يصرّ نظام الأسد على مكافحة الفساد لكي يبدو نظامًا طبيعيًا ما زال على قيد الحياة، وأنه يحكم بلادًا من بابها لمحرابها، وبحرص على أموالها المسروقة ويعيدها إلى أصحابها الحقيقيين الذين هم الشعب السوري البسيط الجائع.
لا يتوقف النظام أيضًا عند حدود عزل الفاسدين بل يتعدى ذلك إلى حجز أموالهم التي سرقوها هم وأولادهم ونساؤهم، ومن ثم ينسى البسطاء السوريون ماذا حلّ بالفاسد، وفجأة يتم تدوير اللص وتكريمه بمنصب آخر على هيئة موظف معنوي كبير.
منذ الأمس يطبل بعض الرعاع للقرار الحكيم بإقالة محافظ ريف دمشق الفاسد، واليوم تبعه قرار آخر بالحجز على أمواله وممتلكاته وعلى أموال زوجته وأبنائه، وسلسلة التهم تبدأ من الإهمال إلى الفساد، وذلك بعد أربع سنوات من تسلمه زمام أكبر محافظة سورية على الإطلاق وأكثرها دماراً.
المحافظ المذكور لم يفعل شيئاً في الريف الدمشقي، حيث الخراب مهيمن والجوع مسيطر على بقابا الأحياء والقرى، ولا خدمات ولا بنية تحتية صالحة لكي يستطيع البشر الحياة بعد وعود النظام بتحسينها بعد إعلان انتصاره على "العصابات المسلحة"، ولكن النتيجة كانت مزيداً من التدهور والاعتقال والقتل، وباباً واسعاً لاسترزاق المحافظ وأعوانه.
عادت البلديات إلى عهدها الأول فالمكتب التنفيذي ورئيس البلدية يتم تعيينهم أمنياً بشكل رئيسي، ومن ثم رضا المحافظ الذي يتقاسم مع المخابرات هبات المسؤولين الصغار الجدد، ويفتح البازار الكبير على شراء العقارات والمخالفات ومشاريع البنى التحتية الرديئة..وكلٌ لهم ثمن مسبق. الوضع ألأمني الجديد في الريف الدمشقي فتح أبواب استرزاق ولصوصية لم تكن موجودة سابقاً، وتم بسببها الاستيلاء على عقارات اللاجئين والنازحين، والتهم جاهزة في الانضمام إلى المسلحين والتواصل معهم وتمويلهم ومن ثم الخيانة العظمى لسيد الوطن، وفي أقصى الريف لا يحتاج هؤلاء إلا لرصاصة في رأس المتهم هي المحكمة والقاضي، والجريمة لها دائماً ما يبررها أو إلصاقها بالخارجين عن سلطة دويلة الأسد. وليس هذا بجديد على نظام أمني بامتياز فحكم البلديات والمحافظات لطالما كان مكافأة نهاية الخدمة لعتاولة القتل من ضباط الجيش والأمن، والمثل الذي يضربه السوريون على سطوة هؤلاء هو العميد "علي زيود" الذي أوصل ريف دمشق إلى خرابه، ودمر غوطة دمشق بنفايات الدباغات ومعامل الرخام، ووصل بجبروته إلى ضرب رؤساء البلديات وزجهم بالسجون عندما يكون سكران أو لسبب طارئ يزعحه.
لكن أهم ما يميز زمن حكم المحافظين أنهم كانوا سقف اعتراضات الناس وتذمرهم، وحتى المتظاهرين بدؤوا هتافاتهم بإسقاط محافظ حمص أو سواه، هذا هو السقف المسموح بالاعتراض عليه، وأما صانع هؤلاء فهو الذي يحمي الشعب من لصوصيتهم.
هكذا بنى آل الأسد منظومة رديئة موالية فاسدة، وحاضرة لتكون قرابين يدفع بها للذبح عندما يقترب أحد من مملكته الأبدية، وهؤلاء مدنيون وعسكريون ومثقفون وساسة، وكانوا قرابينه في كل المجازر والجرائم التي ارتكبها..أما الفساد الأسدي فلا تتجاوز رتبته محافظاُ منسياً.
*عبد الرزاق دياب - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية