في دمشق، هذه المدينة العريقة التقينا مع شاب ومبدع من نجوم التمثيل والإخراج. إنه سيف الدين السبيعي الذي وضع بصمة متميزة في كل ما قدم، وما زال يعمل ويبحث ويتابع بجد في طريق التميز، وهو ابن عائلة فنية ساهمت في حمل لواء المسرح بعد الاستقلال وقدمت العديد من الأعمال الهامة التي فتحت الطريق أمام هذا الفن الحضاري الهام وأظهرت أصالة التقاليد والعادات الشامية العريقة، بالإضافة إلى الأعمال التاريخة التي حظيت باهتمام كبير في الدراما السورية. استقبلنا الفنان سيف الدين مشكورا في مكتبه بمنطقة البرامكة مرحبا بجريدة 'القدس العربي'، ليتحدث عن واقع الدراما في سورية وهموم هذا الفن الدرامي السوري الذي يطمح بالوصول إلى العالم، ونبدأ من دمشق وأحيائها الشعبية.
* البيئة الدمشقية الأصيلة الغنية بتراثها وتقاليدها وحضارتها، ماذا أعطت ابنها سيف السبيعي وبماذا أغنته؟
* أولاً يجب أن أقول شيئا: إن ما يقدم على الشاشة السورية والشاشات العربية تحت اسم 'البيئة الدمشقية' هو ليس له علاقة بالبيئة الدمشقية لا من قريب ولا من بعيد، إبتداءً من مسلسل 'أيام شامية' الذي بدأت به هذه الموضة، مروراً بالمسلسلات المشابهة، وانتهاءً بأهل الراية وباب الحارة. هي لا تنتمي للبيئة الدمشقية بأي شكل، وما عرف عن دمشق بأنها كانت هكذا في الماضي هو عبارة عن تلفيق وكذب وتجميل لهذه المرحلة، لا شكل الحارات الدمشقية كان هكذا، ولا شكل العلاقات الإجتماعية كان هكذا، ولا شكل الحياة الدمشقية هكذا. دعينا نقول باختصار البيئة الدمشقية ليست بحاجة لتسويق. عند المواطن العربيأصبحت هناك صورة عن مجتمع مرهون بسياسة وأسلوب خاص من العادات والأعراف غير الموجودة أصلاً، وأنا لا أنتمي لهذه البيئة الدمشقية المصورة، أنا أنتمي للبيئة الدمشقية الحقيقية الغنية بالتاريخ وبالثقافات ولم تهدأ في يوم من الأيام. ودمشق هي مدينة مفتوحة على بعضها البعض وليست حارات مغلقة وكل حارة تعيش منفصلة عن الأُخرى، دمشق القديمة تمتد من باب سريجة لباب توما ومن باب الجابية حتى باب شرقي، وعبر الحارات وعبر الحياة المتداخلة مع بعضها البعض، وهذه هي البيئة الدمشقية. أنا ابن هذه البيئة بامتياز، وأدافع عنها وعن أصالتها وعن تاريخها، وبالتالي أنا أعارض الشكل الذي يعرضون فيه المجتمع، دمشق تعطي أبناءها إحساسا عاليا بالفخر لأنها من أقدم المدن التاريخية التي ما زالت مأهولة، فضلا عن كونها عاصمة، وكانت حافلة بالأحداث التاريخية الهامة، وقد حصلت منها على الكثير كالصبر والمثابرة وحب العمل والأصالة الدمشقية.
* الثقافة غذاء الروح، هل برأيك الثقافة هي أمرٌ هام بالنسبة للمخرج والممثل أم أن الموهبة وحدها كافية كي يغدو المرء ممثلاً؟
* الثقافة هي الأساس في كل شيء، وكل من يعمل في مجال الفن والإبداع فهو بحاجة للمخزون الثقافي، الموهبة وحدها غير كافية وهي بحاجة للصقل والتطويرعبر الثقافة، فهذا الفنان من دون الثقافة لا يستطيع سوى أن يعمل أمراً واحدا ولا يكون قادراً على تطوير نفسه. إذاً، الثقافة هي المخزون الحقيقي الذي يستطيع من خلاله الممثل أو غيره أن ينطلق ويقدم أشياء متنوعة وجديدة عبر إغنائه لنفسه بالحالة الثقافية، عبر قراءة الكتب والروايات ومشاهدة الأفلام والمتابعة الفنية لما يجري بالخارج، هذه كلها يجب على كل ممثل وكل مخرج أن يكون على دراية واسعة بها حتى يستطيع أن يكون عالمه الخاص وبالتالي يكون قادراً على الإبداع وتقديم الشيء الجديد، وإلا بقي ثابتاً دون أن يتمكن من أن يطور ذاته. وهناك أمثلة كثيرة عن مخرجين وممثلين لم يستطيعوا أن يقدموا سوى الشيء القليل لأنه ليست لديهم القدرة على تطوير أنفسهم في مجالات أُخرى.
* كيف نعيد للثقافة حضورها ومكانتها بين صفوف شعبنا، حيث أن الفضائيات العربية طغت بعروضها المتنوعة على الثقافة الذاتية، وماهي اهتماماتك الثقافية التي ساهمت في تنمية معرفتك؟
* كيف نعيد الثقافة؟ هذه مشكلة كبيرة لا تقوم بها مؤسسات خاصة أو أفراد، هذه تحتاج لسياسات حكومية مشتركة حتى يعود للثقافة وزنها في وطننا العربي. فالوطن العربي أصبح متلقيا، وهو متلق كسول وغير مبال، فقد استكان لحالة التلفاز وأصبحت ثقافته ومعرفته بتاريخه تأتيه عن طريق البرامج أو المسلسلات التي تعرض، للأسف الشديد، بينما في دول الغرب مازالت هناك حركة مسرحية قوية وحركة ثقافية وحركة سينمائية فتجدين أن الناس تذهب وتسعى حتى تنهل من الثقافة، ومازال تقليد الذهاب إلى المسرح وإلى المتحف لرؤية معرض تشكيلي، وكذلك الذهاب للسينما لرؤية عرض فيلم جديد، هذا التقليد مازال موجودا لديهم. أما عندنا فهو يندثر يوماً بعد يوم. إذاً، هذا يحتاج عملاً وجهداً من الحكومات والتي يبدو أنها غير مهتمة بأن تعيد الحياة الثقافية للمواطن العربي وليس لهذا المواطن أي أهمية. المواطن العربي مشغول بهمومه اليومية يجب أن يسعى وينشغل دوماً بتأمين لقمة عيشه ويعيش بكرامة حتى يستطيع أن يدفع فواتيره، وانتهى الموضوع. بالنسبة لي، الثقافة شيء مهم جداً، لدي حب الاطلاع وحب القراءة للكتب والاعتماد على المرجعيات الغربية، وليس العربية فقط، ولدي حس المتابعة لكل مايقودني نحو التجديد والتطور.
* أنت كشاب وفنان مبدع ليس فقط كمخرج وممثل، حدثنا عن علاقاتك الثقافية مع الأدباء والشعراء وكيف هي علاقتك بالأدب؟
* أنا متذوق وبشكل عالي للأدب، أقرأ روايات بشكل كبير وأقرأ الكثير من الشعر، ليس لي علاقات قوية مع الشعراء والأدباء وإنما هي علاقات ود مع الجميع، وأنا أستمتع بقراءة أعمالهم، وفي النهاية الفنان الهدف منه نتاجه بغض النظر عن حياته الشخصية وفكره الخاص. فأنا عندما أستطيع أن أقرأ لأدونيس وأبقى متابعاً أعماله أو أن أقرأ لمحمود درويش وغيرهما من الشعراء والكتاب، فهذا هو المهم. ومحمود درويش رحمه الله قال لي في جلسة لنا: ليس مهماً أن تتعرف إلى الفنان أو الكاتب فالفنان يضع كل أفكاره بالشيء الذي يقدمه فكأنك أصبحت تعرفه وتعيش معه.
* أنت قارئ ومثقف لكن في مجال الكتابة، هل لك محاولات في الكتابة؟ وأثناء رحلاتك المتعددة هل تدون أحداث الرحلة؟ وخاصة الآن أن أدب الرحلة أصبح معروفاً ومنتشراً؟
* كلا، أنا ليس لدي هذا الشيء، لكن أنا أكتب مقالات وخواطر وزوايا. ففي جريدة 'بلدنا' أصبحت لي زاوية اسمها حديث الأربعاء، ونشرت بأكثر من جريدة خارج سورية، ونشرت عن طريق الإنترنت بأكثر من موقع، أكتب مقالات فقط ولم أدخل عالم الأدب. لدي محاولات شعرية، لكن أحتفظ بها لنفسي لأني أشعر أنه ما زال من المبكر أن أقدم شيئا للعالم. بالنسبة للمقالات أكتب دوماً نقدا لظواهر اجتماعية وفنية وفكرية بشكل عام.
* تجربة الإخراج مع الأُستاذ هيثم حقي، هل كانت هذه التجربة عطاءً من المخرج أم أنك وصلت لهذه التجربة من خلال دراستك وكفاءتك الذاتية؟
* هي نتيجة الأثنين معا لأننا نحن في بلد لديه هذا الكم الهائل من الدراما، ونحن حتى الآن ليس لدينا معهد للسينما يخرج مخرجين وفنيين، فأصبح من الطبيعي أن المخرجين الذين تعلموا وتخرجوا أن يتحولوا لمدارس متنقلة، وهيثم حقي تحول لأكاديمية متنلقة تخرج من تحت يده كثير من المخرجين، وهناك منهم مخرجون وأسماء ناجحة وكبيرة. أنا برأيي أنه إن أقيم معهد للسينما في يوم من الأيام أن يكون اسمه 'معهد هيثم حقي' لأنه هو أول من حول الإخراج من الحالة الديكتاتورية للمخرج، والتي كانت سائدة في ذاك الوقت، للحالة الأكاديمية والتعليمية التي نقل بها أفكاره التي درسها في موسكو للأشخاص الذين عملوا معه، وفعلاً نجح في ذلك وقام بتخريج كوادر فنية تواكب هذا التطور الذي نشهده الآن. والأُستاذ هيثم هو الذي جعلني أنهل من المعرفة ومن الثقافة، فهو شخص يقرأ كثيراً، يشاهد كثيراً. وأنا أعتقد أن فترة وجودي معه هي الفترة الثقافية المكثفة التي استفدت منها، فقد وجهني لقراءات ولمشاهدات عديدة، وقد اطلعت على أهم أعمال السينما الروسية التي وقعت في وقت تواجد الأُستاذ هيثم في روسيا، تناقشنا كثيراً واختلفنا واتفقنا، وكل هذا قد ساعدني في دخولي في عملية الإخراج فقد كنت واقفاً على أرض صلبة.
* نحن كمجتمع يفتقد لمؤسسات للسينما ولغيرها، وفي غياب الجهات المسؤولة عن ذلك، ألا يمكن للأفراد كالأُستاذ هيثم حقي أن يلعبوا دور المؤسسة التي ترعى هذا الشيء وتسهم في إعداد الفنيين والمخرجين وبذلك يستفيد المجتمع؟
* لا شك في ذلك، ولكن النتاج عندها يكون قليلا فيما يستطيع هذا الشخص أن يقدم، وعندما يكون النتاج قليلا فهوعندها لا يرقى لأن يدعم حركة فنية كاملة.
* هناك حواجز وخطوط حمراء حتى في الفن لا يجوز تجاوزها، هل توجد رقابة على الأعمال التلفزيونية سياسية كانت أو دينية أو اجتماعية؟
* نحن في سورية صف الرقابة يتطور سنة عن سنة. منذ سبع سنوات تقريباً كانت الرقابة، إضافةً إلى الرقابة السياسية، كانت هناك رقابة دينية واجتماعية وفكرية إلى آخره، هذا الصف يتحرر يوماً عن يوم، أي خفت الرقابة الفكرية والاجتماعية. والسنة قد خفت الرقابة الدينية أيضاً، فالأعمال السورية بدأت تغوص في بعض المواضيع الحساسة، وحتى على صعيد الأعمال العربية مثل مصر بدأوا يغوصون في مواضيع كانت محظورة منذ عشر سنوات، ولم يكن على بال أحد أنه سيأتي يوم يستطيعون فيه التعبير عن هذه الأمور. من الواضح أن الهامش الرقابي يتطور، ولكنه لن ينتهي! ففي دول مثل دولنا، لا توجد حرية مطلقة للفكر حيث إننا لا نستطيع فعل وقول كل ما يخطر لنا من أفكار، ولكننا نتعامل مع صف الرقابة بليونة. وعندنا الكاتب والمخرج، أنا أُشبههم بالمتسابقين في سباق الحواجز، أي لديهم سباق طويل يجب أن يتجاوزوه بأسرع وقت وبطريقة سليمة وتحاشي وقوع الحوادث، ويوما بعد يوم نتطور بهذا السباق. إذاً، الرقابة لا تنتهي في بلدان العالم الثالث، إنها موجودة دوماً بكل الأشكال وعلى الفرد أن يجد الصيغة المثلى للتعامل معها.
* في الأُفق المنظور أمام الفنان سيف الدين، هل تلوح بالنسبة للدراما السورية تطورات ونجاحات جديدة، أم هناك تراجع؟
* الدراما السورية برأيي تواجه مشكلة كبيرة، وهي التسويق، بغض النظر عن التنويع والمواضيع التي تقدم وما إلى هنالك مما يحكى. المشكلة الأساسية هي التوزيع والتسويق، فسوق الخليج الذي تعتمد عليه الدراما السورية بدأ يخف طلبه عليها، وذلك لعدة أسباب: السبب الأول هو دخول الدراما الخليجية التي تثبت نفسها يوماً بعد يوم، ومن حقها في محطاتها أن تقدم دراما خليجية لأنها تشبهها وتقدم أفكارها، بالإضافة لعامل دخول الدراما التركية التي صارت تسمى في المحطات الخليجية بالدراما السورية لأنها ناطقة باللهجة السورية، فأصبحت تأخذ حيزا من سوق الدراما السورية، فهم يعتبرون أن المسلسل التركي هو مسلسل سوري بشكل أو بآخر، فهاتان المسألتان سببتا مشكلة طلب على الدراما السورية. يجب أن يكون هناك حل كبير يتمثل بإنشاء محطات سورية خاصة تستوعب سوق الإنتاج السوري حتى يبقى هناك ناتج الدراما كما حدث في مصر، فهم لم يعودوا مهتمين بسوق الخليج لأنه قد أصبح لديهم تقريباً اكثر من ثلاثين محطة خاصة فضائية تريد دراما وتريد إنتاجا فلم يعد مهماً بالنسبة لهم إن باعوا للمحطات الخليجية أم لا. نحن في سورية لدينا هذه المشكلة التي نواجهها وقد تتفاقم في السنوات القادمة ما لم نقم بإيجاد حل وطني محلي بحت لدعم هذه القضية.
* أنتم كمخرجين وكعاملين في الدراما والسينما، ألم تفكروا ببديل عن الدراما؟ السينما مثلاً أو المسرح؟
* السينما تواجه نفس المشكلة، هي مشكلة السوق لأنه لا توجد صالات كافية لعرض الفيلم السوري وجني الأرباح منه، متى تحدث سينما عندما يكون هناك سوق لهذه السينما، فعندما يأتي منتج أقول له لدي فيلم تكلفته مليون دولار، من أين سيحضر المنتج هذا المبلغ سيحضره من صالات العرض، وليست هناك صالات عرض في سورية تكفي كي تعطي مبلغ المليون دولار لأي منتج. ففي دمشق التي يقارب عدد سكانها سبعة ملايين نسمة لا يوجد فيها سوى صالتين صالحتين للعرض السينمائي، وهذه مشكلة كبيرة. ففي دمشق يجب أن يكون هناك على الأقل من ثلاثين ألى أربعين صالة، فعندما يكون هذا السوق عندها يفكر المنتج بإنتاج فيلم يعرضه في عدة صالات، ولكن بغير هذه الطريقة لا يمكن إقامة سينما بغض النظر عن نوع الإنتاج وما الذي يقدم الآن، فعندها يكون هناك سينما ثقافية وسينما للاستهلاك.
* ألا تعتقد كمخرج أنه يجب أن يكون هناك اهتمام وإرسال بعثات للخارج من الشباب المتخرجين للاطلاع على أهم التقنيات والتجارب، وكيف يمكنكم أنتم الشباب أن تطالبوا المؤسسات الرسمية بهذا أو أن تقوموا بنشاط معين تسعون من خلاله لتطوير الدراما نحو الأفضل؟
* نحن للأسف دولة لديها صناعة كانت تدر عليها الذهب على الصعيد المعنوي وعلى الصعيد المادي، لكنها لم تعد تهتم بتطوير هذه الصناعة. كان لزاماً على الدولة أن تفكر ملياً بإنشاء معهد للسينما تستقدم له خبراء ومدرسين أجانب مهمين، وقد قمت بطرح هذا الموضوع على أحد أصحاب الجامعات الخاصة بأن يقوم ببناء مدرسة للسينما، هذه المدرسة لا تخرج فقط المخرجين بل كتاب سيناريو ومصورين سينمائيين وفنيي مكياج ومصورين وفناني غرافيك ومعارك، فنحن بحاجة حقيقة لحركة من الدولة لدعم هذه الدراما سواء من خلال إنشاء محطات خاصة والسماح بها وأيضاً إنشاء معاهد ومدارس للسينما تقوم بتخريج كوادر جديدة كي ترفد هذه الصناعة بكوادر فنية تواكب هذا التطور الخارجي.
* بين الأدب والحياة الاجتماعية وبين التحولات المختلفة التي طرأت على مدينة دمشق، هل استطاعت الدراما أن تضيف شيئا إيجابيا لمدينة دمشق؟
* عرض البيئة الشامية في الدراما هي دراما لم تنصف دمشق، بالعكس قد شوهتها وأدت إلى تصوير حالة متخلفة للمجتمع الدمشقي. أنا قمت بمشروع معاكس ولكنه للأسف لم يأخذ فرصة للظهور لأنه أنتج من قبل شركة أُوربت التي لها محطاتها الخاصة المشفرة لم يعرض إلا عليها. هذا المشروع تمثل بالحصون الشامية وبأجزائه الثلاثة، هذه الأجزاء قدمت دمشق كمدينة تاريخية، كحياة حقيقية وحالة مجتمع حقيقية، وأنا أنتظر كي تقوم أُربت ببيع هذا العمل للمحطات الأخرى، وعندها يستطيع الجمهور التمييز بين دمشق المتخيلة عبر قنوات متخلفة وبين دمشق الحقيقية.
* مجتمعاتنا العربية غير مثقفة وغير قارئة ومطلعة، هل بنظرك يستطيع الفرد غير المثقف التمييز بين أحداث المسلسل وبين الهدف والمغزى الذي يرمي له النص المطروح؟
* هذه أمور غير عامة، فكما أنه هناك أعدادا كبيرة من الناس قد لا تميز هذا الفرق ولا تلحظ هذا المغزى، هناك بالمقابل مجموعات كبيرة تلحظ وتميز هذا المغزى، لأن المجتمع في النهاية متنوع. أقول لك إن الغالبية العظمى من الجماهير لا تستطيع أن تميز هذا المغزى وهذا الفرق وتلحق الموجة، ولكن نحن كمبدعين يبقى همنا أن نقدم مغزى وقيمة حتى تتطور عبر التراكم رؤية المشاهد. فمثل ما هنالك أِشخاص تأخذ المشاهد نحو الحضيض بتقديم أعمال كما يريدها هذا المشاهد، يجب أن يكون هناك طرف آخر من صانعي القرار والفن يحاول أن يرتقي بالمشاهد بروية، فهي معادلة بين ما يريده الجمهور وما نريده نحن. يجب أن نقدم له ما يريده هو وما نريده نحن بنفس الوقت.
* هل تحترم النصوص الدرامية عقل المتلقي ووجدانه معاً، وقدرته على تكوين حكم حول ما يعرض؟
* حسب الكاتب هناك كتاب كثيرون نصوصهم تحترم وتقدر وجهة نظر الأمة ومنهم فادي قوشقجي، فؤاد حميرة، عبد المجيد حيدر وغيرهم. وهناك كتاب آخرون يذهبون بإتجاه الشيء الذي يرغب به الجمهور.
* هل تعتمد الدراما على مبادئ منطقية ومعايير فكرية صحيحة بحيث تتسم بالعمق والنزاهة والشمول؟
* لا أستطيع أن أُعطيك أحكاماً كاملة، فهناك أعمال تتسم بما تذكرين وهناك أعمال لا. في النهاية، هذه هي الدراما السورية فيها تنوع هائل بين ما يريده الناس وبين ما تريده الدراما وما يريده صانعوها. من الممكن أن الشيء الجماهيري الذي يضغط والذي يقوله الناس هو الذي يجعلنا نشعر أن الدراما تذهب باتجاه الجماهيرية لأن الجماهيرية في النهاية هي التي تطغى، بينما إن كنت تنتبهين لخارطة الدراما السورية تجدين أن هناك الكثير من الأعمال الهامة التي تعبر عن الكثير من القضايا الهامة، وبنفس الوقت للأسف هناك أعمال أًخرى هي التي تأخذ الجماهيرية وتأخذ المتابعة الكبرى، وذلك بسبب الحالة العامة للجمهور والحالة الثقافية المتدنية له والذي هو يصنع السواد الأعظم بالنهاية. ولكن يبقى لزاماً علينا أن نقدم مشاريع لتطوير رؤية وأفق المشاهد.
* أنت ابن أُسرة فنية وأُسرتك الحالية فنية، هل الفن يكون متعباً أحياناً للأُسرة من خلال تطلع وحب الجماهير؟ وهل تتأثر حياة الفنانين الخاصة بذلك؟ وكيف هي علاقتك مع الأهل؟
* طبعاً حياة الأُسرة الفنية مليئة بالمصاعب، نحن لا نستطيع أن نستمتع بالحياة مثل باقي الناس. فمثلاً، إذا فكرنا أن نذهب إلى مطعم في يوم عطلة فسوف نمضي هذا اليوم بالتصوير والمجاملات ولا نحظى بفترة كي نستمتع بوقتنا كما يفعل الباقون، فلذلك نحن وجميع العائلات الفنية لديها هذه المشكلة وهذا شيء طبيعي، فمن حق الناس عندما ترى فنانا تحبه أن تذهب إليه وتحادثه وتتصور معه. ولكن هذا شيء يحرمني من الاستمتاع بالحياة وهذه ضريبة الشهرة، ونحن بشكل عام لا نتذمر منها بل هي تأسرنا فقط وتأسر جزءا من حريتنا.
* هل هناك حوار مع الوالد، وحالياً أنت وزوجتك هل هناك حوار زمالة معها وهل تقبلون النقد من بعضكم البعض؟ وبالنسبة لابنتك هل توجهها نحو الفن أم تتركها لاختياراتها وميولها؟
* هذا شيء طبيعي أن يتم تبادل لوجهات النظر لأننا في النهاية وقبل أن نرتبط نحن أصحاب مشاريع فنية، وكل شخص يملك مشروعاً يقدمه ينتظر آراء الآخرين سواء أخذ بهذا الرأي أم لم يأخذ فهو رأي. أما بالنسبة لابنتي فأنا لن أوجهها لشيء، أنا الذي من الممكن أن أفعله حالياً هو أن أُعلمها الموسيقى وهو الشيء الذي لم أتعلمه وأنا صغير، وبالنهاية هي حرة باختياراتها وهذا قرارها. فأنا أحترمت فكرة أن أهلي سمحوا لي أن أفكر كما أرغب وأن أختار الطريق الذي أريده. حتماً سأفعل الشيء المشابه مع ابنتي.
* بالنسبة للصحافة والإعلام، ما هو رأيك بالإعلام العربي بشكل عام؟ وبالصحافة المكتوبة خاصة؟ وما الذي يجب أن تقدمه؟
* حتى الآن لدينا إعلام إعلاني يقدم أخبارا وإنطباعات، نحن للأسف ليست لدينا صحافة نقدية وكل مايقدم هو انطباعات وأحاديث عامة غير مفهومة بشكل عام. والإعلام الفني هو صحافة إخبارية إعلانية، ولكنها ليست صحافة نقدية ولا يوجد شيء أستطيع أن آخذه من الصحافة كي أتبين إن كان عملي هذا قد وصل إلى الناس أم لم يصل.
العنوان الأصلي: سيف الدين سبيعي: مسلسلات 'البيئة الشامية' تلفيق وكذب
القدس العربي
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية