أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ابني الذي يعتنق مذهب "فلورا ترسيتان".. علي عيد

طفل سوري في مخيم تركي - ناشطون

سألني طفلي ذو العشر سنوات "بابا أنا شيعي أم سني؟؟" .. استغربت وأجبته بسؤال عن السبب الذي دفعه لمثل هذا السؤال، فأجاب بأنه شاهد إعلانا على إحدى القنوات العربية "السعودية" يقول فيه أب لطفله "إذا سألك أحد أنت شيعي أم سني فقل له أنا كويتي".

إلى هنا لم تنته القصة وأعترف بأنني ارتبكت في الإجابة، فكرت أن أقول له قل إنك سوري، ثم خطرت لي إجابة "أنا عربي"، وقلت في نفسي إن الإجابتين يعتريهما الخلل مفترضاً أن الولد سيسألني لاحقاً عن السنة والشيعة إن قلت "أنا سوري" وهذا يفتح على جحيم ما يجري ليس في سوريا فقط بل على مستوى العالم الإسلامي، وإن كانت الإجابة "أنا عربي" فربما أكون قد ألغيت الكورد أو التركمان أوغيرهم.

أقفلت الموضوع مع ولدي بحجة أنني سأشرح له لاحقاً، مستغلاً ظروف وجودنا في القارة الأوروبية حيث لا يتعرض الطفل لمثل هذه الأسئلة من أقرانه ومن محيطه الاجتماعي.

نعم، نحن أمام مشكلة الهوية، إذ لم تكلف كل مؤسسات الحكم في منطقتنا نفسها عناء ترسيخ مفهوم المواطنة، وهي بالأساس لم تضع في حسبانها مسؤولية بناء الإنسان فكراً وعلماً، واكتفت بمهمة تقديس الحاكم، وتهشيم كل الرموز الحقيقية للانتماء للأرض والحضارة.

ماذا يعني أن يجتاح المنطقة طاعون الطائفية، والقومية، وأن يتحارب أبناؤها ويقتل بعضهم البعض تارة بحجة حماية المقدسات، وأخرى بحجة الأحقية بالخلافة قبل ألف وأربعمئة عام، وأي كارثة تلك التي تعيشها تلك الشعوب.

ماذا يريد الفرس من العرب، وماذا يريد العرب من الفرس، وكيف يقاتل الكوردي العربي معتبراً أنه إما حاضنة لداعش أو منتج لفكر البعث الذي ظلمه طويلاً، وكيف للعربي أن ينكر على الكوردي حقه في تأصيل قوميته، أو أن يقبل بفكرة تقسيم بلده.

كيف يمكن أن يتعايش لاحقاً الكوردي الشيعي (الفيلي) أو العلوي مع الكوردي السني، وكيف يمكن اعتبار العروبة خلاصاً طالما أن العربي الشيعي يتظاهر في دول عربية كالسعودية والبحرين وسوريا بأمر من قمّ، بل ويقاتل ضد أبناء بلاده، ثم كيف للمسيحي القبطي أو الآشوري أن يقتنع أن العربي القادم من ليبيا وتونس والمنضمّ إلى تنظيم الدولة "داعش" هو عربي مثله.

ما هو الحل، وكيف يمكن بناء أوطان يسعى طرف فيها لإلغاء الآخر، عشرات الطوائف والقوميات والتبعيات، عمائم بيضاء وأخرى سوداء، ذقون بشوارب حليقة وأخرى بشوارب مفتولة، رجال دين مع الطغاة، وآخرون مع التنظيمات المتشددة، وغيرهم صامتون، يساريون يقاتلون تحت راية الديكتاتوريات، وقومجيون يحمل السلاح ضمن صفوف جيش يقوده ضباط إيرانيون.

هل يعلم أبناء المنطقة أن خلاصهم لا يتحقق إلا بإلغاء التاريخ، والإيمان بالديمقراطية والدولة المدنية، والدساتير الحضارية التي تؤمن بقيمة الفرد وبالعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.

لقد أثبتت التجارب أن العادات والتقاليد التي حكمت مجتمعاتنا كانت أكثر وعياً من النخب والأحزاب التي تحولت إلى ديكتاتوريات مقيتة، وأضرب مثلاً أن أبناء حوران مسلمين ومسيحيين كانت نساؤهم ترتدي "الشرش والشنبر"، يدبكون في الأعراس معاً، ويقفون في العزاء معاً، وعندما لاحت تباشير البعث الاشتراكي والوعي اليساري خرجت النظريات التي تحاول تثبيت ما هو موجود بناء على فرضية تآمر هؤلاء الناس لقتل بعضهم البعض، وفي بصرى الشام عاش الشيعة مع السنة منذ قدموا إليها قبل نحو مئة عام، لم يعتد أحد على الآخر، حتى لاحت تباشير ثورة الخميني التي أخذت تعزز فكرة تميز الشيعة، وانكفائهم على ذاتهم في السكن وسيطرتهم على اقتصاد البلدة حتى بدأت علامات التصدع الاجتماعي منذ عودة معممين درسوا في إيران في التسعينيات، ومنذ أن بدأ الشيعة يفتتحون معامل بأسماء ورموز دينية، نقليات فدك، مناديل الزهراء، محمصة الغدير، معمل تعبئة أملاح كربلاء.

لن تستطيع شعوب المنطقة النهوض بالهوية المذهبية ولا القومية، وقد تكون الهوية الوطنية حلّاً مؤقتاً إلا أنها أيضاً ستتعرض لخطر المدّ المذهبي الإقليمي، فالكويت مثلاً ستبقى محكومة بخطر التيارات الدينية رغم أنها واحدة من النماذج المتفردة بديمقراطيتها البرلمانية، وارتفاع منسوب الحريات بالقياس إلى باقي كيانات ودول المنطقة.

سيبقى أبناء هذه المنطقة حطباً لنار حروب حمقاء باسم الدين، وسيكون للقوميات حصتها من الصراع، لأن عوامل التدمير الذاتي موجودة بالفعل، ولأن كل الدول المحيطة المؤثرة قامت أساساً على فكرة الدين أو القومية فألغت هوية الملايين دون أن تعزز مفهوم الموطنة.

في الدول الأوروبية يستطيع المسلم أن يمارس شعائره الدينية دون أن تحاسبه سلطة، وهو يخرج من دار العبادة إلى الشارع ليتظاهر بحرية، ثم يمكنه أن يلجأ لدار القضاء في مواجهة أكبر شخصية حتى لو كانت الرئيس الفرنسي أو المستشارة الألمانية، في دول أوروبا يخطئ المسلم لكنه يحاسب على خطأه لا على دينه، وحتى إن كانت هناك عيوب في تلك الدول فإن فكرة الدولة المدنية وسيادة القانون تستطيع ابتلاع كل المشكلات.
في مقهى على الناصية في إحدى العواصم الأوروبية مثلاً سترى عرباً يشتمون فسق الغرب ويحترمون قوانينه، وعند أو نقاش حول الدين سيختلفون على أحقية المغربي أو الجزائري في إدارة المسجد، لقد ختم الله على قلوبنا وأبصارنا لأننا لم نستطع أن نراه لزمن طويل إلا بالعسف والمصادرة، ولا تستغرب أن ترى القبائلي الجزائري متعاليا على مواطنه العربي (وكلاهما يحمل جنسية البلد الذي يعيش فيه)، وفيما يحتسي كلاهما القهوة يدفعان ثمنها من أموال دافع الضرائب الأوروبي. 

في النهاية ... مازال ابني ينتظر الإجابة، لعلي أقول له إن مذهبه هو المدرسة التي يتعلم فيها... واسمها "فلورا تريستان" فهل سمع أحدكم بهذا المذهب.

(225)    هل أعجبتك المقالة (174)

علياء

2015-07-08

بيع مثاليات للناس ايضا هو مرحلة طفولية لحل المشاكل بيع وهم المواطنة على اساس خنق المعتقدات و حقيقة كل واحد لحساب مرحلة متحركة ايضا هو وهم في الغرب نجاحهم هلى مستوى مواطنيهم فقط و ليس على المستويات الاخرى محاولتك لتذويب الناس في هوية يمكن ان تسميها فرنسة او عولمية ايضا هي من بقايا العقل الستاليني التي تريد ان ترى الناس كنتاج معمل و احد عليك أن تتعلم الاختلاف و محبة الحق و توطين العدل و قيمة الانسان على وجه الارض كما أرادها خالقها..وفهم منطلق الباقين و تأريض ما تعتقد أنك تراه من عمل البشر عندها لن تخاف.


خليل المقداد

2015-07-09

السمراء فلورا تريستان أول كاتبة طالبت بحقوق الطبقة العاملة والمرأة معاً فلورا تريستان المولودة في 1803 والمتوفاة في 1844، والتي دافعت عن عامة الشعب وتبنت حقوقهم رغم أنها لم تكن من الطبقة الفقيرة فهي ابنة ارستقراطي من بيرو يدعى ماريانو تريستان موسكوسو، وأمها برجوازية فرنسية مهاجرة إلى اسبانيا بعد الثورة تدعى تيريز هنرييت ليزنيه ..وكان والدها الكولونيل في البحرية الاسبانية التقى والدتها في بلباو في اسبانيا وتزوجا بواسطة قس من الثوار وحين عادا إلى فرنسا لم يتمكنا من تصديق إثبات زواجهما في الكنيسة لجعله شرعيا لذا عانت فلورا من عجزها رسميا عن إثبات بنوتها لوالدها الذي توفي وهي في سن الرابعة ... كانت صدمة فلورا كبيرة بوفاة والدها وأصبحت منذ تلك اللحظة بمواجهة صعوبات مالية حقيقية مع والدتها وتغير وضعهما المادي والاجتماعي بصورة جذرية ما اضطرها إلى خوض معركتها الأولى بمحاولة إثبات نسبها لوالدها ثم الحصول على ارثها من عمها الأصغر، وهكذا سافرت الى وطنها اريكوبيا في بيرو، لكنها لم تحصل على ميراثها، فعادت الى فرنسا وكتبت بدلا من ذلك مذكرات سفرها التي ضمنتها تجاربها خلال الفترة العاصفة لما بعد استقلال بيرو وتغير ملامحها بصورة مدهشة وقد تم نشر المذكرات عام 1837 بعنوان "ارتحالات منبوذ" وفيه فضحت أيضا الظلم الواقع على النساء وهي واحدة منهن كونها زوجة لرجل كان يعاملها معاملة سيئة جدا، وحاول قتلها عام 1838 لكن الرصاصة استقرت في رئتها وبقيت فيها لتشهد على معاناتها طوال حياتها دون أن تقضي عليها نهائيا . قبل إصابتها ، أنجبت تريستان ابنة أسمتها الين، وهي التي ستصبح في ما بعد والدة الرسام الفرنسي الشهير "بول غوغان" ، وقد قام الكاتب البيروفي ماريو برغاس يوسا الحائز على جائزة نوبل للآداب في روايته "الفردوس على الناصية الأخرى" بتحليل شخصية فلورا تريستان ونقيضها الحفيد بول غوغان من خلال بحثهما عن حقيقة الحياة المثالية عبر تجاربهما خارج بلدهما الأم فرنسا .. سافرت تريستان إلى انكلترا لتدرس ظروف الطبقة العاملة إذ اهتمت بهذه الطبقة وأصدرت كتابها الشهير "اتحاد العمال" في عام 1940 بعد عودتها إلى باريس وبعد أن حققت في انكلترا شهرة جماهيرية باقترابها من العمال ودفاعها عن الطبقة العاملة بطريقة أكثر واقعية من الأفكار الاشتراكية كما كانت فلورا أول من ربط بين حرية البروليتاريا وحقوق المرأة، وهكذا يمكن اعتبارها من أوائل مؤسسي الحركة النسوية المعاصرة .. وكان الحل لدى تريستان لإنقاذ طبقة البروليتاريا التي قاتلت لسنوات طويلة هو إنشاء اتحادات نقابية للعمال لتمنحهم السلطة وتمنح أطفالهم سقوفا آمنة في المستقبل، إضافة الى زيادة فرص التعليم وبناء المستشفيات لهم والوصول إلى الممولين وطبقة النبلاء لصيانة هذه الأفكار .. لقد كان جهدها لخلق اتحاد اشتراكي هو الشيء الأخير الذي قامت به قبل وفاتها في عام 1844، فضلا عن كتاب "جولة في فرنسا" الذي لم تتمكن من إنهائه وتوفيت تحت تأثير الإنهاك والمرض بعمر 41 عاما في بوردو الفرنسية ...وحتى هذا اليوم لم تتمكن امرأة أخرى من الربط بشكل منطقي ومعقول بين تغيير حياة الطبقة العاملة بشكل كامل وبين المطالبة بحقوق المرأة كحافز هام في آلية التغيير من اجل خلق اتحاد عمالي ... كل هذه التفاصيل وغيرها من سيرة فلورا تريستان ضمنتها الكاتبة نيكول افريل في كتابها سمراء الصادر عن دار بلون الفرنسية في 272 صفحة..


علي عيد

2015-07-09

نقد أعجبني .. وهو رد على مقالي ابني الذي اعتنق مذهب فلورا تريستان .. ويقول النقد وأنا أجهل صاحبه الذي كتب تحت اسم "عليا": بيع مثاليات للناس ايضا هو مرحلة طفولية لحل المشاكل بيع وهم المواطنة على اساس خنق المعتقدات و حقيقة كل واحد لحساب مرحلة متحركة ايضا هو وهم في الغرب نجاحهم هلى مستوى مواطنيهم فقط و ليس على المستويات الاخرى محاولتك لتذويب الناس في هوية يمكن ان تسميها فرنسة او عولمية ايضا هي من بقايا العقل الستاليني التي تريد ان ترى الناس كنتاج معمل و احد عليك أن تتعلم الاختلاف و محبة الحق و توطين العدل و قيمة الانسان على وجه الارض كما أرادها خالقها..وفهم منطلق الباقين و تأريض ما تعتقد أنك تراه من عمل البشر عندها لن تخاف. ـــــــــــــــــــــــــــــــــ كل ما هو وارد أعجبني إلا نقطة اتهامي بمحاولة تذويب الناس وأن هذا من بقايا العقل الستاليني ..ومطالبتي بأن أتعلم الاختلاف.. وأقول إنني أحاول تعلم قبول الآخر ... لكن هذا التوصيف بحد ذاته أشعرني بأن صاحبه قد يحتاج أيضاً لكثير من التمرين على قبول الآخر..


التعليقات (3)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي