يُدرّس في أربع جامعات سورية... أخذته اللغات القديمة فوجد نفسه بين آثار وعادات الشعوب التي سكنت منطقتنا قبل آلاف السنين ... الدكتور "باسم ميخائيل جبور" واحد من قلائل المختصين باللغات الشرقية القديمة في جامعاتنا السورية.
زمان الوصل زار الدكتور "باسم" في مكتبه للتعرف على اختصاصه ومسيرته مع هذه اللغات، وقد تحدث بداية ً عن الخلفية التي جعلته يقصد اختصاصه فقال: «رغم أنني حاصل على الشهادة الثانوية بفرعها العلمي لكنني ومنذ الصغر كنت أسيراً لسحر العربية شعراً وأدباً ونحواً وصرفاً، وكنت أحفظ مئات أبيات الشعر فوالدي رحمه الله كان مدرساً للغة العربية وكان له الأثر الكبير في صقل شخصيتي فاخترت دراسة اللغة العربية وهذا ما حدث عندما قمت بالتسجيل طالبا ً في كلية الآداب بجامعة البعث».
كان ذلك عام /1989/ عندما بدأ بدراسة اللغة العربية، ووضع أول قدم ٍ له على طريق اللغات. وقد اعتبر الشاب "باسم" وقتها أنه اختار المجال الذي يُعبّر عن شخصيته وينسجم مع طموحاته وأفكاره.
متعة ٌخاصة كان يشعر بها أثناء تعلمه اللغة السريانية إحدى اللغات القديمة «كنت أحب أن استنتج أصول الكلمات العربية وأطابقها بما يشبهها في شقيقتها اللغة السريانية».
ذلك كان المحرض الأول لاتجاهاته في اللغات وقد تخرج مجازاً باللغة العربية من "جامعة البعث" عام /1993/.
ولأنه لم يكن ثمة دراسات عليا "بحمص" فقد توجّه إلى "حلب" ليكمل دراساته العليا في جامعتها وعُيّنَ مدرساً للغة العربية في ثانوياتها «وقد حرضتني دراسة اللغات القديمة على تأصيل دراستي الأولى لأنه لا يمكن أن تبدأ بدراسة العربية من الشعر الجاهلي فقط بل ثمة إرث غني أيضا ً قبل ذلك».
يعتقد "جبور" أنه لا يمكن أن دراسة لغة شعب ما دون أن دراسة تاريخه وآثاره «لذلك كان هذا المضمار صعباً جداً لأنه متداخل مع ثقافة شعوب بأكملها.
ويضيف «إن اللغة كائن حي بحاجة لغذاء مستمر وغذاؤها الممارسة الدائمة التي تنميها حتى لغتك الأم إذا لم تمارسها تنساها».
لأنها لغات شبه ميتة إلا في بعض المناطق الجغرافية مثل السريانية في الجزيرة السورية والآرامية في بعض قرى دمشق "كمعلولا" و"جبعدين" لذلك يكون التعامل معها بوصفها كائناً حياً ضرباً من المستحيل، لكن ذلك لم يمنعه من البدء بمشواره بتعليم هذه اللغات فهو منذ عام /1996/ بدأ بتدريس اللغات القديمة في "جامعة حلب"، ترافق ذلك مع تحضير الماجستير لمشروع نص أدبي قديم يعود للألف الثاني قبل الميلاد بعنوان "أسطورة أترخاسيس البابلية" وهي تتحدث عن الخلق والعقوبات الإلهية للبشر كالطوفان والطاعون والسنوات العجاف ثم التنظيمات الإلهية الهادفة لتحديد النسل البشري، وهي أسطورة أدبية تحمل الكثير من الأفكار الفلسفية الراقية.
أما موضوع الدكتوراه فكان بعنوان الملاحم التاريخية في الأدب الآكادي «ما هو وثيقة تاريخية مصوغة بأسلوب أدبي» تشبه الشعر الحماسي في الشعر العربي كشعر الفتوحات الإسلامية هدف البحث الرئيس توثيق التاريخ البابلي والآشوري القديم شعراً وأدباً على غرار ما كتب الشعراء العرب في تخليد الحوادث التاريخية كقصيدة "أبي تمام" الخالدة "فتح عمورية" التي أرخت لتلك الحادثة وخلدت الخليفة العباسي "المعتصم بالله".
ويرى أن الاختصاصيين الأكاديميين في هذا المجال قليلون جداً ولا يتجاوز عددهم أصابع اليدين في القطر، «أمر مزعج أن تجد خمسين مختصاً بشاعر واحد ولا يوجد لدينا سوى عدد قليل جدا في اختصاص بحاجة إلى جيش من العلماء».
ويتمنى إضافة بعض المقررات التدريسية في قسم اللغة العربية شديدة الصلة بهذا الاختصاص وأهمها الأدب القديم «نحن نقوم بتدريس الأدب الجاهلي باعتباره التراث الأقدم متناسين أن ثمة بذوراً لأدبنا العربي تتمثل بالأدب الأكادي والأوغاريتي والآرامي قبل ذلك يجب أن يسلط عليها الضوء فطلابنا للأسف الشديد يدرسون الأدب العالمي ولا يعرفون شيئاً عن أدب بلادهم القديم».
ورداً على سؤال ماهيّة اللغات السامية يجيب الدكتور "باسم": «ما يسمى باللغات السامية وأنا هنا لا أتبنى المصطلح السامي الذي يعتمد على التوراة، وهذا بحث طويل يحتاج حواراً ثانيا، هي مجموعة لغات قديمة تقسم إلى لغات شرقية هي لغات بلاد الرافدين الآكادية وما يتفرع عنها أي البابلية والآشورية. وهذه اللغة منذ الألف الثالث قبل الميلاد تعرف علامات الإعراب رفعاً ونصباً وجراً، ولغات غربية وهي تلك التي نشأت في سورية على الساحل السوري الفينيقي الذي أبدع أول أبجدية في التاريخ واعني أبجدية أوغاريت التي تعود إلى القرن الرابع عشر ق .م وبالداخل الآرامية بلهجاتها والفرع الجنوبي المتمثل باللغة العربية التي استطاعت أن تحمل هذا الإرث اللغوي التليد وتنهض بشقيقاتها وما من شك بأنها اللغة الأنضج والأغزر على المستويات جميعه».
جدير بالذكر أن الدكتور "باسم جبور" من مواليد حمص /1971/ ، يدرّس في "جامعة حلب" في قسمي اللغة العربية والآثار وفي "جامعة البعث" بحمص ،وهو يشغل حالياً منصب نائب عميد كلية الآداب للشؤون العلمية في جامعة "الفرات" في "الرقة".
دَرَسَ اللغة العربية ثمَّ تخصص في اللغات القديمة يتقن الأكادية ويترجمها، والسريانية والعبرية والفينيقية وأغلب اللغات القديمة ألقى العديد من المحاضرات في المراكز الثقافية السورية التي تتعلق بالآداب القديمة.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية