الله يرحم أيام زمان يا "ياسر العظمة"

يقدم ياسر العظمة، الفنان الكبير، في هذا العام، عملاً كوميديا يخجل المرءُ من تصنيفه مع الكوميديا، اسمه "مرايا 2013"، يقوم، كغيره من أجزاء مرايا السابقة، على بطولة ياسر العظمة المطلقة.
لمع نجم ياسر العظمة في المسرح، وبالتحديد ضمن مسرحية "غربة" مع مجموعة نهاد قلعي، وبعد زمن ليس بالقصير، وبالتحديد في سنة 1984، قدم برنامجه التمثيلي الكوميدي "مرايا" مع المخرج هشام شربتجي، وكان صوته، في تلك الأيام، عذباً، فراح يختم كل لوحة من اللوحات بأغنية منسوجة على لحن أغنية معروفة.. ولكن بعد تبديل الكلمات.
أحب ياسر العظمة أن يستغل النجاح الباهر الذي أحرزته تجربة مرايا 84، فأخذ ينتج، كل سنة تقريباً، جزءاً جديداً، تحت يافطة سهلت عليه عملية الاستيلاء على بعض القصص والأفكار التي يبدعها الآخرون فينص في الشارة على أنه ألف هذه اللوحات (مما قرأ وسمع وشاهد)!!.. وقد سبب له ذلك مشاكل مع بعض المبدعين، منهم صديقي الراحل تاج الدين الموسى الذي فوجىء بقصته "ثمن الرائحة" تُعرض على التلفاز بعد أن جعل "العظمة" عنوانها "كفر البطيخ"..
تطورت أعمال ياسر العظمة، في أواسط التسعينيات، وأصبح يعتمد في التأليف على الكاتب مازن طه الذي يجيد صناعة و(فبركة) الأعمال
الكوميدية التي تناسبه، وفيما بعد، اضطر لشراء لوحات من كتاب مختلفين، واعتمد، لبعض السنوات، على الكاتب الساخر نور الدين الهاشمي الذي رفع- من دون أدنى شك- من سوية العمل، وبث الروح في (مرايا) التي كانت على وشك توديع الحياة.
ولكن أكبر ضربة تلقاها "مسلسل مرايا" كانت من الليث حجو الذي صعد نجمه الكوميدي بمسلسل بقعة ضوء (سنة 2000) الذي يستفيد- حقيقة- من أخطاء مرايا وعثراته، فهو يعتمد على عدد غير متناه من نجوم الدراما والكوميديا السورية، بدلاً من بطولة ياسر العظمة المطلقة التي ملها الناس، ويشير، في كل لوحة، إلى اسم المؤلف، أو صاحب الفكرة، أو المعد، ويشتغل على إيقاع (ريتم) إخراجي سريع، ومشاهد كثيرة وقصيرة، وموسيقا كوميدية متميزة كان الناس يترنمون بها أثناء حياتهم اليومية.. بينما يتألف مرايا من مشاهد طويلة، وعدد محدود من الممثلين، وحوارات طويلة تصل أحياناً إلى مستوى الثرثرة أو (العلاك).
المفارقة الأساسية، بل المفارقة الكبرى التي ظهرت لنا من خلال المقارنة بين حلقات مرايا القديمة ومرايا هذه السنة (2013) يمكن تلخيصها فيما يأتي:
كانت مرايا (القديمة) سباقة إلى طرح مشاكل الإنسان السوري بشيء من الجرأة، والمباشرة، والوضوح.. فلأول مرة يجري انتقاد المخابرات السورية- تلفزيونياً- من خلال لوحة تحمل اسم الفرع تسعة تسعة تسعة.. ولأول مرة في سوريا يجري انتقاد الاحتفالات بالحركة التصحيحية وغيرها
من المناسبات التي كانت فرصة لاختلاس الأموال العامة!! ولأول مرة تنتقد المسيرات والدبكات التي يُجبر الناس عليها تحت طائلة الاستدعاء إلى فروع الأمن والتحقيق..
وأما مرايا 2013 فقد كانت الفرصة الذهبية أمام ياسر العظمة ليقول لنا: لا شيء!.. أو ليقول أشياء غير التي يريدها، أو يعيشها، أو يراها الشعب السوري.
تصوروا- يا رعاكم الله- إحدى اللوحات تتحدث عن عصابة كانت تعمل في سرقة الموبايلات، والأموال، ثم انتقلت إلى خطف الأشخاص والتفاوض عليهم.
(من المقصود بها بالله؟ أكيد هي ليست عصابة بشار الأسد!)..
لوحة أخرى تعين فيها ابنته في محافظة شمالية (لماذا لا يحدد اسم المحافظة؟ ألهذه الدرجة وصل الخوف، ووصلت الزلفى؟).. ويذهب هو إلى الوزير فيعتذر له عن إمكانية طي القرار لأنه، أي الوزير (مو طالع بيده).. ثم يلتقي بولد سرسري يعمل في السمسرة والدعارة ينقل له ابنته بسهولة.
(يا سلام.. يعني كأن في سوريا يوجد فساد، وياسر العظمة، الآن، ينتقد هذا الفساد)!
لن أحكي شيئاً عن مخرج مرايا 2013 الجديد عامر فهد.. يكفي الإشارة إلى أنه، حينما تسلم إخراج بقعة ضوء 2010 لأول مرة، كان
شرطه الأساسي في اقتناء اللوحات هو الابتعاد عن السياسة.. ولا أبوك ولا أبو الشيطان.
خطيب بدلة - زمان الوصل - زاوية: دراما الثورة السورية
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية