أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أوباما باع العرب لإيران .. انتظروا أكثر من "داعش"*

الرئيس الأمريكي باراك أوباما - وكالات

قبل العرض والتحليل سأبدأ من النهاية المنطقية بأن ارتفاع منسوب الإحباط والشعور بالحيف والظلم لدى شعوب المنطقة سيؤدي إلى تعزيز دور الحركات الراديكالية، وظهور قوى متشددة أكثر ظلامية من "داعش"، فالمال موجود، والمؤامرة وأجهزة الاستخبارات حاضرة، والوسطيون تم إطلاق النار عليهم من كل الاتجاهات وتمت تصفيتهم عن آخرهم.

اثنا عشر عاماً من المفاوضات حول الملف النووي الإيراني انتهت باتفاق ينص في ملخصه على الحد من أنشطة إيران النووية دون منعها، ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

سيدخل المفتشون إلى المنشآت النووية حتى العسكري منها، لكن سيكون بإمكان إيران الدخول في نادي الدول التي تتاجر باليورانيوم، إذ ستتمكن من التخصيب بشرط عدم تراكم الإنتاج.

دون الخوض في صفحات الاتفاق المئة وملاحقه الخمسة، فإن خامنئي وأوباما سيعلنان بطبيعة الحال انتصارهما في التوصل إلى الاتفاق، فمن الذي انتصر حقيقة، وما هي تبعات هذا الاتفاق ومن هم أبرز المتضررين.

يكذب أوباما في إعلانه الانتصار، ويصدق العرب في إعلانهم الخسارة، وهي مفارقة عجيبة، فالكل خاسر في هذا الاتفاق باستثناء إيران، لكن كيف يمكن شرح مفهوم الربح والخسارة لدى الجميع.

لقد ربحت إيران بناء على ما تضمر لا على ما تظهر، وخسرت أيديولوجياً فقط بعد كشف كذبها المفضوح في شعارات محاربة الاستكبار العالمي متمثلا بالولايات المتحدة، وكذلك سرقتها قضية العرب المركزية، القضية الفلسطينية، بادعائها دعم المقاومة، واستغلالها مكانة القدس لدى شعوب المنطقة، إذ يتبين حرص إيران على توسيع نفوذها الجغرافي على حساب القوى التقليدية عبر دعم حروب مذهبية في سوريا والعراق واليمن والبحرين ولبنان.

وليست الضحكات التي يطلقها مفاوض إيران الوزير جواد ظريف سوى جزء من دعاية النصر الإلهي التي اعتمدتها الثورة الإيرانية منذ عقود حتى لو ارتدت هذه الدعاية البدلة الرسمية في أروقة الأمم المتحدة وعواصم الغرب.

لن تستطيع إيران تبديل سلوكها للانتقال من مفهوم الحكم الدوغمائي الديني إلى مفهوم حكم الدولة، إذ ليس من السهل تمرير اتفاق يتضمن فصولاً تتعلق بالتسليح دون أن يكون هناك ما هو مبيت من الطرفين الإيراني من جهة والدول الكبرى من جهة ثانية. 

لن تتخلى إيران عن دورها المشاغب لسببين، الأول أنها لا تملك استراتيجيات الدولة المدنية وعراقتها، وهي بالتالي ستبقى تمارس نفس السياسة في المحيط لتضمن إمساكها بأوراق تفاوض طالما أن الاتفاق يأخذ مساحات زمنية في الشأن المالي والعسكري والنووي يمتد في بند السلاح بين 5 إلى 8 سنوات، وفي بند التخصيب بين 10 و25 عاما.

ولا يجب تجاهل أن تغيير العقلية، والانخراط في منظومة العمل الدولي بما يتماشى مع متطلبات القوى الكبرى لا يمكن أن يتحقق مع نظام "الجمهورية الصعبة" التي تتبع جميع مؤسساتها لرأس واحد هو الولي الفقيه، بدءاً بالحكومة والرئاسة مرورا بالبرلمان إلى مؤسسة مصلحة تشخيص النظام ومجلس الخبراء، أضف إلى ذلك الحرس الثوري المتغوّل والذي تسيطر عليه القوى المتشددة التي أجهزت على فكرة المؤسسات المدنية مع عدم وجود أحزاب سياسية.

بالانتقال إلى حقيقة ما ربحته واشنطن ودول الغرب، فإن عملية تقليص التخصيب والدخول إلى المنشآت هي أهم ما يمكن الحصول عليه، وهو لا يعني أن يتم التنفيذ وفق ما هو مكتوب لأن بنود الاتفاق تتضمن اشتراطات يصعب أن تلتزم فيها إيران، وبدون نص سياسي صريح لا يمكن بناء تعاون اقتصادي متين، وبدون النظر إلى طبيعة مصالح دول الخليج وباكستان فإن هناك استحالة في تحقيق استقرار طويل الأمد، عدا عن ذلك فإن انسحاب إيران من ملفات المنطقة ليس واضحاً، وهو أمر شبه مستحيل طالما أنها تستثمر في تلك الملفات، وطالما أن هناك قوى تمثل مصالحها لم يتم البت في أمرها بعد ومنها حزب الله اللبناني.

بعد الإعلان عن التوصل للاتفاق تحدثت الأوساط الأميركية عن مسؤوليات إدارة أوباما للمرحلة اللاحقة، إذ سبق ونبه خبراء أميركيون بأن الاتفاق بشكله الحالي لا يمنع إيران من الحصول على قدرة التسلح النووي ولا يؤسس أيضا لإستراتيجية متكاملة للتعامل مع النظام الإيراني، ولا يتعامل مع مشكلة دعمه للإرهاب وهيمنته الإقليمية، وصواريخه البالستية.

وتتضمن قائمة الخبراء مستشارين ومسؤولين سابقين في إدارة أوباما مثل دينيس روس، وديفد باتريوس، وروبرت إنهورن، وجاري سامور، جيمس كارترايت، وهؤلاء الأشخاص يعكسون بطبيعة الحال مخاوف حلفاء واشنطن وبينهم إسرائيل والسعودية إزاء الاتفاق.

ويبدو أن هناك قناعة لدى جهات نافذة بينها أعضاء في الكونغرس بأن أوباما يسعى لمجد شخصي قبل نهاية ولايته، وأن الاتفاق هو مجرد إبطاء لملف النووي فقط إذ ليست هناك ثقة كاملة أساساً بالجانب الإيراني، وهذا الأمر يفتح على معركة داخلية، تتضح معالمها في تهديد أوباما باستخدام الفيتو ضد أي محاولة في الكونغرس لتعطيل الاتفاق.

وبجميع الأحول فإن تعطيل الاتفاق يحتاج لأغلبية بسيطة في مجلسي الشيوخ والنواب، إلا أنه سيحتاج إلى ثلثي الأصوات لمواجهة الفيتو الرئاسي وهو ما يبدو صعباً، إذ إن الأوساط السياسية الأميركية المعارضة والتي وصفت الاتفاق بأنه "استسلام تاريخي" ربما لا تملك مشروعاً بديلاً، وهي بالتالي ستستخدم الاتفاق في معركة الانتخابات القادمة، ولن يغير الموقف الداعم لإسرائيل في المسار، حيث وصف رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو الاتفاق بأنه "خطأ تاريخي"، وهو أقل من وصف الأمريكيين للمخاطر المحتملة، ويبدو من الترحيب الدولي الغربي أن إسرائيل لن تبذل جهداً داخل أروقة الكونغرس لمنع الصفقة وستلعب سياسة "الباب الدوار"، فمع استحالة توجيه ضربة عسكرية لإيران في ضوء مشروع نووي مجهول المعالم، يمكن القبول باتفاق على مشروع نووي بطيء لكنه واضح المعالم حيث يمكن مواجهة خطره بعد تقييمه.

أوساط أميركية بينها صحيفة وول ستريت جورنال تتحدث عن استراتيجية جديدة لحل جميع الملفات العالقة في الشرق الأوسط قبل 2017 وهو موعد نهاية ولاية الرئيس أوباما، ومن تلك الاستراتيجيات إخراج بشار الأسد من الحكم عبر حل سياسي، دون أن تتجاهل تأثيرات الانزعاج الشديد في المنطقة من السياسة الأميركية وهو ما يضعف دورها أكثر فأكثر، خاصة وأن أوباما لم ينفذ بشكل ملموس وعوده التي قدمها لقادة دول الخليج بعد قمة كامب ديفيد في أيار ـمايو الماضي. 

ومن أهم أسباب التأزيم هو أن الاستراتيجية التي تم الكشف عن ملامح منها تقول بإشراك إيران في ملفات المنطقة ومنها الحرب على الإرهاب، وهذا يعني أن تكون للإيرانيين اليد الطولى في العراق وسوريا، مع تمدد دورها بغطاء أميركي. 

يبدوا أن العرب توصلوا إلى قناعة بأن واشنطن خانتهم، إذ كيف يمكن ضمان تبنيها استراتيجية تضع حدوداً لأذى إيران وهي تذهب باتجاه إشراك طهران في خطة شاملة للمنطقة دون أن تنسق مع الأطراف المتضررة، كما أن سياسة الانسحاب من ملفات المنطقة التي بدأت في عهد أوباما تبرر مخاوف العرب من نتائج تلك السياسة.

لن تجعل صفقة النووي من الشرق الأوسط منطقة أكثر أمناً كما يقول الرئيس الأميركي، فالاتفاق سيفتح باب التسلح في المنطقة، خاصة من قبل الدول التي شعرت بأنها تعرضت لخديعة كبرى، وعلى رأسها السعودية، وهذا التوجه سيكون مدعوما بطبيعة الحال من قبل قوى كبرى مثل فرنسا التي تسير تشعر بالخيبة من سياسات واشنطن، كما أنها تبحث عن تعزيز دورها التقليدي سياسياً واقتصادياً.

ومن أكبر المخاطر المنتظرة هو شعور إيران بنشوة الانتصار ما سيخلف تصعيداً في الجبهات المشتعلة وأولها سوريا التي تخوض فيها مختلف الأطراف معركة "كباش" يمكن أن تتطور مع تحسن اقتصاديات إيران بدءاً من ربيع العام القادم، ما يعني أنها ستزيد من جرعة السلاح والمال لنظام الأسد والميليشيات العاملة في المنطقة والتي تعمل تحت جناحها. 

لم تشعر إيران طوال خمسة وثلاثين عاماً بأنها تعاني مشكلة أخلاقية رغم الحصار الاقتصادي والسياسي، ومع الاتفاق الجديد سيجد العالم أنها تروج لانتصار سياساتها ما يعني دعماً مادياً ومعنوياً لخطها المذهبي، وقد يعزز هذا من الشعور بالخطر والتعارض بين ثلاثة مشاريع في المنطقة، وهي إيران وتركيا وإسرائيل، وهذا ما سيفتح على استقطابات وتحالفات جديدة وتغييرات على الأرض. 

ليس هناك بد من أن ينفتح العرب على إحدى القوتين التقليديتين تركيا وإسرائيل لمواجهة الخطر الإيراني، واحتمال تحالفهم مع تركيا يبدو صعباً نتيجة عدم قدرة الأتراك على تقديم أوراق اعتماد لدى الأوربيين والأميركيين خلال المرحلة القادمة، والسبب هو طبيعة المشروع الأيديولوجي التركي التي تثير مخاوف الغرب رغم نجاح نموذجها الاقتصادي، أما بالنسبة لإسرائيل فيبدو أنها لن تكون راغبة بلعب دور "رأس الجسر" في تحالفات المرحلة المقبلة، لأنها تريد شريكاً موضوعياً أمام خطر سيطرة الجماعات المتشددة على المحيط، وهذا يعني أنها ستترك المجال مفتوحاً لاستكمال الصراع المذهبي، إذ ستراقب من بعيد وتضغط لمنع انتصار أحد الطرفين لضمان إنهاكهما، وإلا فإن البديل هو تدخل دولي قويّ يلغي القوى الممسكة بالأرض ويفرض معادلة جديدة تضمن أمن إسرائيل على المدى الطويل.

ربما تتصاعد حدة المعارك خلال الأشهر القليلة القادمة، وحتى يتغير الوضع الدولي، ولن تأخذ المنطقة هويتها الجديدة قبل رحيل أوباما عام 2017، لكن المؤكد هو أن العرب على موعد مع دفع أثمان إضافية نتيجة فشلهم السياسي، وتعاطيهم بخجل مع معاركهم المصيرية، كما يحصل في سوريا.

*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
(166)    هل أعجبتك المقالة (181)

Hazem Thawra

2015-07-15

الاتفاق جاء على حساب العرب وقضاياهم التاريخية والحديثة الطارئة النابعة في جلها من إيران ومطامعها التخريبية والدعوية في اليمن ولبنان وسوريا والعراق، وقفا حتى تاريخه. ومن الطبيعي أن يدفع المتضرِر الثمن، أو يُرغم على دفعه بساحة النخاسة، في حال إصابته بداء ’السكتة‘ أو ’الهلع‘ أو ’الشعور بالعبودية‘ أو ’النقص‘، تلك الإصابات التي تتسبب بها أنظمته بنوعيها، المتربعة والعميلة..


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي