أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

على السوري أن يتكيف مع حرب لعشر سنوات قادمة.. علي عيد

دوما - الأناضول

تشكلت في الآونة الأخيرة قناعة لدى كثير من المحللين والمراقبين بأن القتال الدائر في سوريا يجب أن يستكمل دورته حتى النهاية، إذ لا يمكن الركون إلى اتفاقات سياسية جزئية بعدما ثبت أن التسويات والحلول المقترحة هي أكثر سوءاً مما هو عليه الوضع اليوم.

لم يعد الإنسان السوري معنياً بالحلول السياسية والمبادرات التي تقدمها أطراف دولية لأنها لا تأخذ بعين الاعتبار طموحات غالبية الشعب، إذ من الطبيعي والمفترض أن يضع العالم حدّاً لعمليات القتل الممنهج والعاري التي يرتكبها النظام منذ أربع سنوات ونصف، وأن يكون هدف تغيير هذا النظام الخطوة الأساس، إلا أن ذلك لم يحدث مع استمرار المجازر دون رادع أخلاقي، وبطريقة تظهر أن تلك المجازر وعمليات القتل تخضع لترتيبات إقليمية أساسها صراع نفوذ لدول تلتقي في المحافل الدولية، وتوقع اتفاقات كبرى لكنها تبحث عن دم رخيص يضمن تنفيذ هذه الاتفاقات وفق رؤى متعاكسة كما هو الحال في اتفاق إيران النووي مع الدول الكبرى.

إذن ما هي مصلحة الإنسان السوري في تمرير اتفاقات تبنى على دمه وعلى دمار أرضه وممتلكاته، وكيف يمكن القبول بمعادلة القبول بإعادة رسم الخارطة السورية بما يؤسس لتحكم إيران بمصير المنطقة إلى أجل غير معلوم.

تتحدث الدبلوماسية الغربية اليوم عن تفاهم تاريخي بين أعضاء مجلس الأمن الدولي حول مبادرة سلام في سوريا، لكن تفصيلاً واحداً عن هذا التفاهم الذي تضمنه بيان المجلس لم يظهر للعلن، وبقي الحديث يتمحور حول دعوة مجلس الأمن لوضع حد للحرب من خلال "إطلاق عملية سياسية تقودها سوريا نحو عملية انتقالية سياسية تعبر عن التطلعات المشروعة للشعب السوري"، وليس في النص حديث عن مصير الأسد ونظامه وكبار ضباطه المتورطين في قتل مئات آلاف السوريين.

ويتحدث البيان عن "هيئة قيادية انتقالية مع سلطات كاملة، على أن تشكل على أساس تفاهم متبادل مع تأمين استمرارية عمل المؤسسات الحكومية"، والسؤال الأهم هو كيف وأين يمكن صرف هذا البيان في الوقت الذي تجري فيه عمليات تطهير عرقي بحق المناطق السنية في حمص وريف دمشق الغربي والغوطة بأمر عمليات وتنفيذ مباشر من إيران وعلى مرأى ومسمع العالم أجمع.

كيف يمكن أن يؤدي مجلس الأمن دوره في سوريا وهو يرى ويراقب محاولة تفريغ الزبداني من سكانها السنة لمصلحة الشيعة، والأدهى هو أن هناك مؤشرات على نوع من التراضي الدولي حول ما تقوم به إيران.

اللافت هو أن أي تحرك لمجلس الأمن اليوم يعتبر متأخراً جداً، فقواعد الصراع تغيرت، وبالنسبة للسوريين باتت تتقدم أولوية منع العبث بالتركيبة الديمغرافية للأرض على مسألة تشكيل هيئات حكم وحكومات وشراكات بين نظام سابق ونظام سيأتي.

ربما يقول البعض إن حقن الدم هو الأولوية، إلا أن النزيف سيستمر بأشكال أخرى إن تم فرض التقسيم، ولا معنى لكل عمل سياسي يتجاهل أولوية إخراج قوى الاحتلال، وإعادة المهجرين على أساس طائفي.

هناك حركة متعاكسة محورها إلغاء الحدود الأخلاقية لموقف المجتمع الدولي من منهج القتل الاستراتيجي بتخطيط إيراني، مقابل تثبيت الحدود الجغرافية لمصلحة نفس الجهة المستفيدة، لذلك فإن نظرية استمرار المعركة إلى نهايتها باتت قناعة موضوعية يمكن التفكير فيها، طالما أن كل الحلول المطروحة تضمن ضخ وهدر نفس الكمية من الدم إن لم يكن بوتيرة أكبر واكثر بشاعة، وعلى هذا الحال فإن السنوات العشر القادمة ـعلى الأقل ـ هي بيئة حرب لا بيئة سلام، وعلى الجميع أن يتكيف مع الخسائر الجديدة القادمة.

خلال حروب وصراعات القرن الماضي لم يحدث أن تخلى الأميركيون عن فكرة إنهاك جميع الأطراف، وهم بطبيعة الحال أداروا سياسة "الاحتواء المزدوج" في الحرب العراقية ـ الإيرانية خلال ثمانينيات القرن الماضي، وكعادتهم فإنهم يطمحون دائماً لرؤية جميع الأطراف وهم محمولون على "النقَّالة"، وما تغير اليوم هو أن الإدارة الحالية للبيت الأبيض لا تملك استراتيجية عسكرية تضمن السيطرة على جميع الأطراف، الأمر الذي دفعها إلى قبول إيران كشرطي في المنطقة، ولكن المسألة ستبقى مرهونة لقبول أطراف إقليمية أخرى بهذه المعادلة، فالأتراك والسعوديون غير قادرين على تحمل ضريبة المشروع التوسعي الإيراني بأدوات مذهبية، ولعل إسرائيل بفكرة "قص العشب" وإضعاف الخصوم، وكذلك التركيز على فكرة الدولة القومية تبقى هي المستفيد الوحيد من هذا التناقض، وهنا دليل على أن الصراع ماض إلى آخره مع امتدادات إقليمية وربما خارج الشرق الأوسط. 

على السوريين من وجهة نظري أن يطوروا أفكارهم وأدواتهم وأن يحافظوا على لياقتهم لمباراة طويلة ومتعبة، وهذا يتطلب جهداً نفسياً وبدنياً أعتقد أنهم مضطرون لبذله أمام هذا المشهد العبثي الذي تتداخل فيه المصالح والاتجاهات.

(181)    هل أعجبتك المقالة (182)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي