أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

السويد تكرّم الشاعر السوري فرج بيرقدار بإطلاق اسمه على قاعة رسمية في ستوكهولم

بيرقدار

في خطوة تعبّر عن تقدير عميق لدور المثقفين في الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان، أطلقت دائرة الهجرة السويدية في ستوكهولم اسم الشاعر والكاتب السوري فرج بيرقدار على إحدى قاعاتها.

ويشكل هذا التكريم محطة رمزية لافتة لشاعر قضى جزءاً كبيراً من حياته في مواجهة القمع السياسي داخل سوريا، قبل أن يتحوّل إلى أحد الأصوات الأدبية الأكثر حضوراً في المنفى.

وُلد فرج بيرقدار في مدينة حمص عام 1951، ودرس اللغة العربية وآدابها في جامعة دمشق. منذ سنوات شبابه في السبعينيات، برز اسمه بين الأدباء الشباب، حيث شارك في إصدار كُرّاس أدبي شبه دوري في جامعة دمشق، وهو نشاط اعتبرته السلطات حينها تجاوزاً لمسموح به، ما أدى إلى اعتقاله الأول عام 1978 ووقف إصدار الكرّاس بعد تسعة أعداد.


شكلت تلك المرحلة بداية العلاقة الصدامية بين الشاعر والسلطة، وأرست الأساس لرؤية أدبية منحازة للحرية تُرجمت لاحقاً في أعماله الشعرية ومواقفه الفكرية.

الاعتقال وتجربة السجون
في 31 آذار/مارس 1987، وبعد سنوات من الملاحقة والتخفّي، اعتقلته أجهزة النظام السوري على خلفية انتمائه إلى حزب العمل الشيوعي، وهو أحد أبرز التنظيمات المعارضة اليسارية آنذاك.

ولم يُقدَّم بيرقدار إلى محاكمة إلا بعد مرور ست سنوات على اعتقاله، إذ مثل أمام محكمة أمن الدولة العليا الاستثنائية التي أصدرت حكماً ضده بالسجن خمسة عشر عاماً مع الأشغال الشاقة، إضافة إلى الحرمان من حقوقه المدنية والسياسية.

سنوات العذاب بين تدمر وصيدنايا
قضى الشاعر المتحدر من قرية تير معلا في حمص قرابة أربعة عشر عاماً متنقلاً بين فروع الأمن السورية وسجن تدمر الصحراوي، وشهد خلال تلك المدة ظروف اعتقال قاسية شكلت لاحقاً مادة أساسية لكتاباته، ولا سيما كتابه "خيانات اللغة والصمت".

وشكّلت معاناة بيرقدار محور حملة تضامن عالمية شارك فيها مئات المثقفين والمنظمات الحقوقية مثل: منظمة العفو الدولية ونادي القلم الدولي ومنظمة "صحفيون بلا حدود". إضافة إلى شخصيات أدبية بارزة مثل محمود درويش وإيف بونفوا بينما امتنع الشاعر أدونيس عن التوقيع على وثيقة الحملة لأسباب غير معروفة حتى الآن وعلى أثر هذه الحملة أُفرج عنه عام 2000

الإنتاج الأدبي وتوثيق التجربة
أنجز بيرقدار إرثاً أدبياً غنياً، شمل الشعر واليوميات والمذكرات، ومن أبرز أعماله: وما أنت وحدك (1979) جلسرخي (1981) حمامة مطلقة الجناحين ( 1997) تقاسيم آسيوية (2001) مرايا الغياب (2005) خيانات اللغة والصمت (2006) – وهو أهم الأعمال التي وثقت تجربته في السجن أنقاض (2012)- الخروج من الكهف: يوميات السجن والحرية.

وقد تُرجمت أعماله إلى العديد من اللغات، منها الفرنسية والإنكليزية والهولندية والألمانية والسويدية والإيطالية.

وفي عام 2005 وصل إلى السويد ككاتب ضيف ضمن برنامج شبكة ICORN الدولية، ليستقر في ستوكهولم حيث أصبح جزءاً نشطاً من المشهد الثقافي السويدي.

وحصد الشاعر بيرقدار عدداً من الجوائز الدولية تقديراً لشجاعته الأدبية ونضاله الحقوقي، من أبرزها: جائزة هلمان/هامت – الولايات المتحدة (1998)-جائزة نادي القلم الأميركي (1999)-جائزة الكلمة الحرة – هولندا (2004)-جائزة حرية القلم للتعبير – هولندا (2006) - جائزة توشولسكي – السويد (2007) جائزة ابن بطوطة – الإمارات (2011).

كما أصبح: عضواً في اتحاد الكتّاب السويديين وعضواً شرفياً في نادي القلم العالمي، وعضواً مؤسساً في رابطة الكتّاب السوريين (2012)
وفي عام 2014 اتخذ بيرقدار خطوة رمزية بالغة الدلالة عندما أعلن تخليه عن الجنسية السورية، معتبراً أن "النظام الذي يمنحها لا يشرّفه". وأثار هذا الموقف في حينه نقاشاً واسعاً حول الهوية والانتماء في ظل القمع السياسي، وأكد عمق الصدام بين المثقف السوري ونظام الحكم.

دلالة التكريم في السويد
ويحمل إطلاق اسمه على إحدى قاعات دائرة الهجرة السويدية بعداً يتجاوز الاعتراف الفردي، فهو: بمثابة تكريم للكلمة الحرة وإضاءة على تجربة السجناء السياسيين السوريين ورسالة تضامن من المجتمع السويدي مع حرية التعبير وتوثيق لدور الأدب في مواجهة العنف والاستبداد
كما أنه يعكس حضور بيرقدار الثقافي في المجتمع السويدي وقدرته على أن يكون جسراً بين ثقافتين، العربية والاسكندنافية.

ويمثل فرج بيرقدار نموذجاً للشاعر الذي تحوّلت معاناته الشخصية إلى شهادة إنسانية كبرى، وإلى أدب يفتح أبواب الذاكرة والحرية معاً. وبين السجون التي أمضى فيها سنوات شبابه، والقاعة التي تحمل اسمه اليوم في ستوكهولم، تمتد رحلة شاعر اختبر أقصى درجات القمع، لكنه ظلّ متمسكاً بالكلمة باعتبارها الشكل الأرقى للمقاومة.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(22)    هل أعجبتك المقالة (4)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي