أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ثورة على التطرف... عدنان عبد الرزاق*

ولا تقع بفخ النتائج والحكم عليها، من دون البحث بالسبب، إلا العقول المستريحة وأصحاب الغايات الذين يرون بنهايات محددة، تبريراً لخطط أو تجييراً لأهداف، تأتي بمعظم الأحايين، كمقدمات لما بعدها أو مخالفة لسياق أو عرف أو حتى ديانة سماوية "هنا قد يخطئني هؤلاء لقولي ديانة سماوية ويطلبون مني إثبات ذلك".

بالأمس، نبشت جريمة قطع رأس مدرّس التاريخ صامويل باتي ب"كونفلان سان أونورين" شمالي باريس، على يد مراهق شيشاني"18 سنة" من مواليد موسكو، قتلته الشرطة الفرنسية من بعد 600 متر بمسرح الجريمة "لعدم امتثاله ورفع يديه" نبشت جمر الخلافات الذي أسست لها أخيراً، صحيفة "يلاندس بوستن" الدنماركية في عام 2005 إثر نشرها رسوماً كاريكاتورية عن نبي الإسلام، وأعادت مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية عام 2006 النشر، لتواجه بحرق مقر هيئة تحريرها عام 2015 وقتل بعض كادرها، بمن فيهم الكاريكاتوري، كابو الذي نشر  الكاريكاتور على صدر المجلة معلقاً "كل ذلك من أجل هذا".

ولم يغب عن الذاكرة بعد، حملات الاستنكار وصورة جل زعماء العالم، يسيرون بباريس بخطى جنائزية، حزناً على الضحايا وشجباً "للجريمة النكراء" أو حتى إعادة النشر أخيراً، بمناسبة الجلسة 14 لمحاكمة متهمي حرق المجلة وقتل صحفييها.

وقبل جريمة قتل المدرّس الفرنسي بالأمس، إثر عرضه رسوما كاريكاتورية للنبي محمّد، في نقاش مع التلاميذ عن "حرية التعبير" وتعليق الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون عن الواقعة "اعتداء إرهابي إسلامي"، مرّ خبر لم يأخذ ما يستحق ربما، رغم صلته بـ"الموضوع" على اعتبار أننا دعونا للبحث عن الأسباب.

والخبر وفق ما قيل، يتعلق برفع الخارجية الأمريكية، السرية عن "إيميلات" وزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون خلال فترة حكم الرئيس، باراك أوباما، ومن هاتيك الإيميلات "35 ألف رسالة" ما تم بين كلينتون وقاسم سليماني حول "خلق تنظيم إرهابي يسيطر على المدن السنية العراقية، ودعمه وتسليحه وتدريبه، لتبرير تدمير المدن والتغيير الديموغرافي".

هنا، لا ننسب خلاف المعتقدات واختلافها وأخذ من يهمهم الأمر، من تلك الخلافات، طرائق لتحقيق الأدهى، إلى الشقراء كلينتون أو الأسود أوباما أو شهيد النكوصية سليماني، إذ ثمة تأجيج مذ وجدت تلك الأديان ووجد بالمقابل، من يرفضها ويراها تتناقض مع معتقده وعاداته، أو حتى منطقه العقلي.

وذلك حق شخصي تشرعه القوانين الغربية اليوم، كما شرعّه الدين الإسلامي منذ قرون، وما الدعوة للقتل والقصاص، سوى فتاوى من مستغلين أو مغيبين، لا يقلون بسوئهم عن القتلة ذاتهم "سورة الحجر 97 و98 وسورة طه 130" وغيرها عشرات الآيات التي تقول "اعرض، اهجر، لا تقعد" وتلك الآيات قيلت بمن يسيء للرب والقرآن، لا لمن يسيء لنبيه الذي أكد الله "قل إنما أنا بشر مثلكم" وأيضاً، تقبل توبة من يشتم الرب، فكيف رأى بعض الجهلة، أن من يسء لرسوله يجب أن يقتل ولا تقبل توبته.

نهاية القول خمس نقاط، بعد ضرورة الرد بالمثل والقناعة بأن سلوكيات شاذين ومتطرفين، لن تؤثر، أو هكذا يفترض، على الأديان أو الثقافات كما لن ينال كاريكاتور ممن وضعه، مايكل هارت، بأعلى قائمة المؤثرين عبر التاريخ، بل ينال سلوك متطرف يذبح وهو ينادي "الله أكبر" من النبي والدين برمته.

النقطة الأولى، جريمة قتل صامويل باتي مدانة، وربما بوصفها جريمة، تغني عن كل ما بعدها، كما بإدانة تأجيج مشاعر أصحاب أي معتقد، موقفاً أخلاقياً وإن لا تجرمّه القوانين وتعتبره تتمة لحرية الرأي، إذ يمكن تعليم التلاميذ حرية التعبير، بعيداً عن شتم الأديان أو حتى معتقدات وأعراف أي جماعة مهما كانت صغيرة وإن تسكن بأقاصي الأقاصي.

الثانية فيما تعانيه فرنسا، من أزمات تبدأ ولا تنتهي، سياسية واقتصادية واجتماعية، واقتراب فصل الشتاء ووعود أصحاب الستر الصفراء بالخروج احتجاجاً، وهل ثمة استغلال، إن لم نقل تحريض، لهكذا خلافات، لقفز الرئيس ماكرون للأمام، آخذين بالاعتبار عزفه المتكرر على وتر "أزمة الإسلام" والزامه الإسلام بجريمة مقتل مدرّس التاريخ "إرهابي إسلامي".

أما النقطة الثالثة والأهم، لعلها بتصميم زعماء وقواطر وحتى رؤساء دول، على خلق التطرف واستخدام الأديان ونبش ما دخل عليها، من إضافات وتحريف، لتحقيق مكاسب، تبدأ من تحقيق سطوة ومال من ذي لحية ولا تنتهي باحتلال وتمزيق دول وشعوب.

والنقطة الرابعة بواقع استمرار الجدل والجرائم جراء التحريض والنبش، ما هو المناخ المؤاتي لإنبات ونمو التطرف، وهل القضاء عليه بالضرب، ليتسع أواره ويتطاير شرره، أم بتجفيف منابعه التي لها علاقة بالجهل والظلم والاستبداد والفقر وسلب الحقوق، ووضع الخائبين، فرائس سهلة لمن يهمهم الأمر بجعلهم وقوداً لتحقيق المصالح.

وخاتمة النقاط ذات شقين، الأول السعي المستمر لإلصاق التطرف بالدين الإسلامي وقيامة الدنيا وتهم معاداة العلمانية والحضارة والسامية، إن وصفت جريمة أو تطرف، بالدين المسيحي أو اليهودي أو البوذية.

فقتل الإسرائيلي باروخ غولدشتاين ل29 مصلياً بالحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل الفلسطينية عام 1994، هي حادث فردي نفذه مختّل ولا علاقة للدين بالأمر، وكذا قتل الاسترالي تارانت 51 مصلياً بمسجدين في نيوزيلاندا العام الماضي، دافع شخصي وعقد نفسية يعاني منها القاتل وليس من ربط بين الجريمة والدين المسيحي، وقتل الصين للإيغور والتنكيل بهم، إنما لغايات وطنية ودوافع تنموية، في حين يقال "تطرف إسلامي" كاتهام مسبّق على كثير من الجرائم، حتى قبل معرفة القاتل.

وفي هذا الشق، لا ننكر تعاليم "المشايخ المتأسلمين" للتطرف، لكننا ننشد التعاطي على حسب الجريمة لا بقدر الحقد والغايات والكراهية لمعاوية.

والشق الثاني طويل ومتشعب وذو وجع وشجون، نختصره بمن يرى بسب الدين الإسلامي تتمة تحضره وفي مسك أحداث وسلوكيات تتويج ديمقراطيته وفي ضرورة إعادة القراءة والعصرنة تخليص الكون من مصائبه...وأما بالنسبة لبقية التخاريف والأضاليل التي لصقت ببقية الأديان كما شابت الإسلامي، ففيها وجهة نظر.

*من كتاب "زمان الوصل"
(245)    هل أعجبتك المقالة (236)

سمير رمان

2020-10-18

وضعت يدك على نقاط على درجة كبيرة من الأهمية.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي