أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الشامت والمشموت به.. حسين الزعبي*

الشَّمَاتَةُ بِالنَّاسِ: أَيِ الْفَرَحُ وَالاغْتِبَاطُ بِبَلِيَّةِ الآخَرِينَ أَوْ بِالأَعْدَاءِ، تشمَّتَ يتشمَّت، تشمُّتًا، فهو مُتشمِّت، والمفعول مُتشمَّت به.

الجمع: شَوامتُ، الشَّامِتَةُ: قائمَةُ الدَّابَّة.."معجم المعاني".

كلمة كثر تداولها مؤخرا في سياق الحديث عن الحرائق التي جاءت على ما تبقى في سوريا من أخضر لم تنجزه الحركة التصحيحية، ولم يتبرع به شكري القوتلي، ولم يكن من منتجات الأفكار النسوية لسيدة الياسمين أسماء الأسد، بل هبة من الله، وضعها الشامتون في الحرائق موضع الملكية لبشار الأسد ولطائفته، في مؤشر على حالة تيه نفسي وصل حد تفريغ شحنات الحقد على الحجر والشجر والجغرافيا أكثر منه على الفعل السياسي والعسكري الذي أحال سوريا إلى خراب لم تنج النفوس منه، حتى باتت تتلذذ برؤية أشجار تحترق.

أطلق الشامتون سهام الشماتة من اعتبارات طائفية، رغم أن الحرائق جاءت على أملاك الناس بكل مشاربهم، سنة وعلوية ومسيحية.. ، فأصابت تلك السهام أناسا هم على الضفة نفسها التي وضع الشامتون أنفسهم فيها، فأصابوا أهل بانياس واللاذقية وجبلة الذين كانوا من السباقين بالتضحية والمشاركة في الثورة.. إلا إذا كنت عزيزي الشامت تخمن أن كل من يقيم في الساحل هو من القتلة، وهنا المصيبة أعظم.

الحرائق التي التهمت ما التهمت من أراض زراعية وغابات كشفت في طريقها المزيد من سوءاتنا في تعاملنا حتى مع هبات الخالق، مؤكدة حقيقية، أننا نعيش أزمة هوية، أزعم أنها سابقة على الثورة، زمنيا، وربما سابقة على قدوم الأسد الأب إلى الحكم بل قبل تسلم البعث نفسه مقاليد الحكم، فلم تكن سوريا يوما تمثل حالة "وطنية" جامعة بدليل أن السوريين أنفسهم يقولون أنهم لم يتعرفوا على بعض سوى مع انطلاق الثورة..

ما أودى بسوريا في هاوية الخراب، هو غياب الانتماء، وتلاشي الهوية التي تقزمت من حالة وطن إلى مدينة فحارة بالتزامن مع تخندق طائفي ومذهبي مقيت، وصولا إلى فردية متسلطة في أنانيتها، وهذا ربما من أهم أسباب فشلنا في إنجاز أي عمل جماعي يساهم بإنقاذ، أو يحاول إنقاذ ما تبقى..

يرى أب لا يعرف أين ابنه الذي اعتقله النظام منذ ستة أعوام، يرى في مشهد الحرائق التي جاءت على الساحل، تبريدا لوجعه ولوعته، وربما مثله أم ثكلى، على اعتبار أن الكتلة الرئيسة من حلفاء النظام "طائفيا" يقطنون في تلك المنطقة، والحقيقة ان طائفة النظام أوسع بكثير من تلك البقعة الجغرافية، فهي تمتد على مساحة تشمل كل من شكل دعائم استمرار الاسد في حكمه وطغيانه وتهجيره للملايين، وهم من كل الطوائف، سواء كان بالمفهوم العسكري وكتلته البشرية اللازمة، أو بالمفهوم الاقتصادي والتجاري، ناهيك عن المفاهيم الدينية من مشايخ "الرز بحليب" إلى أصحاب فتاوى "اضرب بالرأس" لصاحبها "أبو اليقظان المصري"، ويطول العد ليصل لصوص الثورة على كافة جبهات النهب..

*من كتاب "زمان الوصل"
(268)    هل أعجبتك المقالة (252)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي