذه العدمية التي وصلت إليها البشرية حين تنشغل المجتمعات المتحضرة، ومجلس أمن العالم بضحايا تنظيم "الدولة" من المثليين فيستمع الأعضاء لشهادات وصفت بالمروعة لعملية ملاحقتهم ورجمهم أو الإلقاء بهم من أعلى مبانٍ شاهقة على مرأى ومسمع الناس.
والسؤال المحيِّر هو كيف يهتم هؤلاء لمقتل 30 مثلياً على يد داعش خلال نفس الفترة التي قتل فيها الأسد 300 ألف سوري على رؤوس الأشهاد، والسؤال التقني الآخر هو كيف يمكن اعتبار الشذوذ أو الشاذين جماعة يجب الدفاع عن حقوقها في مجتمعات تعتبر هذا السلوك عيباً لا يمكن الإفصاح عنه، هل يقوم "داعش" بدسّ عناصر يتظاهرون بالشذوذ، أم أن لديه هيئة اجتماعية، نفسية، طبية، تحدد وتلاحق مثل هؤلاء، وهل يمكن مع تعارض هذا السلوك أو النمط الجنسي مع القيم الموجودة في مجتمعات الشرق دينياً واجتماعيا أن يكون الغرب قد وجد متسعاً من الوقت لإحصاء هؤلاء، والبت في أن ما يتعرضون له هو ظاهرة تستحق الاهتمام.
قلت في نفسي إنه إن كانت "اللواطة" باباً لتدخل عسكري مباشر للغرب لإنهاء وجود تنظيم "الدولة" في سوريا والعراق فلا بأس، ولعل المسألة تأتي من بوابة حماية مستقبل "أطفال" اللوطيين والسحاقيات من اليتم، خاصة وأن أطفال الأسوياء في دوما والزبداني وداريا ودرعا وريف إدلب وحلب هم أكثر عرضة لليتم بل وللموت دون مراسم وأحيانا كثيرة دون أن يتم العثور على جثامين لهم.
قد لا يعنيني ـشخصياًـ أن يهتم العالم بالمثليين وأن تكون هناك جمعيات تدافع عنهم، لكن أن يتم تحميل القضية على أكتاف أوجاع السوريين والعراقيين بحجة "داعش" فهو يمثل بالنسبة لأخلاق السياسة انحرافاً خطيراً ودليلاً على أن العالم فقد البوصلة، وهو حين يجب أن يجتمع لوقف ذبح ملايين السوريين والعراقيين بسيف الطائفية التي ترعاها الديكتاتوريات، فإنه ـالعالمـ يذهب بعيداً مرة بعقد جلسة "تاريخية" تبحث معاناة الشاذين جراء اضطهاد "داعش".
من انحرافات المجتمع الدولي أنه لم يكن يرى معاناة المثليين قبل "داعش" فالقانون السوري يجرم ـأساساًـ المثلية واللواطة، كما أن هذه الشريحة مرفوضة اجتماعياً، وعالم المثليين في سوريا كان يعيش في العتمة، وفي أحسن الأحول كان المثلي منبوذاً ذكراً كان أم أنثى.
أضف إلى ما سبق، فإن تقرير "هيومن رايتس ووتش" لعام 2014 اعترف بأن المثليين، بشهادة العشرات منهم، باتوا عرضة للخطر بسبب ممارسات القوات الحكومية والمسلحين المتشددين في آن معاً، فإذا بررنا مناقشة مجلس الأمن لهمجية داعش بحق المثليين فمن باب الوجوب استعراض همجية النظام وعسكره الذي قتل حتى الحمير والدجاج.
لا أريد أن يفهم أحد ما كتبت على أنه تبرير لاضطهاد أو قتل المثليين، إذ يجب أن نتفهم وجود مثل هذه الحالات سواء كان لها مبرر طبيعي أو سيكولوجي، لكن ما يدعو للدهشة هو أن السوريين يعيشون ترف الموت، الأمر الذي جعل موت 200 مدني في مجزرة واحدة بالغوطة أمراً اعتيادياً، بينما أضحى تعرض أحد المثليات للإزعاج أو التمييز أمراً جديراً بالمتابعة والقراءة والاهتمام والاستغراب.
لا أريد أن أنفي وجود الشذوذ في مجتمعاتنا، فالشذوذ هو حاصل نمط سلوكي وفكري، وهو يظهر بتأثير المجتمع ويحارب من ذات المجتمع، وحتى عندما نتندر على "الأدالبة" والأمر لا يعني اتهامهم، فإننا نفصح عن نمط موجود في حياتنا الاجتماعية، وهو نمط مخفي في مجتمعاتنا بسبب الدين والعيب، ظاهر في المجتمعات الغربية مع تراجع هيمنة الكنيسة التي وصل الحد ببعض قساوستها إلى ارتكاب جرائم اللواطة بحق الأطفال ومثاله جوزيف فيسلوفسكي سفير الفاتيكان السابق في جمهورية الدومينيكان الذي تجري محاكمته حالياً بتهمة الاعتداء الجنسي على أطفال.
قد يناكف البعض بالقول إن المثلية الجنسية تختلف عن جرائم اللواطة والاعتداء على الأطفال، وأنا أقول إن الاختلاف هو في الأسلوب فقط، أما من ناحية السلوك فهو خروج عن المألوف أي أنه شذوذ في جميع الحالات، ولا أدري إن كان ما نعرفه اجتماعياً هو بحكم الحقيقة العلمية فالطفل الذي يتعرض للاغتصاب الجنسي بطريقة ممنهجة يتحول لاحقاً إلى شاذّ (لواطي).
في المحصلة يمكن القول إن الثورة السورية فجرت طاقات العالم للدفاع عن كلّ شيء إلا البشر الأسوياء، وقد وجد هذا العالم مما يسمى تنظيم الدولة وسيلته لندب الحجر ونصرة المثليين وإشغال الكون في رهاب لن يخرج منه لعقود.
في النهاية أذكّر أن مناسبة الحديث هناـ هي أن مجلس الأمن الدولي عقد جلسة الاثنين 24 آب ـ أغسطس 2015 محورها اضطهاد داعش للمثليين.
*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية