لا يختلف اثنان حول حقيقة وجود مشكلة كبيرة تعاني منها امتحانات الشهادات العامة(البكلوريا أو التعليم الأساسي)
سواء في الحسكة أو غيرها من المحافظات من بين الكثير من المشكلات الأخرى التي تنعكس آثارها ا السلبية على كل مجالات العملية التربوية وصولاً إلى مشكلة تردي المستوى العلمي للطلبة.
بداية نريد أن نذهب في حديثنا عن الامتحانات إلى ماهو أبعد من الغش في الامتحانات,ولا سيما أن ظاهرة الغش تعم كل مجالات الحياة,وليست حكراً على الامتحانات ,أما في االامتحانات فإذا ثبت الغش على أحد فإن المسؤولية يجب أن يتحملها المراقبون من الناحية القانونية والمؤسسات التربوية والتعليمية من الناحيتين الإدارية والاخلاقية بسبب عدم معالجة الأسباب وليس الطلبة.
وربما يندر أن تقابل شخصاً من أولياء الطلاب أو الطلاب أنفسهم وتسأله عن مسألة الغش والنقل في الامتحانات إلا ووجدته من المبررين للغش..ومن هذه المبررات ضخامة المنهاج أو التأثير المباشر لهذه الامتحانات في مصير الطالب ومستقبله أو أن مستوى الأداء في المدارس والثانويات ليس كما يجب ,أو أن التوجه الكبير نحو الدروس الخصوصية والمعاهد الخاصة وكذلك بيوت بعض المعلمين والمدرسين التي تحولت إلى مدارس منزلية..ويصل الأمر إلى درجة أن يسأل الكثير من الناس عن المراكز الامتحانية وطاقم المراقبة فيها في وقت مبكر من موعد الامتحانات قبل أن يسألوا عن مستوى أولادهم ومدى استعدادهم للامتحان..?
الأمر هنا أصبح يتجاوز حالات الغش التي نتفق جميعاً على ضرورة وأهمية قمعها لأننا نتفق أيضاً على أن الغش عادة سيئة تنتشر بين الأجيال في الامتحانات وبالتالي الحصاد المثمر يجب أن يكون من نصيب الذين زرعوا وليس كما يحصل أحياناً في موسم الحبوب ,حيث الحصاد الكبير للسماسرة بدلاً من الفلاح الذي يحرث الأرض ويزرعها..!!
نقول ذلك بعد أن كثر الكلام حول تنقلات غير مبررة لطواقم المراقبين في المراكز الامتحانية بالحسكة وأيضاً تصرفات غريبة ومدهشة لبعض مندوبي وزارة التربية الذين يدخلون إلى المراكز ويهددون الطلاب بأن لديهم أجهزة تكشف حتى الكذب وليس الغش في الامتحان وحده. وأكثر من ذلك يتم نقل أي مراقب أو كل طاقم المراقبة من مركز إلى آخر لمجرد شكوى حتى إذا كانت كيدية وتضع علامات استفهام حول هذا المعلم أو ذاك دون التأكد من مصداقية الشكوى أو مشروعية الواسطة التي تسببت في ذلك..وبالمحصلة النهائية يبدو وراء ذلك كله ارتباك غير مبرر وخوف من اتهامات مسبقة الصنع ولا ندري لماذا ذلك كله ..?
بالمقابل هناك من يؤكد أن بعض المراقبين في الامتحانات من المعلمين لهم أيضاً دور سلبي ويسهمون في الفوضى وفي تسهيل الغش ,ولعل إحالة عدد من هؤلاء إلى التحقيق وإعفائهم من المراقبة في وقت مبكر من الامتحانات مؤشر واضح على ذلك.
وأرجو أن نتوقف ونتأمل بعض الأمور التي تحصل على أرض الواقع ربما تكون لها معانيها ودلالاتها, منها على سبيل المثال:
الامتحانات..
-ماذا يعني أن يقيم معاون وزير التربية في الحسكة طيلة أيام الامتحانات ويقودها بنفسه في حين أن ذلك لا يحصل في المحافظات الأخرى, حيث يتواجد مندوب أو أكثر من وزارة التربية ومهمة قيادة الامتحانات في أي محافظة يتولاها مدير التربية بالمحافظة.
-كيف يتم نقل طاقم المراقبة بالكامل من مركز امتحاني لمجرد شكوى كيدية أو ربما مفتعلة لغايات شخصية وعندما تسأل يقال لك منعاً لمزيد من اللغط وحتى لو كانت الشكوى حقيقية فهل يعقل أن يكون كل طاقم المركز الامتحاني من مدرسين ومراقبين في دائرة الاتهام..?!
-ما معنى أن يتمكن مفتش جوال سواء كان من مندوبي الوزارة أو الرقابة من ضبط رزمة من (الراشيتات) أو الكتب المصغرة التي تباع في المكتبات دون حسيب أو رقيب بحوزة طالب ولا يستطيع فعل ذلك كل كادر المراقبة في نفس القاعة..?
-هل يستطيع أحد أن يقدم لنا وقائع أو شواهد على عقوبات رادعة تسهم في الحد من الإهمال وتجنب الغش أو تسهيله أو المساهمة فيه من قبل المعلم المراقب أو رئيس المركز أم الذي يقوم بذلك يعرف سلفاً أنه لن يخسر وظيفته أو منصبه أو حتى تعويضاته الامتحانية على قلتها والتذمر منها..!
والسؤال هو :أين نقاط الضعف الأساسية في الامتحانات..?وكيف ينظر إليها أصحاب الشأن ..وما أبرز الانطباعات العامة والوقائع والقصص الامتحانية المتداولة, وبالتالي كيف يمكن الذهاب إلى أبعد بكثير من الدائرة الضيقة للمعالجات التي تتم هنا وهناك والتي ربما لا تبدو أكثر اتساعاً من دائرة الامتحانات نفسها في مديرية التربية لأنها إما تتم تلبية لرغبات معينة أو نتيجة ارتباك غير مبرر وإلا فالشعور بوجود أخطاء لا يكفي وحده إلا إذا كنا نعتمد على الحواس في معالجة الأخطاء من خلال الشم والذوق, ولذلك نكرر مرة أخرى دعونا نذهب إلى أبعد من ذلك ونحاول تشخيص ظاهرة الغش في الامتحانات وأسبابها وطرق تجاوزها.
خلل مزمن
منذ سنوات نسمع عن مشاريع لتطوير المناهج والامتحانات التي مضى عليها أكثر من نصف قرن وربما يعود بعضها إلى فترة الاستقلال في الأربعينيات من القرن الماضي ولكن لا نزال رغم مرور هذه السنوات الطويلة نعاني من قدم أساليب الامتحانات,حيث يتم التركيز على اختبار قدرة وحيدة تقريباً من القدرات الذهنية بشكل رئيسي وهي قدرة الحفظ التي هي من وظائف الذاكرة ولا تعطي القدرات الأخرى كالتحليل والتركيب والإبداع وغيرها الأهمية التي تستحقها ما يضطر الطالب على حفظ كميات كبيرة من المعلومات حتى ساعة الامتحان ثم يخرج لينساها ويبدأ بحفظ غيرها وهكذا, وربما يجره هذا الأسلوب التقليدي إلى سلوك أساليب غير مشروعة قد تجر هي الأخرى نكبات على الأسر وتودي بضحايا من الطلبة يعدون بالمئات سنوياً كما في هذا العام في محافظة الحسكة.
ولعل الأمر الذي يرتبط بذلك أيضاً ويسهم في تفاقم المشكلة فيما بعد سياسة القبول الجامعي حيث يقرر المجموع مصير الطالب ويحدد موقعه في كلية المستقبل حتى لو حصل على هذا المجموع بطرق ملتوية.
فكم من ناجح بالغش أو النقل حصل على درجات عالية أهلته لاحتلال موقع لزميل له أكثر نبوغاً ولم يسلك السلوك الخاطئ.
وأمام هذه المعطيات يصبح الامتحان شراً لابد منه على الطالب والأسرة والمراقب في آن معاً. لكن السؤال الآن أصبح مشروعاً حول حجم الغش في الامتحانات وأسبابه وكيف يمكن توصيفه من حيث المسببات الأساسية وأيضاً تحميل المسؤوليات للأطراف المعنية ولاسيما بعد أن كثر الحديث عن خلل إداري وأخلاقي وتربوي وعدم القدرة على السيطرة أو كحد أدنى ضبط الأمور بحيث لاتصبح الامتحانات أيضاً وسيلة للتشويش على جهة ما أو مؤسسة أو ربما أشخاص.
ولذلك عندما تحاول البحث عن جذور هذه المشكلة وتلتمس أسبابها وحلولها من خلال الحوار مع المعنيين بها من العاملين في الحقل التربوي أو الطلبة أو الأهالي تسمع الكثير من الآراء والتفسيرات ,فبعضهم يعزو تفشي ظاهرة الغش في الامتحانات وخصوصاً في محافظة الحسكة إلى الضغوط الاجتماعية والحرج بين أبناء الحي أو المجموعة الاجتماعية الواحدة أو إلى انهيار منظومة القيم في المجتمع وانتشار الفساد واليأس من جدوى محاربته ,وبعضهم يرى أنها تعكس نقمة الشرائح الاجتماعية الفقيرة التي لاتستطيع الدفع للمدرسين الخصوصيين والمعاهد والدورات ومن ثم للجامعات الخاصة حين تسد أبواب الجامعات العامة.
بعض آخر يعزوها إلى امتعاض أو تذمر العاملين في المراقبة والامتحانات من قلة أجورهم وتعويضاتهم وحرمانهم من إذن السفر وانخفاض أجر ساعة المراقبة بشكل يثير السخرية.
وثمة من يتحدث أيضاً عن تخبط في الإجراءات الإدارية حيث يكلف المراقبون بمراقبة أبناء جيرانهم ومعارفهم وأكثر من ذلك أقاربهم.
البعض الآخر يتحدثون عن وهم العقوبات التي تفرض بحق المخالفين ,ويتهامسون عن كثير من العقوبات التي نفذت في سنوات سابقة ولكنها بقيت على الورق ,وهناك من يقول حتى لو نفذت فما جدوى حسم 1% أو 2% أمام مخالفة قد تجر على مرتكبها الآلاف إن هو قصد هذا النوع من المخالفات واحترفها وجعلها مدفوعة الثمن. ثم إن هذا المخالف لايخسر شيئاً من امتيازاته الوظيفية والتعليمية.
ومما يقال أيضاً إننا نغفل جهد الطالب طيلة المرحلة الدراسية سواء كانت في التعليم الأساسي أو الثانوي لنقرر مصيره في ساعة الامتحان ,فيفعل الطالب المستحيل ليخرج بنتائج لايستحقها ,ولن تقوم الكلية يإخضاعه لأي اختبار يثبت أهليته لدخولها.
بعيدة عن العين قريبة من..
الدكتور فؤاد غالول معاون وزير التربية رأى أن وجوده شخصياً لمتابعة الامتحانات في الحسكة دليل اهتمام من وزارة التربية وهو اهتمام بكل المحافظات ولايقتصر على الحسكة ,إلا أن اختيار الحسكة كونها بعيدة ,وحتى لايكون هناك غبن بحق هذه المحافظة على حد تعبيره ,مشيراً إلى أن مديرية التربية بالحسكة تقوم بدورها على أكمل وجه بالإضافة إلى الجهات الرقابية الأخرى.
ويرى معاون الوزير أن الامتحانات تسير بشكل جيد والقاعات منضبطة مع وجود تقيد بالتعليمات بشكل جيد وهناك بعض حالات الغش كما يقول لكن يتم التصدي لها ومعالجتها والدليل هو أنه تم ضبط حوالي 400 حالة غش وهو عدد ليس بقليل ويعني الجدية التامة في ضبط الامتحانات على أكمل وجه لتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص وأشار الدكتور غالول أنه في امتحان الرياضيات تم ضبط 59 حالة غش أما بالنسبة لتفتيش الطلاب فقال إنه مسموح أثناء سير الامتحانات وذلك بإخراج الطالب من القاعة في حال الشك بأمره لكن التفتيش بشكل عام يتم قبل بدء الامتحان.
ويشير معاون الوزير في سياق حوارنا معه إلى أنه تم ضبط حالات غش نوعية ,وهي وجود موبايلات متصلة ضمن شبكة اتصالات كاملة وبذلك يتضح دور الأهل ومسؤوليتهم في ذلك لأن تكاليف مثل هذه الاتصالات مرتفعة وربما يكون لهم إطلاع على مايحدث.
الشعور بالخلل أو معلومات غير مؤكدة..!
أما مدير التربية بالحسكة منير عبد العال فقد برر نقل طاقم المراقبة في بعض المراكز الامتحانية دون غيرها بأن النقل يتم عندما نشعر بأن هناك ضعفاً في المراقبة أو عندما تردنا معلومات حول مخالفات من بعض المراقبين لتعليمات الامتحانات.
وعن حقيقة أن الأجوبة على أسئلة الامتحان تدخل لبعض أولاد المسؤولين في قاعات الامتحان قال مدير التربية:هذه إشاعات مغرضة لا أساس لها من الصحة ولايمكن لأحد أن يقدم برهاناً أو إثباتاً على ذلك إنما هي افتراءات الغاية منها الإساءة للامتحانات والنيل من القائمين عليها.
ويرى عبد العال أن هناك مؤشرات واضحة على ضبط الامتحانات من خلال تقارير مندوبي التربية المقيمين في المراكز الامتحانية وتقارير مندوبي الوزارة ومفتشي الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش التي تشير إلى حسن سير الامتحانات وتطبيق تعليمات الوزارة في الإشراف والمراقبة والتصدي لمحاولات الغش التي يلجأ إليها بعض الطلاب.
نقابة المعلمين ملاحظات وتحفظات..!
محمد هيجل رئيس فرع نقابة المعلمين بالحسكة أكد أن هناك شكاوى أيضاً وصلت النقابة حول وقوع بعض أشكال الظلم من خلال تنقلات عشوائية وتم رفعها لمدير التربية لكن لم يأت الرد عليها بعد ربما لحجم العمل الكبير أو الانشغال حالياً بالامتحانات بشكل عام.
ويرى هيجل أن هناك انطباعات متفاوتة حول الامتحانات من قبل الذين يراجعون فرع النقابة فبعضهم يراها جديدة والبعض الآخر يشير إلى تشدد غير موضوعي وتصرفات تتسبب بردود أفعال منها اللامبالاة بسير العملية الامتحانية.
وهنا يرغب نقيب المعلمين بالحسكة أن يفصل بين وجهة نظره الخاصة ومايجب أن يقوله باسم المؤسسة النقابية ولذلك فإن وجهة نظره الخاصة أن بعض الأمور يتم التعامل معها باهتمام ومبالغة أكبر بكثير من حجمها الطبيعي ولذلك هناك ملاحظات وتحفظات على نقل كامل المراكز وهذه الملاحظات ليست من فراغ كما يقول هيجل وإنما تستند إلى تجربته كمدير سابق للامتحانات بالحسكة.
العودة إلى أصل الحكاية
وإذا أردنا أن نعود إلى أصل الحكاية فإن أسباب الخلل المزمن في الامتحانات ليست في محاولة غش نتناولها أحياناً باهتمام أكبر بكثير من حجمها في حين يكون السبب والدافع هو تدني المستوى التربوي والتعليمي للطلاب ثم عدم الثقة في النفس لتجاوز الامتحان, وكذلك الخوف من الفشل أو الرسوب في الامتحان ولذلك نلاحظ أن الكثير من الطلاب اعتمدوا على الغش في الامتحانات بل تفننوا في خلق أساليب متنوعة وأصبح الطالب يعتبر الغش حقاً مكتسباً والمدرس الذي يحاول منع الغش يعتبر من وجهة نظر هؤلاء الطلاب ظالماً..
وقد قال لي أحد المعلمين عندما جاء يشرح معاناته أنه واجه الكثير من المشكلات نتيجة رفضه مبدأ الغش آخرها تعرضه لمحاولة ضرب لأنه منع حالة غش ونتيجة لما حدث فإنه لم يعد يريد المراقبة في أي امتحان لأنه لايستطيع منع الغش في أغلب الأوقات فالمراقب في نظر الطلاب وبعض الأولياء أيضاً هو الجلاد الذي أتى للإيقاع بكل الطلاب والقضاء على مستقبلهم في حين أن المراقب يقوم بواجبه الأخلاقي والمهني الذي يحتم عليه منع الغش داخل القاعة الامتحانية حتى لايظلم أي طالب بذل جهداً كبيراً في الاستعداد لهذا اليوم في مقابل طالب آخر أتى إلى الامتحان وهو يعتمد على غيره في تحقيق النجاح..وفي نفس الوقت هناك من يكون له دور سلبي في الامتحانات من المراقبين سواء من خلال الإهمال وعدم القيام بالواجب أو التوسط من أجل أن يكون في مركز امتحاني دون غيره ما يثير الشك حول الدوافع والأسباب.
إذاً وأمام هذه المعطيات والآراء وغيرها لامفر من إعادة النظر في أساليب الامتحان وأتمتتها وتقليص دور العامل البشري فيها وتنويع طرق الامتحان أفقياً وعمودياً بمعنى شمول كل القدرات الذهنية وليس الحفظ وحده وتغطية جميع مراحل التحصيل وليس في يوم واحد, واعتماد الكليات اختيارات خاصة دون التعويل على معدل الشهادة, وإنصاف العاملين في الأعمال الامتحانية وعدم اعتبارها من أعمال (السخرة ) كما رغب أحد المعلمين أن يعبر.
وخلاصة القول:
إن الامتحانات كما يبدو أصبحت بحاجة إلى امتحان وتقويم شامل لعلنا نستطيع في امتحانات السنوات القادمة تجاوز حالة الارتباك كحد أدنى..!
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية