يبحث عرض "سيليكون"، نص وإخراج عبد المنعم عمايري، عن فكرة لأمل عرفة، في الرياء والنفاق الاجتماعي، ويبدو أنه وجد في مادة السيليكون التي يجري بها حشو أجساد النساء لأغراض التجميل، رمزا هو الأكثر تعبيرا عن النفاق. ولا يقف الأمر عند السيليكون، بل يتعداه إلى سلوك الناس وقيمهم المزيفة، التي تظهر على نحو مناقض لما هي عليه في الواقع.
يبدأ العرض من مشهد كوميدي لعزاء، حيث يعرض في مشهد كوميدي كيف أن "الميت تطول رجلاه" كما يقول المثل الشعبي، والذي يعني أن الناس في العزاء خصوصا تقول في الميت ما ليس فيه. وهنا سيقال في الميت الشيء نفسه، ولكن سرعان ما ينقلب المشهد رأسا على عقب، والذين قدموا مديحا في أخلاق الميت وسيرة حياته سيتسابقون تاليا على هجائه، وحتى الزوجة الشابة والجميلة للمتوفى الثمانيني ستندب زوجها بطريقة تنطوي على فرحة بالخلاص منه، بل وباشتهاء مفضوح للآخرين.
هذا المشهد كان نوعا من الفاتحة الرمزية لما يريد العرض قوله، ويبدو أنه اختار نموذجا صارخا للرياء. أما الفكرة التي يبني عليها العرض شخصياته وحكايته فهي أن زوجين يفكران باللعب مع الأصدقاء عبر تمثيلية صغيرة يعلنان فيها أنهما سينفصلان. لكن سرعان ما تفلت الأمور وتصبح المزحة حقيقة، لنرى كيف أن الزوجين السعيدين، أو اللذين كانا يتباهيان بعشر سنوات من السعادة والهناء والحب، كيف يكشفان عن عذاب وقرف متبادل ومستور، وكذلك فإن عيد زواجهما يتحول إلى هجاء متبادل.
لكن الأصدقاء أيضا يرفعون أقنعتهم ويكشفون عن حسد وضيق، فهم الذين جاؤوا يحتفلون بعيد زواج صديقين، سرعان ما راحوا يحثون كليهما على الطلاق.
لكن هذا ليس كل شيء، ففي المشهد الأخير سنرى الزوجين في عيد زواجهما الحادي عشر، وهما يعيدان الكلام المعسول ذاته، ويصوران حياتهما الزوجية على أنها الأمثل، رغم ما كشفاه أمام أصدقائهم، وأمام الجمهور من فضائح من بينها الخيانة الزوجية، ورغم الخطبة اللاذعة التي رددتها الزوجة أمام الجميع، والتي تذكر بمسرحية غارسيا ماركيز الوحيدة "خطبة لاذعة ضد رجل جالس".
لكن هذا ليس كل شيء، فالعرض، وهو مشروع تخرج لطلبة المعهد العالي للفنون المسرحية، ويقدم على هامش "مهرجان دمشق المسرحي" كان عليه أن يتيح للممثلين مساحة للتعبير عن أنفسهم، ففي إطار الحكاية هناك الطبيبة النسائية التي تعطي نصائح طبية لزميلاتها وتكشف عن الأجزاء المنفوخة بالسيليكون لديهم، ونكتشف أنها هي نفسها تعتمد في حياتها على المشايخ والسحرة، إلى جانب شخصية نافذ حكومي يتزلف الجميع إليه في سبيل خدمة ما.
وهناك شخصية الشاعر المهمش الغاضب أبدا والذي يردد أشعارا مسروقة وينسبها لنفسه، وهناك رجل الأعمال العائد من الولايات المتحدة إلى البلاد، والذي سيشكل وجهة محبوبة للباحثات عن زوج، إلى جانب شخصيات وأنماط أخرى.
ويقول المخرج عبد المنعم عمايري "إن مرجعيتي في هذا العرض تشيخوف في قصة 'الخطيب'، وإبسن في مسرحية 'الأشباح'، و'طرطوف' مسرحية موليير الشهيرة، باعتبارها تحدثت كلها عن النفاق الاجتماعي".
وأضاف عمايري "أنا عملت معادلا سوريا من خلال حكاية عيد الزواج العاشر وفكرة التمثيلية، وهذه الحكاية هي فكرة أمل عرفة التي كانت تنوي كتابتها كفيلم سينمائي".
وكان الفنان عبد المنعم عمايري قدم ككاتب ومخرج عروضا مسرحية عدة من أبرزها "صدى" (2001) و"فوضى" (2005) و"تكتيك" (2008)، و"جان جنين، سينوغرافيا الموت" (2009)، عن نص الكاتب الفرنسي الشهير جان جينيه "أربع ساعات في شاتيلا".
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية