تتجسد سوريا في صحراء أبوظبي لبضعة ساعات كل يوم من خلال حمام دمشقي يزدحم بمجموعة من الممثلين يمشون على الأرض الرخامية بقباقيبهم الخشبية ويتحدثون بلهجة شامية أصيلة في موقع تصوير بني بعيداً جداً عن بلدهم.
وتقول ممثلة لأم صخر، زوجة صاحب الحمام، وهي ترتدي ثوباً تقليدياً وتضع وشاحاً أحمر على رأسها "وهاي جاهز سطل الماورد (ماء الورد) مخلوط بمنقوع القرفة والزنجبيل والليمون".
هذا المشهد هو من مسلسل "حمام شامي" السوري الذي سيعرض خلال شهر رمضان.
وقد بني موقع التصوير خصيصاً، وللمرة الأولى، في أبوظبي وليس في سوريا بسبب النزاع المستمر في هذا البلد.
وقال مهندس الديكور مهند أبو شنب "كنت أتمنى لو تمت إقامة هذا الحي وهذا الحمام في بيئته الطبيعية، أي في دمشق".
والمسلسل كوميديا خفيفة تحصل أحداثها في الخمسينات من القرن الماضي، خصوصاً داخل حمام تركي في دمشق القديمة.
وقد أعيد بناء موقع التصوير في صحراء أبوظبي بسبب أعمال العنف المستمرة في سوريا والتي راح ضحيتها 94 ألف شخص منذ آذار/مارس 2011.
وتقول الممثلة سحر فوزي التي تؤدي دور أم موفق التي تزوج زوجها بثانية، إن الحمام في الثقافة الدمشقية كان المكان الذي تدور فيه الحياة الاجتماعية.
وذكرت فوزي أن الحمام كان المكان الذي يعقد فيه الرجال الصفقات التجارية، وتناقش فيه النساء شؤون الحياة، فضلاً عن العثور على عروس لأبنائهن.
والمسلسلات السورية التي ارتفعت شعبيتها بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، لطالما كانت تصور في سوريا، لاسيما في الأحياء والحمامات والمنازل الدمشقية القديمة التي تمت المحافظة عليها لعقود.
وقالت الممثلة واحة الراهب "أنا نزلت دموعي من الحنين، من القهر على ما حل ببلدي. مجرد أن رأيت الحمام. سوريا ككل جاءت وتجسدت لدينا في الغربة. تأثرت كثيراً. الديكور بحد ذاته فيه مصداقية لدرجة جعلتنا فجأة نشعر بأننا عدنا إلى سوريا وبأن كل المشاكل انتهت. عدنا إلى الوهم الجميل".
ويستعيد الديكور أجواء الحمام الشامي بتفاصيله الدقيقة، مع الأواني النحاسية والثريات العثمانية الملونة إلى كراسي الخيزران والأرض المكسوة بالرخام الأبيض والأسود.
ويلبس الممثلون الثياب التقليدية السورية، ويصدرون بمشيهم على أرض الحمام صوت الطقطقة الشهير الناتج عن وقع ارتطام قبقاب الخشب بالرخام.
وقالت راهب "ظروف التصوير في سوريا كما هو معروف فيها تهديد لحياة الناس، وفي كل لحظة، وهناك صعوبة كبيرة في إنجاز أي مشهد. أي موقع تصوير ممكن بلحظة أن يكون مهدداً بالقصف".
وعن الإصرار على إنتاج هذا العمل الكوميدي بالرغم من المآسي التي تشهدها، سوريا، قالت راهب إن "المخرج أراد في هذا الظرف القاسي والقاهر أن يخلق بسمة للناس لعلها تخفف عنهم هذا الضغط".
وأضافت "العمل يحمل بسمة لا أكثر وفي نفس الوقت يبقى ليكرس وجود سوريا. هو تعبير عن استمرارية شعبنا واستمرارية حضارتنا واستمرارية فكرنا. فلا يجب أن يتوقف الفن".
وأقرت الممثلة بعدم وجود أي علاقة بين المسلسل والأحداث في بلادها، وقالت إن ذلك يعود إلى "رفض المنتجين تمويل أي عمل له علاقة بالثورة السورية".
وتراجع إنتاج الدراما السورية بشكل كبير منذ بدء الاحتجاجات ومن ثم النزاع المسلح.
وانخفض عدد المسلسلات المنتجة من أربعين في 2010 ألى أقل من نصف هذا العدد، فيما يتم تصوير عدد من المسلسلات المتبقية خارج سوريا، لاسيما في لبنان ومصر إضافة إلى الإمارات.
وغادر عدد كبير من الممثلين سوريا، خصوصاً المعارضين منهم، فيما تم توقيف البعض وقتل البعض أيضاً مثل الممثل الكوميدي الشهير ياسين بقوش الذي أصابت قذيفة سيارته في جنوب دمشق في شباط/فبراير الماضي.
وقال الممثل سليم صبري الذي يؤدي دور صاحب الحمام إن "الأوضاع الراهنة في دمشق لا تسمح بهذا النوع من الحركة. هناك دائماً مخاطر".
وذكر أن الاحداث أثرت على "جرأة المنتجين على تقديم الأموال لأن المسلسل قد يتوقف في أي لحظة بالرغم من دفع الملايين".
أما راهب التي لا تخفي ميولها للمعارضة فقالت إن "معظم المنتجين مرتبطون بأنظمة لا مصلحة لها بانتصار الثورة وتكريس نموذج يقتدي به العالم".
وخصلت إلى القول "سيأتي الوقت وسيكتب عن هذه الثورة الملحمية".
AFP
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية