أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حرائق أدونيس الموسمية.. عدنان عبد الرزاق*

الفتنة نائمة ويوقظها التسعيني على أحمد سعيد إسبر "أدونيس" كل عام، فما أن يحين موعد الترشح لجائزة نوبل، حتى يهب السوري الطامح، ومنذ عام 1984 للترشح والسعي والتجنيد، وكأن ملامح العبقرية، لن تستوي وتكتمل، إلا بعد التتويج بجائزة مخترع الديناميت ألفريد نوبل.

بتأريخ ما قبل الثورة السورية، كان التعاطف مع أدونيس لنيله "شرف الوثبة"، شبه عام، إلا من قلة خبرته عبر تجارب الثورة الإيرانية وتناقضه وبعض ملامح الطائفية والفوقية، رغم شبه الجزم، بأن سورياً واحداً لا يحفظ لهذا الفطحل الفحل، بيت شعر واحدا.

بيد أن الحال بعد الثورة قد تبدل، وبات التقييم الأخلاقي والإنساني، مترافقاً للموهبة والإبداع وقلما ينفصلان من منظور الغالبية، وإن تجمّل البعض، بأثواب الحيادية وضرورة التفريق وأن "ولا تزر وازرة وزر أخرى".

فإن تسامح البعض عن سحب أدونيس توقيعه على عريضة تطالب بالإفراج عن الشاعر، فرج بيرقدار وأنكر معرفته، أو لم يعر هؤلاء أهمية للأخلاق، رغم أنها سمة عامة للمرشحين وربما شرط غير معلن بنوبل، على اعتبار أن أدونيس لم يسجل له التاريخ أن دافع عن معتقل أو حقوق السوريين، اللهم سوى العريضة اليتيمة بعد وفاة حافظ الأسد، وما قيل عن رسالته الملتبسة لبشار الأسد، وأنه دعاه للاستقالة، رغم تبجيله للأسد بتلك الرسالة المنسوبة وتأكيده أنه رئيس الشعب والبلاد، في حين كانت دماء الشعب تسيل وتسير البلاد إلى الهاوية.

أو كان بإقصاء أو إلغاء أدونيس، لنصف الشعب السوري، منطقاً من منظور البعض، لأنهم خونة وتمادوا بطلب الحرية وانقلبوا على سيادة الرئيس، فالشاعر إسبر وخلال حوار منشور بجريدة "الزايت" الألمانية، وبعد تأكيده على الإصلاح والصناديق وليس إسقاط بشار الأسد، يسأله محاوره"ولكن خمس الشعب نزح من البلاد" يرد أدونيس: تتم الانتخاب بمن بقي في البلاد.

بل وحتى إن سار كثيرون بركب أدونيس، ورأوا أن الثورة السورية إسلامية "على اعتبار ثورة الخميني المقدسة أدونيسياً علمانية" بدليل خروجها من الجوامع على قوله وأن الإسلاميين سيخلفون بشار الأسد حسب تصريحه.

وغض السائرون الطرف عن مهاجمة شاعر النخبة للمعارضة، وإن جمّلها بعض الأحايين، بتصريحات أو مقالات مضلله، من قبيل "تحية- رسالة إلى أنطون مقدسي وميشيل كيلو..".

فكيف لأي إنسان يتمتع ولو بالحد الأدنى من الإنسانية، أن يتمنى نوبل لمن لم يتعاطف وطيلة عشر سنوات، مع قتل وتهجير وإذلال السوريين، بل ولا يأتي المقرن الإبداع بالإنسانية، وبكل أشكال التهكم والسخرية من خرف يحاول كثيرون، ولأسباب غير ثقافية وإبداعية بالغالب، جعله إلهاً كما رأينا بدعوات إقامة تماثيل بمدينة جبلة السورية لـ"ألهة الربيع والخصوبة معبود أفروديت".

بل وربما ردة الفعل إن لم نقل الحقد، مضاعفاً على "مفكر وشاعر" رآه كثيرون من دون أن يقرؤوا له، رمزاً وتعلقوا بشائعة قيلت عنه مرة، إنه تآمر مع علي حيدر للإطاحة بحافظ الأسد، إثر وفاة باسل الأسد عام 1994، وهي لم تثْبت على "أدونيس" الذي يولي وجهه أنى شاء الهوى.
قصارى القول: كما كل عام بمثل تاريخ النطق بفائزي الجائزة، يعود الانقسام بين السوريين، حتى تسحب "لجنة نوبل" فتيل التوتر، كما بإعلان الأمريكية لويز غلوك الخميس فوزرها بالجائزة، قبل أيام وخيبة الحالم لنحو نصف قرن.

بيد بموسم الانقسام والشتائم لهذا العام، قرأنا، ربما ما لم نكن تعرفه عن المقتدي باسمه بفينيق. إن لجهة الدفاع ونعت نقاد وحتى شاتمي أدونيس بالحمقى، كما كتب الشيخ الجليل، محمد حبش"العيب والعار أن يقوم أولاد في سن أحفاد أدونيس بنشر عرضه على الفيسبوك الذي سمح للحمقى أن يكونوا أصحاب رأي، وأن يقوموا بافتراء نصوص لا تصدر عن مجنون وينسبونها إليه دون دليل...وأدنى مقاربة تكشف أنها نصوص كذب وافتراء".

أو حتى المديح واللاطائفية، الذي ساقها الكاتب الجليل، قمر الزمان علوش، مدللاً عن الطيبة والوطنية والرقة بدموع أدونيس، حينما عرضت عليه فتاة من اللاذقية تقييم شعرها، وأبدت تخوفها لأنها "سنية من المدينة" فجاء توصيف علوش لحالة أدونيس: توقف صوته في حلقه لكنه أخذ من الضعف الروحي قوة وقال: بالعكس .. هيك صرتي أحسن وأغلى...معقباً على حالة الرحمة واللحمة لدى أدونيس: رأيت عيني أدونيس تطفحان بالدموع وتسيل دمعتان على خده. قال بشفتين جافتين مرتعشتين: أرأيت إلى أين وصلت حالنا؟.

نهاية القول: من اعتبار أن الأوطان لا تبنى إلا بالمحبة والتسامح، وأن كل شقاق وتشرذم يعمّق الخلافات ويكرس حل التقسيم وضياع البلاد، ربما دعاة الصفح عن خطايا أدونيس على حق، وربما تميل كفة المنطق للذين يدعون لتقييم منتج إسبر بعيداً عن عقده ومواقفه.

كما من اللاإنصاف، إنكار نتاج الرجل، من مهيار الدمشقي حتى الصوفية والسوريالية، أو الحكم على مبدع نخبوي مجدد وعالمي، من سطحيين مثلي.

بيد أن أمام المنشار هنا عقدة. عقدة من نوع وحجم ما يصعب القفز عليها كما من الاستحالة بقاؤها تعيب لوحة سوريا التي يمني الحالمون النفس، بألا يبقى جمراً تحت رماد مستقبلها، بعد ملايين القتلى والمهجرين والمغتصبين.

تلك العقدة الموجعة والمحيرة، حتى بطريقة وشكل صياغتها وطرحها، والتي يمكن التلميح إليها من خلال ردود حواضن الأسد على حرائق الغابات وبيوت السوريين اليوم...أو بتسويقهم أدونيس رمزاً للسوريين وللحمتهم الوطنية، ما يضع أي حالم بسوريا المستقبل أمام صعفة وأقرب لحقيقة.."فالج لا تعالج".

*من كتاب "زمان الوصل"
(258)    هل أعجبتك المقالة (273)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي