نشر عدد من المشاركين في "مظاهرة المثقفين" تفاصيل ما جرى معهم أثناء الاعتقال على شبكة فيسبوك الاجتماعية. وفيما يلي ننشر شهادتين لـ رامي العاشق وباسل شحادة
شهادة رامي العاشق: ما جرى معي شخصياً في ثلاثة أيام من الاعتقال
تم القبض علي فيما سمي بمظاهرة المثقفين في منطقة الميدان يوم الأربعاء 13\7\2011
تم سوقي من قبل أربعة عناصر حفظ نظام من إشارة المجتهد إلى مقابل جامع الحسن وهذه المسافة تقدر ب500 متر.
قال لهم أحد الضباط (لا تضربوه قدام الناس , خدوه عالسيارة و اضربوه هنيك لهاد العرعوري) وأنا أمشي مساقاً نحو السيارة تم توجيه الشتائم بكل فظيع ونعتي بصفات غريبة (عرعوري : أنا شعري طويل ومربوط) و (عميل لإسرائيل : مع أني فلسطيني) ناهيكم عن الشتائم في العرض والشرف والأم والأخت و و و …
وعوني في صندوق سيارة تويوتا ستيشن خاصة بالشرطة و أخذوني على فرع الأمن الجنائي بدمشق فتحوا باب الصندوق وانهالوا عليّ بالضرب باليدين , ثم أنزلوني إلى القبو حيث رأيت الأخوين ملص وسالم حجو وعبد العزيز الدريد وباسل شحادة ومحمد أبو زيتون وعبد الرحمن الحصني وعبد الحكيم بازرباشي وخلدون الخطيب (تعرفت على أسمائهم لاحقاً) موجودين على الأرض مضروبين وكان الباقي موجودون قبلنا (مي سكاف وريما فليحان ويم مشهدي وغيفارا نمر وسارة الطويل ودانا بقدونس وساشا أيوب ورنا شلبي ومجدولين حسن وصبية أجهل اسمها وإياد شربجي وفادي زيدان ونضال حسن ومظفر ومهند وفادي وبلند حمزة) كانوا في غرفة التحقيق , تم تحويل الشباب المصابين إلى المشفى وتم أخذ أقوالنا و أدخلونا على غرفة الاعتقال وبقينا للساعة الخامسة صباحاً مع بعضنا, الساعة الخامسة صباح الخميس تم إدخالنا إلى الزنزانات الخاصة بالمجرمين واللصوص وتجار المخدرات بعد أن فرقونا إلى قسمين , في زنزانتي عندما دخلنا وجدنا رجلا كبيرا في السن ضخم الجثة يدعى أبو منير (زعيم القاووش) متظاهر من القدم واستقبلنا أحر استقبال ورحب بنا وتركنا ننام وظل واقفا لأن الزنزانة كانت ممتلئة, كان في الزنزانة حوالي الخمس وعشرين شخصا ينامون على الأرض تحتهم (بطانيات) والزنزانة تعج بالحشرات والصراصير ومظلمة لا يدخلها إلا القليل من ضوء زواريب بعيدة.
أبو منير (زعيم القاووش) حاولوا أن يقنعوه بالظهور على قناة الدنيا للاعتراف بأنه قتل ضابطاً في القدم لكنه رفض وقال لهم ( لو بتعدموني ما بطلع عالدنيا) .. رجلٌ تنحني لعظمته كيف سهر لكي ننام وبات يكبّر ويفرح كلما أخبرناه بوضع المظاهرات في الخارج .. رأينا شابا اسمه محمد , طالب في الجامعة الأوروبية تهمته رش الماء على المتظاهرين لتهييجهم , لكن المفاجأة الكبرى كانت في الرجل البخاخ , الرجل البخاخ شاب وسيم كان يكتب على جدران باب توما (الشعب يريد إسقاط النظام) كان معتقلا من سبعة أيام ولم يعرض على قاض , فقط معتقل ويتعرض لأقسى أنواع التعذيب , وجهه لا ملامح له عينان متورمتان وجسد هزيل ودماء تراها على كل أنحاء جسده … اللهم فك أسرهم جميعاً
بالمقابل كان هناك خمسة معتقلين يجلسون خارج الزنزانة يتجولون مع العناصر تهمتهم الهجوم على السفارة الأمريكية كانوا يعاملون معاملة خاصة , كان بينهم صحفي يدعى ياسر (جريدة الثورة) أما الباقي فهم ناس بسطاء, دارت بيننا حوارات كثيرة أثبتنا لهم أننا لسنا خونة بل وطنيون واثبتوا لنا كم هم طيبو ومغيبون ومزروع في عقولهم ذاك الحقد العارم من أفكار ذلك الصحفي أنه سمع المتظاهرين في جامع الرفاعي يهتفون (بالروح بالدم نفديك إسرائيل) هذا الشخص يصدقك الكذبة ويكذب فوقها, أما الباقي فكانوا يشتمونا بأبشع الشتائم لكنهم سرعان ما فهموا حقيقتنا ومطالبنا وصدقاً لو جلسنا معهم يوما آخراً لخرجوا معنا في مظاهرة .
تم إخراجنا من الزنزانة عندما جاء قائد الشرطة لمقابلتنا وأعادونا مع بعضنا مجددا وعدنا للضحك واللعب والحديث السياسي العلني وسط الكاميرات والعناصر والشبيحة
الخميس مساءً قررنا الإضراب عن الطعام وبعد نصف ساعة كان العميد عندنا يقنعنا أن نأكل وإنها اجراءات روتينية والسبت صباحا سنخرج للقضاء , ولكننا لم نوافق إلا بعد موافقة الصبايا , وبالنهاية قررنا أن نصوت من كان مع الإضراب 13 ومن كان ضد الإضراب 15 فقررنا التوقف عن الإضراب (ديمقراطية في سجون البعث)
عندما سألنا أبو محمود عن سبب هجومه على السفارة أجاب : ( أنا كنت جيب كيلو الذرة من حماه بخمس ليرات بس إجا هالسفير ابن الحرام صار الكيلو بخمس وعشرين) أبو محمود جاء من جبلة مع خمسمئة شخص للهجوم على السفارة ومعهم ترخيص , ببساطته وبراءته قطع كل هذه المسافة لكي يضحي به النظام ويسجنه
سيأتي يوم الجمعة بعد ساعات قليلة , ونخن نتساءل عن وضع المظاهرات في الخارج هل سيحضرون المتظاهرين إلى هنا.؟
لم نستطع أن نعرف أي شيء لكن ملازماً قال لي : لا تهتم برا كلو تمام !!!
يوم الجمعة كان يوماً متعباً من الانتظار , نحاول أن نستنشق خبراً من هواء القضبان
أهم مافيه أن الأخوين ملص قاموا بتمثيل مسرحيتهما الساخرة ضمن الأمن الجنائي وبمشاهدة العناصر والضباط
(معارضة مسرحية في سجون البعث)
يوم السبت صباحاً استلمنا أماناتنا وخرجنا مربوطين بقيود وسلاسل تجمعنا جميعا مع بعض في باص الاعتقال كلنا غنينا النشيد الوطني .. حماة الديار عليكم سلام , والضباط مصدومون لا يستطيعون فعل شيء
وصلنا إلى القصر العدلي وكان أحباؤنا ينتظرونا في الخارج , أدخلونا إلى النظارة والتقيت مع أبو منير مرة أخرى لكن الأهم كان لقاء معن العودات .
معن العودات من درعا مهندس عمره 52 سنة اعتقل في مظاهرات درعا , استشهد والده أمامه , كانت عيونه لا تجف , رجل لا تستطيع إلا أن تنحني أمام عظمته حدثنا عن مشاهداته في درعا , يا الله ما أروعك يا معن
كما رأينا في نظارة القصر يافع من إدلب متظاهر أجبروه بعد التعذيب على الظهور على تلفزيون الدنيا ليعترف أنه قد فجر أربع سيارات , تلفزيون الدنيا … الحقيقة كاملة
ونحن نمثل أمام القاضي كانت مجموعات الشبيحة تنتظرنا خارجاً ويهتفون : (طز فيكي حرية . نحنا الأمة الأسدية)
وتعرفون الباقي,
لكنها كانت تجربة عظيمة لتدخل وترى وتشاهد كم النظام متفتت ومشوّه من الداخل , فعندما سألوني بدك حرية؟ أجبتهم : لا بدي إسقاط النظام) داخل الأمن الجنائي
تصويت على الإضراب و مسرحية في السجن وأن تقول ما تريد … هذه أول نتائج الثورة
حاولت أن أختصر قدر المستطاع وسأنشر ملحقاً إن تذكرت أي جديد
عاشت سورية حرة
رامي العاشق
17\7\2011
شهادة باسل شحادة: أسطورة الرجل البخَاخ
ما زلت أذكر شعور الطمأنينة الذي أحسست به عندما رأيتها في آخر السرداب، جيفارا الجالسة في أرض ردهة فرع التحقيق وأنا أنزل الدرج مرتجفا بعد نوبة الجنون التي انتابت عناصر حفظ النظام منهالة على جسدي ورأسي باللكمات وعلى ركبي بالهراوات وتلاها أخيرا فقرة للرقص الشعبي دبكت فوقي على أغنية "أبو حافظ"… نزلت السرداب لتستقبلني عيناها الجميلة الهادئة، وفكرة واحدة تنتابني "كم هي قوية …إهدأ أيها الجبان !"
بعد التحقيق المجهد طيلة الليل وتخليصنا من كافة كماليات العالم الخارجي متضمنة أربطة الأحذية وأحزمة البناطيل وعلب الدخان الضرورية لاستمرار حياة بعض المتظاهرين، دخلنا مع صلاة الفجر إلى عنابر الفرع المظلمة.
لا أعتقد أن النور دخل هذا المكان منذ سنوات الحزب الأولى !
أسندت ظهري المتعب على طرف الحائط وأنا أراقب صدور الجثث المستلقية أمامي وهي تنتظم مع إيقاع الشخير الثقيل وهمهمات الليل المؤلمة.
هل قتلت أحدا أم أنك سرقت لتأكل فقط؟
أخذت أراقب بعض الصراصير وهي تتجول في الزنزانة، اعتقد ان اثنان منها واقعان في الحب، أحدهما يتبع الآخر أينما ذهب، لكنهما في النهاية استقرا على قدم السجين الثاني إلى اليسار.
هل تمارس الصراصير الجنس، أم انها تعشق من قرون الاستشعار؟
بحركة واحدة نفض الصرصارين العاشقين عن قدمه، ثم تحرك بجسده الفارع نحوالخلف مسندا ظهره إلى الحائط المقابل لي، عيناه الزرقاوان تلمعان تحت الضوء المتسلل من الردهة وأخاديد مشوهة تملأ جبهته العريضة. انتابتني قشعريرة مؤلمة وأنا أتتبع الجروح العميقة على تلك الجبهة، أسفل ذلك الوجه المجروح اكتشفت ابتسامة هادئة، لم أستطع ان أرد عليها بأخرى، اعتقد ان ظلام الزنزانة وجروحه قد قبضت على حنجرتي.
" لقدت أعدتم لي روحي".
تبا… لقد نطقت الجثة المشوهة التي أمامي … هل قتلت أحدا أم أنك سرقت لتأكل فقط؟
سألته بتردد: "روحك؟"
ابتسامته الذكية ازدادت تألقا وسط الظلام، ثم انحنى نحوي فجأة متلهفا كطفل صغير "كم متظاهرا كنتم؟ لقد استرقت السمع عبر الردهة… ما هي الأخبار في الخارج؟ هل ابتدأت النهاية؟ "
منكمشا على نفسي من هذا الكائن الظلامي، همست مترددا " أعتقد اننا كنا فوق الخمسمئة".
أمسك بكتفي والرجاء يشع من عينيه: " أعتذر منك صديقي، لم أعد أسمع بأذني اليسرى … أرجوك هنا … نحو اليمين".
" اعتقد…فوق الخمسمئة"
" الله … خمسمئة!"
عاد ليجلس مستندا إلى الحائط المقابل، راخيا رأسه الأصلع على صدره، بتناسق تام مع حائط الزنزانة، بكتفيه العريضين ولون جسده الرمادي ولا شيء يلمع إلا عينيه وتلك الجروح العميقة.
من الغريب كيف نجتمع عندما يطلق علينا الآخرون لقبا موحدا!
أخبرني عن بيته الجميل في أبو رمانة ووظيفته الرائعة كمدير في شركة أجنبية، عن والدته التي تبحث له عن عروس وعن حلمه ببدا عمله الخاص قريبا.
عندما سألته عن جبهته، أجابني: "في المنفردة، ستفعل أي شيء للتخلص من الجنون، أي شيء… ".
ما زالت رطبة … أردت أن المس تلك الأخاديد العميقة على جبهته، وأن أتلمس عينه التي لم يعد يرى بها بشكل جيد، تلك الطمأنينة الدافئة التي نمت بيننا، وهذا الشعور الخفي بالاندساس والأمل … تحولت هذه الزنزانة النتنة إلى مقهى يجلس فيها صديقان وبعض الصراصير العاشقة.
عن قصص الجدران والكتابة واختناق الصوت في الحنجرة، عن قصص التعذيب والتحقيق، وعن التجول في دمشق مكبل اليدين والقدمين ليدلهم على أمكنة الجريمة البشعة التي ارتكبها، ملاحقا بالناس في كل مكان، يكيلون له السباب ويتسابقون للوصول إليه وضربه "أيها الخائن العميل، أنت مجرم…." وعن قصص الزنزانات والحرية والوطن.
"كم هو مؤلم أن يسلمك الشخص الذي التجأت إلى بيته… هل كل أهالي باب توما هكذا؟"
" أنا من باب توما! …ما اسمك صديقي؟"
"أحمد، ولكني اعتدت اسمي الجديد …. يطلق علي المحققون هنا اسم الرجل البخاخ، تستطيع أن تناديني الرجل البخاخ".
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية