ما معنى أن تكون معارضاً وأن تغرف من نبع الثورة لتقف على المنابر وتتفاوض كأي رجل يفترض أن يدخل في تاريخ البلاد.
هنا لا يتعلق الأمر برأي شخصي ولا بموقف من علم أو راية فحسب، بل يتعداه إلى تفسير ما هو قادم، ومن هم شخصيات الخشبة، فيما كاتب نص المسرحية يجلس في حجرة زجاجية معزولة ليس فيها رائحة موت، ولا لهيب صواريخ، ولا تصلها صرخات أمهات، حجرة لا تعرف معنى الشهداء، فالجالس خلف الزجاج يخبرك أنه رأى الناس يموتون بعد سجال لا يعرف فحواه، هو فقط معارض يحمل همّ طائفة، وكذب إن قال غير ذلك.
منتصف حزيران يفترض أن يصل إلى الرياض معارضون من مختلف الطيف، رجال سياسة، ودين، ومجتمع، وسيكون إلى جانبهم قادة فصائل، سيكون هناك من يمثل الطائفة، ولكي يتحقق الغرض سيصار إلى تطييف بقية الحضور، وربما سنكون أمام طائف سوريّ، وسيجلس المؤتمرون في قاعة اجتماعات واحدة، يتجادلون ويتفاوضون، إلا أن شيئاً واحداً يجب أن يتحقق، هو أن يتم وضع أسس مرحلة ما بعد الأسد، وقد لا يجد السوريون بدّاً من القبول بمن يبحث عن حصة الأسد بغيابه، وبعد رحيله، المهم هو الحصة، وهي الضمانات التي كان امتلأت بالحديث بشأنها مواقع التواصل الاجتماعي جداً وهزلاً.
يعرف الأسد ومن حوله أن مهمتهم انتهت، فقط مؤيدوه من الدهماء لا يعرفون هذه الحقائق، ولم تصلهم أخبار وفود الطائفة وممثليها، ومحاولات شخصيات رفيعة من النظام عقد صفقات لشعورهم بل يقينهم أنَّ اللعبة انتهت.
مع كل التحضيرات يجب أن نعترف بأن أي توليفة سيتم تشكيلها، تحمل عوامل تفجيرها من الداخل، خاصة وأن المعارضة السياسية باتت مخترقة إلى حدٍّ كبير، كما أنها ليست متجانسة الرؤى، طالما أن بعض من يتم تحضيره للعب دور بارز فيها لا يعترف بعلم سقط تحت ساريته نحو نصف مليون شهيد، ولعل التفسير الأقرب لفهم سبب التنصل من العلم هو موجباته من دم وآلام، ومن ثم من تاريخ سيكتب.
يحاول العالم جرّ السوريين إلى سقف واحد، وهو الذي تابع ببرود دمار كل سقف من التعايش إلى الاقتصاد إلى التراث، حتى مفهوم الوطن انهار سقفه ووقع على رؤوس 20 مليون إنسان، فيما كان البقية يقصفون هذا السقف بالطائرات، ويهربون المال والذهب إلى دول تؤمّن لهم حياة كريمة كأي مستثمر تربطه علاقات مصالح مع مافيات تلك الدول من رأس هرمها إلى بقية السماسرة فيها.
ليست قصة علم.. هي قصة بناء هيكل بالإكراه، ربما يحتاج عشر سنوات أو عشرين أو أكثر للتكلس مفاصل هذا الهيكل مترابطة بين بعضها البعض، ولكن حتى يبنى الوطن لا بد من الهدم، وحتى تتسامح الضحية لا بد من اعتراف القاتل، ودون ذلك فإن كل رجل فقد طفله وكل طفل فقد والده بسكاكين الظلم والقهر والاحتكار سيبقى يستيقظ كل صباح على كابوس دم ضحاياه وهو ينزف دمهم.
علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية