أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

«قانون الإعلام الإلكتروني» السوري يصادر حريّة التعبير: دمشق تؤمّم الإنترنت

منتصف العام الماضي، سُربت مسودة «قانون الإعلام الإلكتروني السوري» إلى الوسائل الإعلامية. وحالما اطلع الصحافيون عليها، علت الأصوات المحتجة على بنودها.

ورأى العاملون في المواقع الإلكترونية أنّ الوثيقة وسيلة جديدة لتقييد حرية الرأي والتعبير، وأداة لتحويل الإعلام الإلكتروني إلى ما يشبه الصحافة المكتوبة التي تخضع لرقابة حديدية من النظام.

أما بعض المدونين ففضّلوا تخفيف انتقادهم للمسودة، مكتفين بالقول إنها لا تلبّي طموحاتهم، ولا تتماشى مع طبيعة العمل الإلكتروني الذي يفترض أن يكون سريعاً، وحيوياً، ومرناً.


وبعد كل هذه الانتقادات، خرجت أخبار تؤكّد أن السلطات المختصّة تتّجه إلى إلغاء المسودة. لكن المفاجأة جاءت عكسية، بعد التوقيع على المرسوم التشريعي الخاص بقانون الإعلام الإلكتروني المسمّى «تواصل العموم على الشبكة»، وهو أول قانون ينظّم عمل الإعلام على الإنترنت في البلاد.

وأكدت مصادر مطّلعة أنه «يُتوقع أن يصبح المرسوم نافذاً بعد التصديق عليه في مجلس الشعب خلال الأيام القليلة المقبلة، ليضمّ عمل المواقع الإلكترونية التي تجاوزت أربعة آلاف موقع في سوريا بينها 165 موقعاً إعلامياً». ويتضمن القانون 41 مادة تندرج تحت تسعة أبواب، وقد عمل على إنجازه فريق إعلامي وتقني من وزارتَي الإعلام والاتصالات منذ شباط (فبراير) 2008 وأقرّت صيغته النهائية بعد مناقشته في «لجنة التنمية البشرية»، ومجلس الوزراء السوري نهاية العام الماضي.
نظرة سريعة على بنود المسودة تؤكّد أنه سيصبح بإمكان السلطة إقفال أي موقع من دون الحاجة إلى تبرير ذلك. وأنه يحتوي على عبارات مطاطة (غالباً ما تستعملها الأنظمة العربية لمحاصرة إعلامها)، تخوّل أي موظف في وزارة الإعلام أو «اتحاد الصحافيين» أن يستخدمها للحد من حرية التعبير.

تضاف إلى كل ذلك، العقوبات غير المقبولة التي تجيز سجن الصحافيين من دون حماية قانونية لهم تجاه المساءلات الأمنية والقضائية... كذلك تحتوي على عبارات هي بمثابة تهديدات مبطنة للمدونين السوريين، مع إبقاء فضاءات التدوين العالمية مثل «بلوغسبوت» قيد الحجب الرسمي المتواصل.


وهنا لا بدّ من التذكير بالمشاكل التي يعانيها القطاع الإلكتروني في سوريا: من سرقة مقالات ونشرها من دون ذكر مصدرها، وصولاً إلى غياب أي إطار قانوني ينظّم علاقة المواقع بالمعلنين.

 أي عندما يوقع صاحب موقع عقداً مع شركة لنشر إعلانات على صفحاته، فإن حقوقه المادية تبقى غير محفوظة، إذ بإمكان صاحب الإعلان ألّا يدفع مستحقاته، من دون إمكانية مقاضاته بما أن الإعلام الإلكتروني لا يحمل صفة رسمية أو قانونية حتى الآن.


لكل هذه الأسباب، ترى صاحبة موقع «دماس بوست» ريم خضر أن القانون «ضرورة حقيقية لا بد من وجودها لتنظيم عمل المواقع، لكن الصيغة التي ظهرت فيها المسودة لا تبشّر بالخير. إذ من شأنها أن تعوق عملنا أكثر». وتضيف في حديثها مع «الأخبار»: «التعليقات التي ينشرها القرّاء على المواقع هي التي تزعج المسؤولين، ولعلها السبب الرئيسي الذي دفعهم إلى إصدار هذا القانون. وأغلب مشاكلنا مع الجهات الرقابية تأتي من التعليقات، وهي حالة تفاعلية لا يمكن إلغاؤها».


من جهة ثانية، لم يتردّد صاحب موقع «الجمل بما حمل» نبيل صالح في فتح النار على القانون. وسبق له أن نشر مجموعة مقالات تهاجم المسودة، حتى إنه وصفها بـ«الكلبشة الإلكترونية».

وفي حديثه لـ«الأخبار»، يقول صالح إن «وزير الإعلام اجتمع مع أصحاب المواقع منذ فترة، ووزع عليهم القانون قبل دقائق من مناقشته. مع ذلك، احتج الجميع عليه، لكن من دون جدوى».

ويضيف: «كل الوسائل الإعلامية السورية ستتأذى من القانون على أساس أنه حتى الصحف والتلفزيونات تملك مواقع إلكترونية». لكن ألا يفيد القانون الجديد في تنظيم العلاقة مع المعلن؟ «المعلنون لا يجرؤون على الإعلان في مواقع تنتقد الحكومة نتيجة لتهديدها» يقول صالح.


ولا يقف صالح عند هذه الحدود. يعلن أن القانون الجديد من شأنه تحويل الفضاء الإلكتروني إلى فضاء مملوك للحكومة، «كأنهم يريدون أن يحجبوا حتى الهواء عن الشعب السوري... في الوقت الذي يمرر هذا القانون استثناءات هي بمثابة رشى لمن ينضوي تحت راية السلطة من مستخدمي الإنترنت».

ويشير إلى أنّ السوريين كانوا بحاجة إلى «قانون جزائي شامل يقتدي بالقانون الدولي الذي يحكم عمل الإنترنت، لا مسودة تحوّل الفضاء الإلكتروني السوري إلى مهزلة حقيقية».


في زمن الربيع العربي وثورات الشباب، تتمسّك السلطات السورية بأسلوب إدارتها للعمل الإعلامي. مع دخول «قانون الإعلام الإلكتروني السوري» حيّز التنفيذ قريباً، يشعر أغلب الصحافيين بخيبة كبيرة، بعدما بنوا آمالاً على هذا القانون الذي يُفترض أن يلبّي طموحاتهم. ويبدو واضحاً أن الاختصاصيين الذين عملوا على صوغ القانون بعيدون عن الجسم الصحافي في سوريا، وحتى عن العمل الإلكتروني.

 إذ إنّ وزارة الاتصالات لا تدرك حقيقة العمل الإعلامي. أما وزارة الإعلام فغارقة في روتينها عبر إدارة وسائل الإعلام الرسمية. وفي الوقت الذي تسربت فيه معلومات عن إلغاء هذه المسودة، كان المجتمع الإلكتروني السوري مشتتاً وعاجزاً عن توحيد موقفه من هذا القانون. هكذا انقسم بين مُطالب بضرورة صدوره لتنظيم العلاقة مع المعلن، وبين رافض له على أساس أنه موجه ضد حرية الرأي. وسط هذا الانقسام، بات صدور القانون وشيكاً ليجهز على آخر منفذ سوري للتعبير الحرّ. ويُتوقّع أن يمارس الرقيب الأسلوب نفسه الذي يستعمله مع باقي وسائل الإعلام، فيحجب ويمنع، ويقصّ من دون تردّد ولا استماع إلى الرأي الآخر. وهي العقلية نفسها التي تمنع غالباً دخول صحف عربية إلى الشام فقط لأن العنوان لم يعجب هذا المسؤول أو ذاك. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن رفع الحجب عن موقعَي «فايسبوك»، و«يوتيوب» لم ترافقه خطوات أخرى لرفع سقف الحريات بعدما بقيت مئات المواقع الأخرى ممنوعة.
من جهة أخرى، يتضمن القانون تكريساً للسلطات الاحتكارية التي تملكها «المؤسسة العربية للإعلان» التي تُعَد سيفاً مالياً مصلتاً على رقاب المواقع الإلكترونية السورية. هكذا تقطع 27 في المئة من وراداتها الإعلانية من دون تقديم أي خدمات على الإطلاق. وهي هيئة رسمية تُستخدم غالباً أداةً للحد من الكفاية الاقتصادية لهذه المواقع.
قانون الإعلام الإلكتروني السوري هو الشعرة التي ستقصم ظهر البعير لتزيد الفوضى التي كانت تشوب هذا الفضاء، وتترك الباب مفتوحاً على احتيالات مدروسة على القانون، وقد بدأ بعضهم الاستعداد لها من خلال إطلاق مواقع سورية لكن انطلاقاً من دول مجاورة.

وسام كنعان - الاخبار
(125)    هل أعجبتك المقالة (137)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي