يسعدنا، إن صدق، أن يكون هناك تقارب تركي سعودي يهدف إلى إسقاط الأسد، وتخليص الشعب السوري بل والحضارة الإنسانية من شروره، ويؤسفنا بالطبع أن يكون هذا التقارب قد تأخر أربع سنوات كاملة، بسبب عدم رضا الأعمام الغربيين والأخوال الشرقيين.
لست واثقاً من وجود اتفاق حقيقي أو نية مؤكدة للقضاء على بشار وأعوانه، ولكنني أميل إلى الرأي القائل أن هذه الدول ستمارس ضغوطاً على الأسد، تجبره على الذهاب إلى جنيف. وهناك، لن تعدم الولايات المتحدة، السبل لإطالة عمر النظام ردحاً من الزمن، تستطيع من خلاله تجهيز بديل مناسب، وأقصد بالمناسب، ألا تنقصه الحماقة السياسية والجهل، ولا يعوزه الولاء لواشنطن.
ليس منّة لتركيا والسعودية ولا لأي جهة أخرى أن تنتظر أربع سنوات وهي تشاهد الموت ينهمر على الشام، وتراقب تشريد السوريين في بقاع الأرض كلها، ثم تأتي لتدعي نصرتنا، مع أنني على الدوام أرحب بأي خطوة أياً كانت لإسقاط الأسد، وإن تأخرت.
إنني أقدر تقارب الرياض وأنقرة، الذي سينعكس بطريقة إيجابية على الشعب السوري، والتركي والسعودي أيضاً، ويكون حاجزاً أمام العدو الإيراني، الذي لا يقل خطراً عن الكيان الصهيوني.
تعلم السعودية، أنها تدافع عن نفسها عندما تقف في وجه التمدد الفارسي في سورية، وقد ذكرنا مراراً أن قوة الحوثيين في اليمن ارتكزت على تمكن الشيعة من سورية والعراق ولبنان، ولو أن الرياض بذلت جهدها في إسقاط النظام السوري قبل سنوات، لما تشجع الحوثيون على انقلابهم في اليمن ولما اضطرت دول التحالف العشري إلى قتالهم.
لعل الوضع في تركيا أشدّ دقّة، فلديها خمسة عشر مليون علوي، يقف معظمهم طائفياً خلف بشار، ولا بد أن أقول صراحة أن تركيا تدافع عن نفسها أولاً عندما تساهم في القضاء على الأسد وأعوانه جميعاً.
يعلم السوريون أن بشار الأسد، الذي لا يهتم للجغرافيا أو الأرض السورية تنازل عن لواء اسكندرونة طائعاً في العام 2004، ولكن وبمجرد إعلان تركيا وقوفها ضد قتل الشعب السوري، أنشأ منظمات إرهابية تضرب في العمق التركي محاولاً إحداث فتنة طائفية هناك.
يمكن أن نتذكر بسهولة أن منظمة "المقاومة السورية لتحرير اللواء" تبنت تفجيري الريحانية في العام 2013، مدعية أنها تقاتل لتحرير الأراضي السورية، متناسية أن بشار الأسد قبض ثمن اللواء وفرط فيه كما فرط أبوه من قبل.
أنشأ الأسد مئات المواقع الالكترونية التي تتحدث عن احتلال تركيا لاسكندرونة وعن سعيه لتحريرها، علماً أنه لم يستطع استعادة أي قرية حررها الثوار من قبضته، ولم يطلق طلقة واحدة ولا أبوه لاستعادة الجولان.
لا تعاني تركيا من ضغط اللاجئين السوريين فحسب، بل تعاني مما هو أشد منه بسبب موقفها المعروف، "فحزب جبهة التحرير الشعبي الثوري" عاد بأوامر الأسد ليقوم بعشرات العمليات الإرهابية في تركيا، من قتل للشرطة وتفجيرات في مواقع حيوية، ووصل الأمر حد قتل النائب العام داخل القصر العدلي في نهاية الشهر الماضي.
تفيد الأنباء القادمة من تركيا أن مهراج أورال قائد "المقاومة السورية أو الجبهة الشعبية لتحرير اللواء"، انضم إلى "جبهة التحرير الشعبي الثوري" بعد أن تلقى وعوداً ومساعدات وأوامر من بشار الأسد، وأن الحزب ماض في خطته لضرب السنة بالعلويين في البلاد بدعم سوري - إيراني، خاصة بعد أن تراجع الخطر العسكري الكردي على أنقرة.
خلاصة القول، أن دول المنطقة لا تدافع عن الشعب السوري فقط، عند قتالها لبشار، بل تدافع عن نفسها وعن شعبها ضد إرهابي لا حدود لإجرامه. وزبدة القول، أنني أخشى أن لا تقوم هذه الدول بواجبها بانتظار الراعي الأمريكي، وألّا يعدو هذا التقارب "تبويس اللحى".
د. عوض السليمان - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية