تواجه عملية إعادة الإعمار في سوريا تحديات هيكلية جسيمة، تتصدرها الإشكاليات التنظيمية والعمرانية التي تفاقمت مع عودة آلاف النازحين والمغتربين إلى مدنهم وقراهم.
أدى عدم استيعاب منازل الأهالي للكثافة السكانية المتزايدة -بسبب استقرار العديد من العائدين (ومعظمهم من الشباب) فيها- إلى تفاقم أزمة السكن، مما دفع باتجاه فوضى الإعمار والبناء غير المنظم.
في هذا السياق، برزت ظاهرة البناء العشوائي غير المرخص، خاصة في المناطق الريفية والضواحي، كحل فردي لمواجهة الحاجة الملحة للسكن والارتباط بالأرض. إلا أن هذه الظاهرة تخلق إشكاليات أعمق تتمثل في:
- الاستهلاك غير المنظم للأراضي الزراعية والتعدي على المخططات التنظيمية.
- صعوبة تقديم الخدمات الأساسية (كالماء والكهرباء والصرف الصحي) لهذه المناطق غير المخططة.
- تشويه المشهد الطبيعي والبيئي للمناطق.
هذه الفوضى العمرانية تُعيد إلى الأذهان ما حدث في قطاعات أخرى -مثل فوضى استيراد السيارات- حيث يغيب التنظيم لصالح حلول آنية تخلّف وراءها تركة ثقيلة من المشاكل البيئية، والاقتصادية، والاجتماعية على المدى البعيد.
ويُفاقم من هذه الأزمة غياب الرؤية الحكومية الواضحة وعدم وجود استراتيجيات جادة لمعالجة هذه القضايا، مما يدفع المجتمع إلى التعامل مع الظاهرة بالتأييد والاستسهال نظراً لانعدام البدائل المطروحة.
تساؤلات حول آليات المعالجة
يثير هذا المشهد تساؤلات ملحة حول منهجية التعامل مع الأزمة:
هل ستنتهج الحكومات القادمة النهج التقليدي في المعالجة، القائم على التغاضي المؤقت تارةً، والانقضاض الانتقائي لعمليات الهدم تارةً أخرى؟ وهو نهج يفتح الباب أمام الفساد ويُعمق من حالة الفوضى القائمة.
نحو حلول استباقية ومنظمة
بدلاً من الاستمرار في هذا النهج التفاعلي غير الفعال، لا بد من التوجه نحو حلول استباقية ومنظمة. يمكن طرحها للنقاش على النحو التالي:
- تنظيم مواد البناء: عبر تقييد بيع المواد الأساسية (كالإسمنت) من خلال البلديات والمقاولين المرخصين، مما يساعد في التحكم بالبناء غير المرخص.
- تفويض شركات الإعمار: منح شركات متخصصة حق الإعمار ضمن قطاعات جغرافية محددة، لضمان الجودة والالتزام بالمخططات التنظيمية.
- التحفيز على البناء الرأسي (العمودي): التشجيع على التوسع العمودي بدلاً من الأفقي، للحفاظ على المساحات الزراعية وزيادة كفاءة استخدام الأراضي وتقديم الخدمات.
- توجيه الإنفاق: تحويل مسار الإنفاق الفردي العشوائي نحو قنوات استثمارية منظمة تضمن تحقيق تنمية عمرانية حقيقية ومستدامة.
إن الاستمرار في تجاهل هذه الفوضى أو معالجتها بمنطق "إسكات الأزمات" مؤقتاً، يعني إضاعة فرصة تاريخية لإعادة البناء بشكل صحيح يخدم الأجيال القادمة.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية