حين ثار السوريون في آذار 2011 لم تكن ثورتهم تلك ثورة رغيف، لم تكن ثورة من أجل مطالب خدمية أو لارتفاع أسعار المحروقات، لم تكن أيضا لتغيير محافظ أو رئيس فرع أمن، ثورتنا ولدت من أجل الكرامة.
خرج السوريون الى الشوارع ينشدون كرامتهم المجروحه باقتلاع أظافر أطفال درعا، كرامتهم المجروحه بتحكم أجهزة الأمن المخزية طوال خمسين عاماً من حكم الأسد..
الكرامة للسوريين جميعا والحرية للسوريين جميعا وسوريا وطن واحد للسوريين جميعا.
كرامتهم التي جرحت بسياسة طائفية مقيته وبتعزيز الفساد والمحسوبيات في عهد الأسد قبل أن يحرق البلد وبعد أن حرقها أيضا، حيث لم يتح لحلمنا الوردي أن ينمو لأبعد من أهدابنا، فقد وقفت في وجه كرامتنا كل كوابيس العالم، وكأن حلمنا ذاك كان أكثر مما نستحق، فنحن شعوب العالم الثالث ويجب أن نبقى هناك تحت أقدام الطغاة والتخلف والظلامية. وبلداننا هذه لا يجب أن تنعم بربيع عربي ينبت الديموقراطية، ولا أن ينتج دولا متطورة حره وشعوبا قوية فاعلة، ولا يحق لعقولنا أن تسافر لأبعد من المشاركة في انتخابات مجلس بلدي أو الحصول على وظيفة في مؤسسة حكومية، أو أن تترقب فتاوى فلان وتصريحات علان ومتابعه الاستقبال الرسمي والوادع الرسمي لضيوف قادتنا العظماء على السجاد الأحمر في أوطان يراد لها التصحر السياسي والمجتمعي والاقتصادي وانعدام هوية الفرد مقابل نمو في الفكر الشمولي والانتماءات القبلية والطائفية.
لقد تآمر الجميع على كرامتنا تلك، فبذلت الكثير من الجهود ليزيلوا الكرامة وليضعوا بدلا منها أشياء أخرى لا تصب في خانه الكرامه قطعاً.
لقد ضاعت الكرامة المنشودة تحت أنين وأوجاع السوريين المتنامية بفعل وحشية النظام التي لم تتوقف وفشل السياسة العالمية وتآمر القوى الفاعلة بالعالم.
تُرك السوريون المتهمون بأحلامهم بين أنياب النظام الغاشم والقوى المتطرفة لينهشوا بلحوم أطفالهم وأبنائهم وبناتهم وأحلامهم، وليدوس هذا العالم بسياسته الفاشله في كل مره على رغبتهم "الآثمة" بالكرامة الضائعة تحت رماد الموت القادم من كل مكان ليبحثوا عنها في حقائب اللجوء وعلى موج البحر وتحت سقف الخيمة وفي سلة المعونات الممهورة بشعار المتبرع للشعب الجائع لكرامته، وفي شوارع بلدان اللجوء البادرة، وفي بخار الغازات السامه المنبعثة من قذائف حاملة للموت، وفي حنين المنافي وعتمة الزنازين وفي أروقة الأمم المتحدة، وعلى أيدي ممثلي الدول المرفوعة داخل قبة مجلس الأمن لتعلن الفيتو على منح السوريين فسحة من حياة وفسحة من كرامة.
يقف العالم واحدا موحداً أمام رغبة السوريين في (العيش ....بكرامة....)، فلا عيش أدنى من العيش بكرامة، ولا سقف أقل من الحرية الكاملة والخلاص من كل أنواع الاستبداد، ولا مكان أدفأ من حضن وطننا المعافى الخالي من الأسد والقمع من جهة، والأقدام الغريبة التي تدوس على أحلامنا وثورتنا وكرامتنا من جهة أخرى، فقد أجاد الطرفان قتلنا وتفننا في ابتكار كل أشكال الصراع على وطن واحد كبير كان من الممكن أن يتسع لنا جميعاً ضمن أفق العدالة والكرامة والحرية ودولة المواطنة وتحت سيادة القانون لو أتيح لحلمنا أن يتحقق، لم تكن رؤى السوريين بوطن من ذلك النوع حالة من الإعجاز، لكنها كانت وعلى ما يبدو أكبر من أن تستوعبها إضافة لنظام الأسد بعض الأنظمة وبعض الأجندات في المنطقة والعالم.
لقد دفع السوريون ثمنا لكرامتهم تلك أن تشرد أكثر من عشرة ملايين سوري وقتل مئات الآلاف واعتقل ما يزيد عن مئتي ألف سوري وسورية، وبالرغم من هذا الثمن الباهظ مازال هناك من يستكثر على السوريين أن ينالوا كرامتهم.
وحتى اللحظة مازال هناك من يجسد سياسته على الأرض من أجل خلق عقد جديدة ومآسٍ أكبر ليصبح حلم السوريين فقط أن يعيشوا ضمن كانتونات طائفية وقومية وسياسية وليصبح البقاء على قيد الحياة هدفا بحد ذاته بشرط واحد وهو الاستغناء عن الكرامة.. !
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية