أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

صناعة الآلهة .. السيسي أنموذجا ... جعفر عبد الله الوردي



تبدأ صناعة الإله بربطه مباشرة مع الله بصلة خاصة، إما أن تكون علاقة نَسَبية -كما هو الحال في ادعاء النصارى أن عيسى ابن الله-، أو علاقة روحية -كالأنبياء-، أو علاقة خاصة بأنه مصطفى ومجتبى.
حيث يصعب على الإنسان أن يفاجئ العالم بأنه هو الله الرب القادر، لأن شكله كأشكالهم وقدرته كقدرتهم، فلذا يصعب أن يصدقوه، فلا بد للأمر من مقدمات وتمهيد حتى يصل للمراد من تأليه شخص أو جعله هدية من الله مباركة طيبة أنعم بها على الشعب وتفضّل بها على آبائهم وأمهاتهم..!
تبدأ المرحلة من إقناع الشعب بأن الوضع مأساوي والبلد يهوي للخراب والأعراض والأديان في خطر، والسماء تكاد أن تتفطر وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّا، فيجب أن ندعوا الله تعالى ليهب لنا مخلصا ومنقذا وفرجا، والله هو المجيب ولا يرد داعيا.
من هنا تبدأ النفوس تتجهز لمجيء الرجل المنقذ المراد صنعه إلها، فنفوسهم مستعدة بل متوقعة وجازمة بمجيئه، فيظهر الشبح الذي انتظره الجميع ظهورَ المتمنع الذي لا يرغب ولا يريد أن يتسود أو يصبح مخلصا، ويتظاهر بالزهد ويخفض جناح الذل من الرحمة.
فينتقل الشعب إلى المرحلة التالية، بأن يطالبوه بالله والدم والرحم آن يستجيب لأمر الله الذي أسداه إليه وأن لا يخيب ظن الجماهير بربها، فتكون المظاهرات والتجمعات المطالبة له بأن يتسلم زمام الأمر وأن الله هو الذي بشر به في الصحف والمجلات وعند المشايخ والكنائس والحانات..!
يظهر المصنوع إلها -السيسي- وهو مثقل من هذا العبء، ويطلب منهم أن يتكرموا بإعفائه لأنها مسؤولية كبيرة، إلا أن الجماهير تأبى بكل قدرتها وقوتها إلا أنت إلا أنت..
عندها يبدأ يحقق ما رُسم لهم في مخيلتهم من أنه هدية الله وبعثته المصطفاة من بين البشر، فيعزز انتسابه للدين والله، ويذكر كل مناقبه من صلاة بالليل وصيام بالنهار وتصدق على الفقراء والمعترين..
يبدأ التعلق فيه أكثر وأكثر، لا لشخصه ولسواد عينيه، بل لأجل الله ولأن نسبته إلى الله وثيقة وعظيمة، فيأتي لاعقي أحذية الآلهة الكاذبة الخاطئة من المعممين وأدعياء العلم والدين، فيجيشون كل الأحاديث والآيات والمنامات ويلوون أعناقها لتنطبق على هدية السماء الخالدة، كـ الحاكم ظل الله في الأرض، والخروج عليه كبيرة من الكبائر ولو أخذ مالك وجلد ظهرك، ويأتون الصلاة وهم سكارى وغير سكارى في سبيل أن لا يدخل ريب في قلب أحد من الجماهير على النعمة المسداة لهم رجل المرحلة والوقت -السيسي-.
فيتطور الأمر إلى القتال لأجله ولحماية الإله في ذاته، والدفاع عنه وعدم السماح من الاقتراب نحو جلاله وجماله، فيعزز هذا الإله -السيسي- تلك المعاني بأن ينسب نفسه للنبي وهو من آل البيت الذين طهرهم الله واصطفاهم وفضلهم على العالمين، بل هو رأى الله واجتمع فيه مرات عديدة ولكنه لمّا يطلعه الله على اللوح والقلم، حيث إنه رأى الله في مكان آخر، وليس عند سدرة المنتهى.. كما صرح السيسي مؤخرا بأنه رأى الله وهو من السادة الأشراف..
الجماهير تزيد من صلتها بالله، ولكن عبر هذه المنحة والهدية، فصلتها به صلة بالله وحبه يقرب إلى الله زلفى، وطبعا حفظا للقوانين والأعراف الدولية لن يتقدم للألوهية بدون انتخاب وديمقراطية، فالآلهة لا تحب الظلم ولا تقترفه، فيرشح نفسه، والكل جازم بأنه هو الناجح، إلا أنها هي حركة لتبين أن الآلهة معصومة عن الظلم ولا تفعل شيئا رغم أحد أو دون إذنه..
وهكذا يستمر اللعب والكذب، والمرتزقة من الإعلاميين والدعاة والبطارقة يمهدون لولادة فرعون في مصر، ولكن الذي غفل عنه الجميع أنه فرعون قبيح الشكل غير متحدث ولا ذي حجة، وهذا لا يصح في حق الآلهة، فثمة بعض الراقصات أجمل منه، وكيف لمتأله تكون راقصة أجملَ منه ؟!

(110)    هل أعجبتك المقالة (113)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي