لن يعودوا، أقصد من وصل الضفة الأوروبية من اللاجئين، ولا أولئك الذين استطاعوا وصول الطرف الآخر من الأطلسي باتجاه أمريكا وكندا، وربما مثلهم من أتاحت لهم الظروف مستوى معقولا من الاستقرار في تركيا، فلا الغرب سيعيدهم، قسراً، ولن تغريهم "بهلوانيات" بوتين الباحث عن تسجيل موقف سياسي "متقدم" في سوريا، على غرار الاتفاق الذي أعلن انتهاء الحرب الأذرية – الأرمينية، وكذا استباق إدارة أمريكية جديدة ربما، أقول ربما، تغير المعطيات على الأرض السورية.
مئات الآلاف من أبناء اللاجئين ولدوا في أوروبا والولايات وكندا، وباتت البلاد الجديدة، مسقط رأسهم، ومثلهم من وصلها رضيعا أو طفلا، وهو الآن يعيش سني مراهقته وشبابه فيها، أما أحلامه فلا تخرج في جغرافيتها عن حدود بلده "الجديد"، لاسيما وأن ذاكرته فارغة من كل ما هو سوري، سوى بعض المشاهد البائسة التي تعرض على الشاشات، مضافا إليها العلاقة "البيولوجية" التي تربطه بأبوين، هم على الأغلب في صراع بين ما بقي عالقا من سوريا في يومياتهم وبين الحياة الجديدة واشتراطاتها، وما تفرضه عادة من اشكاليات تزيد من بعد الأبناء عن الآباء وعن سوريا البعيدة أصلا عن يومياتهم.. تفكيراً وسلوكاً.
أما، الافتراء، الذي بدأه، المفتي أحمد حسون، حين حذر الغرب من أن اللاجئين سيتحولون إلى إرهابيين، ودندن على وتره حكام عرب، وعاد ليردده بوتين، مؤملاً بأن يحصل على دعم من الدول الأوروبية الغربية في موضوع "إعادة الإعمار" مستغلا حالة "الإسلام فوبيا" التي أوجدتها العمليات "الإرهابية" التي نفذت في فرنسا والنمسا، ووجدت مساحة واسعة من صفاقة التأييد في العديد من البلدان، فهو افتراء "رخيص"، إذ إن ما قدمته وتقدمه أوروبا للاجئين السوريين، لم تقدمه لغيرهم من الوافدين إليها وما أكثرهم، وحتى الآن على الأقل، لم يرتكب أيا منهم حماقة كبيرة بالمقاييس الأوروبية، لاسيما تلك التي تتعلق بالممارسات الإرهابية، أما مجتمعيا، فذهب كثر منهم في اندماجه أبعد مما ذهب إليه الأوروبيون أنفسهم إليه..
وبالتالي ليست المسألة أن الأسد غير قابل للتدوير فحسب، بل لو تحول إلى ملاك، فهو لن يستطيع إعادة الشريحة الأكبر من هؤلاء إلى سوريا، لاسيما ممن هم الآن في عمر الطفولة والشباب.. لقد قضي الأمر.
إلا أن المسألة تأخذ بعدا آخر عند الحديث عن أولئك الذين رماهم حظهم العاثر في أحضان العرب، وعلى الأخص في مخيمات لبنان، فهم وان ابتعدوا عن الأسد قليلا إلا أنهم باتوا أقرب من نيران حزب الله، وإن نجوا من الأخير، فالعنصرية المقيتة التي تمارسها شريحة ليست قليلة من اللبنانيين تلاحقهم في كل مكان، ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية المتردية وما ينتج عنها من مشكلات ومآس مجتمعية..
هؤلاء وأمثالهم من قاطني المخيمات -في سياق الحديث عن اللجوء والعودة- هم من يجب أن يلفت الانتباه إلى واقعهم لعل ذلك يساهم في معالجة واحدة من الابتلاءات.. وما أكثرها.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية