في السنوات العشرين الأخيرة، منذ استيلائه على السلطة كتركة من والده الديكتاتور وتسلمه رسمياً لرئاسة سوريا بعد مسرحية انتخابات صورية فاز بها وحده، بعد أن ترشح للرئاسة وحده، وبعد أن طوبته مادلين أولبرايت وحده أيضاً، ودعمه -رفيق البابا- وخادمه الأمين – للبابا- عبد الحليم خدام، وعُدِل الدستور خلال ربع ساعة من أجله وحده، المهم بأنه منذ أن أصبح بشار الأسد رئيساً لسوريا أصبح مشكلة إستراتيجية بلا منازع لكل من دولته، ولدول المنطقة، وللدول المجاورة الصديقة والعدوة على حد سواء.
فبالنسبة لبلده، ناهيك عن إحكام القبضة الأمنية مرة أخرى بعد ربيع دمشق القصير والذي تنفسنا فيه الصعداء قليلاً على أمل التغيير، أعادنا الأسد الابن أدراجنا إلى عهد الوالد بتغييب معارضيه خلف الشمس.
استطاع بشار الأسد أن يتفوق على نفسه، فبعد أن كان يسجن كل من يرسم خريطة سوريا بدون لواء اسكندرون، قام الرئيس الشاب بالتطبيع الكلي مع تركيا، واستقبل الرئيس التركي بكل حفاوة، وقاد برفقته السيارة الرئاسية في شوارع دمشق لوحده أيضاً، وأهداه اللواء عربون صداقة، ليصبح لواء اسكندرون أرضاً تركية بشكل رسمي، وكل هذه الإنجازات فعلها وحده -الشاب المسترئس المعجزة-
أما بالنسبة للمحيط العربي فكان الأسد مشكلة بإكمال طريق والده بعلاقته مع إيران، لكن الأسد الابن تفوق على الأب أيضاً بهذه القضية، فقام بتعميق العلاقات مع إيران وإعطائهم دوراً كبيراً في البلاد، فأطلق يدهم اقتصادياً، ودينياً، واجتماعياً أيضاً.
وبما يخص دولة العدو الصهيوني -الغاشم- شكل بشار الأسد لها شيئاً من القلق -قد يكون الأقل بين الجميع- بسبب التزامه العميق بحزب الله وإيران ودعمه للمقاومة، واحتضانه لقيادات الفصائل الفلسطينية، وافتتاح مكاتب لهم في دمشق، ودعمها سياسياً، فأتقن بشار الأسد دور المقاوم، والذي تكشف منذ بداية الثورة 2011 أن هذا الدور ما هو إلا مسرحية وفاشلة أيضاً، فمن يرى جيداً ويراقب بروية يرى أن بشار الأسد هو أحد أكثر القادة العرب تفضيلاً لدولة إسرائيل، وأكثر القادة العرب الذين تفضلهم الدولة العبرية أيضاً.
فمثلاً بالرغم من كل الضربات الإسرائيلية التي طالت عمق الأراضي السورية، لم يبد الأسد أي رد فعل عسكري على هذه الخروقات، وآخرها كان توغل القوات الإسرائيلية إلى المنطقة العازلة في الجولان المحتل منذ عدة أيام وتنفيذ عملة عسكرية، دون أي رد من الحكومة السورية على الإطلاق.
كذلك كان الأسد جاهزاً، وما يزال، لإبرام اتفاق سلام مع إسرائيل من قبل اندلاع الاحتجاجات السورية والثورة والحرب فيما بعد، وما يزال جاهزاً منتظراً الوقت المناسب.
يبدو أن الخطر المروّج له دائماً بقيام الحرب بين إسرائيل وسوريا، والذي رافق السنوات الأخيرة من حكم الأسد الأب، قد انخفض بشكل كبير في ظل حكم بشار.
بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من وحشيته في الحرب السورية، تمكنت قوات الأسد (جنبًا إلى جنب مع المساعدات الخارجية) من صد عدو مشترك لإسرائيل وسوريا - الجهاديون العالميون الذين تمكنوا من إقامة موطئ قدم في سوريا، بما في ذلك في منطقة الحدود، انتصار الأسد على هذه العوامل ضمن الاستقرار والراحة لإسرائيل أيضًا.
لم يتعمق التزام الأسد غير المسبوق بحزب الله وإيران إلا في ضوء مساعدتهما للأسد في حرب الأسد ضد شعبه، وإنقاذه من السقوط، لذلك وعلى الرغم من الأحداث في سوريا – ازدادت وتيرة التسليح ونقل المعلومات والمعرفة والقدرات إلى حزب الله من إيران عبر سوريا خلال الحرب، بهذا المعنى، وعلى عكس والده على ما يبدو، يرى الأسد في تعزيز قدرات حزب الله خطوة تحميه أيضًا، معتقداً أنه بذلك يمتلك أوراق لعب سياسية تسمح له بالمراوغة دولياً أكثر، وبالتالي من المرجح أن يبقى ملتزماً بدعمه له.
وهكذا، ومن خلف الكواليس، يظهر التناقض الصارخ في شخصية بشار الأسد الذي يعتقد بأنه يلعب بذكاء بين جميع الأطراف، وتظهر صورته الهشة بالمقارنة مع صورة نصر الله، أو قاسم سليماني مثلاً ونفوذه في البلاد قبيل مقتله.
جعل بشار من سوريا محمية لإيران ومزرعة خاصة لحزب الله، وجاء اغتيال قاسم سليماني داخل الأراضي العراقية عاملاً إضافياً لتعزيز الارتباط الوثيق بين دمشق وطهران، هذا الارتباط الذي بات لا يمكن فصله، وباتت سوريا محتلة بالكامل لإيران، التي تحاول التوغل اجتماعياً وطائفياً أكثر فأكثر داخل النسيج السوري، فلم تعد القضية مجرد قوات تحمي الأسد من السقوط، بل باتت قضية احتلال حقيقي، يقوم بفارسية البلاد على كافة المستويات.
هذه السيطرة الإيرانية المتزايدة على سوريا لا يمكن الخلاص منها بأقل الخسائر الممكنة إلا بالخلاص من الأسد، معها الخلاص من حزب الله كمكسب إضافي وتحصيل حاصل، وعندها فقط يمكن لسوريا العبور إلى بر السلام والحل السياسي.
بالتأكيد هذه الخطوة ليست سهلة التنفيذ، وحتى لو كان ذلك ممكنًا، فليس هناك ما يضمن أن أياً من الجهات الدولية تبدي استعدادها للإطاحة بالأسد، وخاصة بعد أن لمسنا عدم التزام إي من الجهات بالقرارات الدولية.
وبعد أن أثبت الزمن عدم قدرة الهيئات السياسية التي تعنى بالحل السوري على الإطاحة بالأسد لا سياسياً -في ظل غياب الإرادة الدولية لإنهائه- ولا عسكرياً في ظل الدعم العسكري الروسي والإيران، وتفتيت الجيش الحر والفصائل المسلحة التي كانت تواجه الأسد، وأيضاً في غيات أي مؤشر على إمكانية أن أياً من المسؤولين الحكوميين الحاليين سيكون على استعداد لتولي زمام الأمور وخيانة الأسد فعلياً إن صح التعبير في سبيل مصلحة سوريا.
خلاصة القول، إن الخلاص من الأسد هي الخطوة الضرورية والوحيدة التي تضمن للسوريين الخلاص من إيران وحزب الله، كخطوة أولى، وتضمن لسوريا السلام، ومستقبلاً واعداً للسوريين.
الخلاص من إيران... مزن مرشد*
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية