أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الفيس بوك وثورة الشباب العربي

ما يعرفه الشارع العربي من غليان، وما تعرفه الساحات من ثورة الشعوب العربية على الخوف الذي حين سكن الجسد صيّره قزما، وحين أقام في الروح لوّثها، وحين ابتلى اللسان، أخرسه، فصار المواطن جثة بطعم الموت، ما يعرفه الشارع العربي من احتجاجات ضد الخوف الذي توارثته الأجيال، حتى صار جزءا من الحياة، يتم خارج حسابات الأحزاب اليمينية واليسارية والمعتدلة والهادئة، والنقابات، والمنظمات الحقوقية تلك التي توارت خلف الشارع، حين تجاوزها الحدث التاريخي، وبدأت تضرب بعضها البعض حين ضاع منها النصيب في الكعكعة.

ثورة بحجم الضيم العربي، تربك الحسابات السياسية، والتعاقدات الاجتماعية، عربيا ودوليا. لأن الكل تعوّد الخوف شريكا في حياة الشعوب، وألف الشباب قوّة معطّلة حتى إشعار آخر، واعتبر الشباب طاقة خارج التاريخ، حين استهواه العالم الافتراضي، وراح يبحث عن واقع بديل يمارس فيه الحب والحرية والصداقة، ويصرخ كما يشاء، ويحتج كما يحب، ويلعب في عالمه مثل الطفل الذي اكتشف مؤخرا لعبته المسروقة.

الكل اعتبر المرأة العربية حالة مسكونة بالمسلسلات الهندية والمكسيكية والتركية، حالة يتم تصريفها ورقة في الانتخابات، والأزمات. والأنظمة في كل هذا، مرتاحة البال، مطمئنة على وضعها، غير مبالية بالقهر كيف ينبت زرعا، يكبر، ينضج، يثمر، وبالضيم كيف يشتعل نارا، جمرا، وباليأس كيف يتحوّل طاقة، رغبة، إرادة تقهر ولا تقهر، ودليلها في ذلك، أن الشباب يعيش خارج الزمن الواقعي، مهووس بالعالم الافتراضي، مسكون بغرف الشات المغلقة، والمرأة العربية لعبة طيّعة في يد الزوج الافتراضي.

من داخل العالم الافتراضي، وعبر الفيس بوك ومختلف أشكال المواقع الاجتماعية التي أحسن الشباب استثمارها، نظم الشباب العربي قدراته، وأطّر صفوفه، وبلور وعيه، ورتّب حاجياته، وقهر الخوف، ثم خرج بخطاب فاجأ الأحزاب التي حين أهملت تأطير الشباب شاخت، والسياسات التي حين ألغت الشباب من الحسبان ففقدت الشرعية.

كثيرا، ما تم اتهام الشباب العربي بكونه مجرد مستهلك للوسائط الجديدة، شباب غير منتج، وغير فاعل في الزمن التكنولوجي، شباب يحرق وقته بالجلوس أمام شاشات الكومبيوتر مبحرا في النت، غير قادر على الانتقال بالمعلومة إلى المعرفة.

كثيرا، ما تمت الاستهانة بعقول الشباب العربي، ورميهم بنعوت مبتذلة تمس أخلاقهم، وتجعلهم ذوات خارج الفعل التاريخي، لكن، الشباب العربي كشف وبالمباشر السحيق والمدمر لكل هذه الانطباعات، أنه داخل التاريخ وبامتياز، وأن الآخرين خارج التاريخ، لأنهم خارج الزمن التكنولوجي، وخارج زمن الشعوب.

د. زهور كرام ـ أديبة مغربية

(98)    هل أعجبتك المقالة (104)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي