هوية وطنية
تبقى الهوية السورية في لغة أبنائها لصيقة بالأطياف الإبداعية التي تتشعب من محيطها من جذورها، بأسلوبيتها وخصوصيتها، فنحن إذ ننتمي لهذه الأرض نتحدث برائحة ترابها ولا نتخلى عن وجوهنا وألسنتنا كي نظهر بمظهر إقليمي وشمولي على مستوى العالم.
وظهور نجومنا في دول عربية أخرى لا يسبب مشكلة على صعيد الانتماء للهوية السورية، بل يدعمها عندما يتحدث ويعبر المبدع أو الفنان عن ذاته بروح سورية لا بأرواح وأقنعة لا تشبهه ولا تنتمي لمحيطه الثقافي أو حتى الاجتماعي، إن مشكلة المشاهير العرب عموماً هي تخليهم بسرعة عن هويتهم اللغوية حين تتوفر لديهم شروط مادية مناسبة لإرضائهم أولاً ولتدعم صيتهم الفني والإبداعي في مختلف الأجواء.
لا نتحدث عن تقاليد وحكم يومية، إنما نحرص على أن يكون المبدع والفنان على صلة حقيقية مع انتمائه الجغرافي والثقافي والفكري، وهذا أبسط حقوق هذه الأمة علينا، لا نسلم فخر ثقافتنا إلى أبجدية أخرى تتصف بسطوة المال والتحريك العالمي، لم تبتعد الفنانة كندة علوش وهي تخرج من هويتها السورية في حوارها ذاك عن الشخص الذي استغنى عن جذوره من أجل حفنة من الدولارات، كنا نتوقع من الفنانة الشابة تفاعلاً سورياً أكثر لا تعبداً مصرياً خالصاً..!
تركت كندة علوش خلفها سنوات الدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية، وقدمت تجربتها كأنها الأولى على الساحة المصرية، ولو أنها استثناء في الدراما السورية لما رغبت بحضورها أكثر من جهة إنتاج تلفزيونية عربية.
بعد الشهرة
ربما لم يدرك أحد مدى خطورة موقف كهذا على صعيد القومية السورية، فنماذج هذه الفنانة كثر، لم يأبهوا بضرورة الحفاظ والتمتع بالهوية السورية لهجة ومضموناً وثقافة، فمنهم من ترك لأجواء السينما المصرية أن تسيّر له أرصدته المالية والضوئية، ومنهم من أخذ بطولة برنامج أو مسلسل تلفزيوني عربي، وآخرون راحوا يخرجون ويكتبون لثقافة أخرى لا تنتمي لوعيهم الفكري وتطلعاتهم السورية.
هل الشهرة جواز سفر للعبور إلى العالمية؟ ولكن كيف يكون ذلك وهوية النجم قد تنسلخ عن وجدانه لمجرد أن يظهر في لقاء عابر متحدثاً بغير لهجته الأم؟ رغم أنه يستطيع أن يدرك أن الدراما السورية هي التي أوصلته إلى هذا الحد من الألق والنجومية، فهل نكافئها بتغيير النظر من مشروع سوري إلى مشروع مصري أو خليجي وغربي؟
لمجرد أن تغيب اللهجة السورية عن نجومها ومبدعيها في الثقافة والفن والأدب والعلوم.. فقد خسروا من شخصياتهم أصالة حضارية تشرّف كل بلدان العالم، ثم هل يظن النجم السوري أنه لو غطس في تمرينات يومية على لهجات غير سورية سوف يستطيع كسب رهان الاستمرارية بنسيان جذوره وأصوله؟ وأي احترام ينتظر من وسائل الإعلام أو حتى من أولئك الذين يرعى بين حقولهم بعد تخليه العلني عن سوريته لهجة وهوية!
كندة.. ما السبب!
شخصياً يعجبني أداء النجمة كندة علوش.. لكن هذا لا يمنعني كمشاهد أن أراها من منظور قومي يسعى للحفاظ على ثقافة بصرية سورية، ولولا أن أهميتها تكون في حضورها كتيمة درامية مسجلة للدراما السورية لما همني الأمر من أساسه، فكندة ليست بحاجة لأن نقول عنها إنها خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، وبنت هذا الوطن وأساتذتها وثقافتها وعلمها وموهبتها تثقيف سوري بامتياز، لم تتعلم كندة التمثيل في كولومبيا، ولم تتقن فنون الأداء في كرواتيا، ولم تقف على خشبة مسرح الصومال للتحدث باللهجة المصرية.. إنما كل بنائها المعرفي والثقافي مرتبط بشكل واضح مع سورية، وكل الحقائق تدل على أنها فنانة سورية فعلاً.. ترى لماذا فعلت كندة ذلك وتحدثت بكل سذاجة باللهجة المصرية بلا مبرر سوى 'مسح الجوخ' للإعلام المصري عموماً والدراما المصرية خصوصاً.. نرجو أن نجد مبرراً مقنعاً على فعلها ذلك لأننا نحبها ونحترم موهبتها المميزة وحضورها الجميل... عتبي عليكِ يا كندة.. أنت سورية لماذا كل هذه
عمر الشيخ - القدس العربي
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية