أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

منصور الأتاسي "بيّ اليتامى"... عدنان عبد الرزاق*

الأتاسي

لا ضير من البدء بسؤال، خلال الكتابة عن مناضل..أفنى حياته باحثاً عن إجابات..

ترى، لماذا اتفق جلّ من كتب، بذكرى وفاة منصور الأتاسي الأولى، وكأنهم أرّخوا مرثياتهم معاً وبصوت مسموع؟!

من دون إجهاد وتفلسف، على الأرجح، لأن منصور الأتاسي صاحب سر فضح معظم من حوله، فالرجل باختصار، بسيط وواضح وسهل، رغم صعوبة ما عانى وتعقيد ما عمل وضبابية مسعاه.

فوجه منصور الواحد والواضح، ميزة وتفرّد، بواقع تفشي الوجوه المتعددة والملوّنة، حتى باتت سمة العصر التي لا تبررها، الغربة والثورة والخوف من المجهول.

بيد أن "الوطنية" إضافة إلى خصال الراحل، كانت الميزة المشتركة، بين جميع من عرف أو كتب عن أبي مطيع، رغم فضفضة تلك "القيمة" وسعي كثيرين للتلطي تحت فيئها لما يمكن تمنحه تلك "الشعاراتية" من مكاسب وما لمفاعيلها من جبّ ما قبلها.

قصارى القول: اقترحت مرة، وبعد طول تفكير ما يمكن أن يخلّد، اسم وذكرى منصور الأتاسي، فلم أجد سوى دار أيتام تحمل اسمه.

فهاجس الأتاسي، وفق ماعرفته عن قرب لسنوات، بعد سوريا الديمقراطية لكل بنيها، أن يجمع من فرقتهم الآلام ويسمع من لا منبر لهم، ولو دفع وأسرته أثمان الأبوّة، وعلى جميع مستوياتها...ليقول إني لست أباً لمطيع ورامي...بل أنا "بيّ اليتامى".

وثمة دلالات خلال تجسيد ذلك الهاجس، ربما التصميم أولها، فمن عرف أبا مطيع، يعرف جيداً أن هذه القامة قادرة على توليد الأمل من رحم الهزيمة، ويلمس أن لدى الأتاسي، كل يوم أملا جديدا وحديثا هادفا وخطة أو فكرة، يمكن إن عولجت، أن تنير، ولو سراجاً بآخر نفق السوريين.

كما من هاتيك الدلالات، قدرة "الأتاسي" المذهلة على السماع، أياً بلغ الطرح من جنوح أو إسفاف.

لكن المفاجأة التي يفجرها أبو مطيع وفي كل مرة وجلسة، كانت قدرته على "لملمة" الجنوح والإسفاف وحتى التفاهة، في معقولية وبارقة أمل، يمكن، بل في غالب الأحايين، من الواجب البناء عليها أو الانطلاق منها...ويترك بنهاية كل جلسة، دافعاً لجلسائه ليعيدوا الكرّة رغم كل الهزائم المتراكمة بدواخلهم.

نهاية القول: تساءلت العام الفائت إبان وفاة منصور الأتاسي، على إجماع السوريين، حتى سوريي الداخل، والتقائهم على شخصية منصور الأتاسي.

وأذكر أني نسبت الحزن والإجماع لأسرار ثلاثة.

الأول، ذاك التواضع الذي توّج نضال وتاريخ منصور الأتاسي، فرغم كل ما له وفيه وعليه، قلما سمعنا الـ"أنا" تتصدر أحاديثه، ولم يتعاط يوماً، خلال معرفتي به على الأقل، بأي شيء من الكبر أو الفوقية..بل كانت تدهشنا مبادراته وملاحقاته لنا ورفعه من شأن الجميع واحترامهم.

أما السر الثاني، فهو اقتران كل ما يقوله أبو مطيع بالأفعال، فالرجل وفيّ لمبادئه وناسه وسوريته، يناضل بالفعل والمال والصحة والسعي للإلتقاء والتنظيم.

ولعل السر الثالث على ما أحسب بالبيت، وإن لم يرق هذا المعيار لكثيرين.

فمنصور الأتاسي المنحدر من أسرة سياسية ومثقفة وعريقة، وتربى ببيت عز وشرف ونضال، لا يمكن أن "ينسى حليبه" أو يسمح لنفسه، وإن تحت أي ضغوطات، أن يتصرف بقلة ضمير أو قلة شرف أو قلة أخلاق.

بعد الرحمة والراحة لروح الراحل الأتاسي بذكرى وفاته الأولى، أقرّ، بواقع ضيق الخناق على حلم وآمال السوريين، بعد تفشي روح الهزيمة وتراكم الخيبات، بعد تحوّل الخيانة بكل مستوياتها لوجهة نظر..

أقرّ وأعترف أننا بأمس الحاجة لمثل منصور الأتاسي.

*من كتاب "زمان الوصل"
(301)    هل أعجبتك المقالة (273)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي