"ماري هايدوفا السباعي" فنانة تشيكية تعيش في العاصمة "براغ"، منذ بداية الثورة السورية بعد أن هاجرت من مدينة حمص بسبب ظروف الحرب. ورغم بعدها الجغرافي لم تستطع الفنانة ماري أن تنسى المدينة التي عاشت فيها أكثر من ربع قرن فكرست تجربتها الفنية في السنوات الثلاث الماضية لتجسيد يوميات عاصمة الثورة، وجوانب من الثورة السورية بكل تختزنه من عنفوان وآمال وآلام، وتعكس لوحاتها مفاهيم الحرية والكرامة والنصر والخلاص كما في لوحاتها "ثورة الغضب" "بابا عمرو" "عروس الثورة"، "الأمل النصر"، "حمص العدية"، "الشهداء"، "يا الله، عجّل نصرك يا الله"، "سوف نبقى هنا"، التي رسمتها بعد قصف وتدمير حي "جورة الشياح" كما جسدت لوحاتها العديد من المجازر التي ارتكبها نظام الأسد بحق المدنيين ومنها مجزرة "كرم الزيتون" ومجزرة "جامعة حلب" و"مجزرة سجن تدمر" ومجزرة الكيماوي في غوطتي دمشق.
حول بدايات تأييدها للثورة السورية قالت الفنانة ماري السباعي لـ"زمان الوصل": "أنا مقيمة في سوريا منذ 25 سنة، ومع أني تشيكية إلا أن قلبي وروحي أصبحا سوريين، وسوريا صارت وطني مثلما، هي تشيكوسلوفاكيا. وكنت أشعر بالوجع والظلم الواقع على الشعب السوري لأني كنت واحدة منهم".
عاشت الفنانة "ماري السباعي"، في بلد كان خاضعاً لحكم الدكتاتورية الشيوعية (أيام الاتحاد السوفييتي)، وهذا سهّل عليها، فهم الظلم الذي وقع على الشعب السوري تقول: "كنت أتمنى أن ينال الشعب السوري حريته مثلما نالها الشعب التشيكي من قبل".
وتردف: "عند بداية الربيع العربي في تونس ومصر فرح قلبي، وشعرت بالأمل وعندما كنت أرى الشباب المتظاهرين ينزلون إلى شوارع حمص كانت عيوني تدمع من الفرح ومن الخوف عليهم" وتتابع السباعي: "كنت أحترم شجاعتهم وتصميمهم لكن لم أكن أتخيل حتى في أسوأ الكوابيس مدى الإجرام والوحشية التي سيتعرض لها الشعب السوري نتيجة ثورته، لذلك حاولت دعم الثورة بالطريقة التي أقدر عليها وهي الرسم".
حوادث حقيقية
رسمت ماري العديد من اللوحات التي جسّدت جوانب من الثورة وفظائع النظام وكانت هذه اللوحات أقرب إلى الواقع منها إلى الخيال.
وتكشف عن مصدر إلهامها في هذه اللوحات قائلة:"تعكس لوحاتي الواقع اليومي، وهي مستوحاة من الحوادث الحقيقية التي كانت تحصل وكنا نتابعها يوماً بيوم.
وتضيف: "بعض هذه الحوادث عشتها واقعاً في حمص وبعضها كنت أسمعه من الأصدقاء ومن أقارب زوجي بعد أن هاجرنا من حمص".
من يتأمل لوحات "ماري هايدوفا السباعي" يلمس حضوراً طاغياً للون الأحمر رغم أن لوحاتها تعج بالألوان الأخرى.
وتشرح الفنانة رؤيتها لهذا الأمر قائلة: "الأحمر هو لون الدم، وهو يحضر بأشكال مختلفة: دم الشهداء، دموية النظام، ثمن الحرية".
وتستطرد: "رأينا في سوريا أنهاراً من الدماء، آلاف الشهداء وعشرات المجازر، رأينا كيف حوّل النظام ثورتنا السلمية إلى صراع دموي، وكيف تحوّل إلى جلاد للشعب، ورأينا كيف صار الدم والموت واقعا يوميا للشعب السوري" وتدلل الفنانة الحمصية التشيكية على كلامها بلوحتها "غوطة دمشق"، "هناك نهر الدم الذي تنبت منه شجرة وهذا يرمز للحياة الجديدة التي ستنمو من التضحية".
يلاحظ المتلقي أن أغلب لوحات الفنانة "ماري السباعي" عن حمص التي تخلّى عنها الفنانون، ولم يعبّروا عن دمارها وفناء البشر والحجر فيها.
وحول ذلك تقول "أغلب لوحاتي عن حمص لأني عشت فيها 25 سنة، وأعرف كل شارع من شوارعها وعايشت بداية الثورة السورية فيها".
دمار
وبنبرة مؤثرة تضيف فنانة حمص: "قلبي يتمزق حين أرى الدمار الذي حصل للشوارع التي كنت أتمشى فيها، وكيف تحولت أحياء كاملة كنت أعرفها إلى دمار".
وتستدرك:"هذه المدينة التي كانت سابقاً تعج بالحياة وبالناس الطيبين المبتسمين تحولت إلى مدينة أشباح، وهذه الشوارع التي كانت تمتلئ بالبشر لم نعد نرى فيها حتى القطط".
وتتابع: "بيوت أصدقائي الذين كنت أزورهم تحولت إلى أنقاض ينمو فيها العشب والشوك وكل هذا لأن الشعب قال كلمة واحدة "الحرية".
وحول موقف التشيكيين من الثورة السورية، وما دور الجالية السورية هناك تؤكد الفنانة ماري أن"هناك تعاطفا مع الشعب السوري لدى الشعب التشيكي، لكن وسائل الإعلام لا تركز كثيراً على أحداث سوريا، لذلك فالكثير منهم لا يعرفون جميع التفاصيل".
وتضيف:"هناك عدة منظمات مثل الفرع التشيكي لأطباء بلا حدود ومنظمة people in need يعملون على مساعدة الشعب السوري واللاجئين السوريين، كما أن هناك وقفات احتجاجية وحملات جمع تبرعات لأطفال سوريا".
وتؤكد الفنانة السباعي أن التعاطف مع الشعب السوري ازداد بعد الثورة الأوكرانية وتحاول الجالية السورية جمع التبرعات لمساعدة اللاجئين أو السوريين الذين هاجروا إلى التشيك".
وبلهجة متفائلة تؤكد الفنانة أنها مازالت تحتفظ بالأمل تجاه المستقبل:"عندي أمل بالنصر، أمل بالحرية، أمل بالفرج القريب، وأحاول رسم لوحات جديدة تعكس هذا الأمل كما في لوحتي الجديدة "ليالي" التي تتحدث عن الذكريات الجميلة والأمل بعودتها".
والفنانة "ماري هايدوفا السباعي"مواليد براغ عام 1957 خريجة كلية الفنون الجميلة في تشيكيا 1982، مقيمة في سورية– حمص منذ عام 1987 ولغاية 2011 متزوجة من الطبيب حسام السباعي ولديها 4 أولاد.
شاركت في الكثير من المعارض الفنية التشكيلية داخل سوريا وخارجها، أقامت العديد من المعارض الفردية في حمص ودمشق ومعظم المدن السورية والعربية والأوروبية وخاصة في براغ.
أنشأت في حمص مرسمي الخاص وركن لتعليم الرسم للأطفال، وشاركت مع تلاميذها في معظم المسابقات العالمية لرسوم الأطفال المقامة في نيويورك وطوكيو وبراغ وغيرهم، وحصد المراكز الأولى والميداليات الذهبية، كما حصلت شخصياً على دبلوم شرف دولي وعدة ميداليات ذهبية في التعليم التشكيلي للأطفال، وهي تدرّس الرسم في معهد خاص في براغ حالياً كما تدرس اللغة التشيكية للمهاجرين العرب في مركز "Integration centre".
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية