منذ بداية الثورة علت أصوات المحللين السياسيين السوريين، والعامة الثائرة أيضاً، بأن الأسد محمي من إسرائيل ولهذا استمر بقاءه في الحكم، ولم يسقط بالرغم من خروج حوالي 70بالمئة من الأراضي السورية خارج سيطرة النظام، بما عرف بالمناطق المحررة، ومع ذلك ظل المجتمع الدولي شبه حيادي تجاه الأسد ولم يُتخذ القرار الدولي بتنحيته وإنهاء الصراع في سوريا رغم كل ما صدر من النظام تجاه الشعب والبلد من قتل ودمار وتهجير وجرائم الحرب، وهذا ما عزاه السوريون للحماية الإسرائيلية لحكم الأسد، فهل تحمي إسرائيل الأسد فعلاً؟
في تلك الفترة، التي خسر فيها النظام معظم أراضي البلاد، وبعد سيطرة بعض الفصائل الجهادية على المناطق المحررة من قبضة النظام، أصاب معظم السوريين وأصدقاء الثورة السورية شيئاً من التوجس، بأن تتحول سوريا إلى دولة دينية متشددة، وهذا ما جعل إسرائيل تفضل إبقاء الأسد وبعض مظاهر السلام في الجولان، على مواجهة الجماعات الجهادية خارج نطاق السيطرة، فالإدارة الإسرائيلية تفضل طريقا ثالثا يتمثل بأن يبقى الأسد على رأس سوريا الضعيفة.
الموقف من بقاء بشار الأسد أو دعم تنحيه قسم المسؤولين في هرم الإدارة الإسرائيلية إلى فريقين، لكل منهما وجهة نظره الخاصة، الأول يرى أن السقوط المحتمل لبشار الأسد يشكل مناسبة تاريخية من شأنها كسر المحور الاستراتيجي بين إيران ودمشق وحزب الله اللبناني، وإضعاف آخر خصم يهدد إسرائيل على حدودها الشمالية، وكل ذلك بدون حاجة إسرائيل لفعل أي شيء، وخاصة عدم تسليم الجولان لسوريا.
ففي بداية عام 2012 مثلاً، أعلن وزير الدفاع، إيهود باراك، أن بشار لن يبقى سوى أسابيع قليلة.
أما الفريق فاتخذ موقفاً مغايراً فقد تخوف هذا الفريق من الفوضى التي قد تعقب سقوط الأسد، ويخشون أن تستخدم الجماعات الجهادية سوريا كقاعدة خلفية لشن هجمات ضد إسرائيل، ولهذا يرون أنه من الأفضل وبحسب هذه الرؤية فإن ديكتاتورية الأسد تعتبر جانباً إيجابياً بما يخص إسرائيل يمكن من خلالها أن تبقى قواعد اللعبة كما كانت منذ 50 عاماً، والتي تعرف فيها إسرائيل جيداً كيفية الرد والتعامل مع الأسد حالة سوء الفهم، بدلاً من الفوضى.
ويتذكر الإسرائيليون جيداً أن نظام الأسد ساعد في الحفاظ على الهدوء منذ أن تسلم البعث الحكم في سوريا بداية سبعينيات القرن الماضي في مرتفعات الجولان.
في المقابل، امتنعت إسرائيل عن الخوض في صراع معادٍ له، ورسمت خطوطًا حمراء في شأن نقل الأسلحة المتطورة من دمشق إلى حزب الله، وقامت بقصف قواعد لحزب الله ومخازن أسلحة وأقدمت على استهداف قيادات للحزب داخل الأراضي السورية، دون أن ينم ذلك عن أي خطر على أمن إسرائيل فالأسد وكالعادة يحتفظ بحق الرد.
هذان النهجان ينضم إليهما الآن مسار ثالث، يتمثل بأولئك الذين يتوقعون بقاء بشار الأسد في السلطة ولكن في سوريا الضعيفة كدولة فاشلة، وينظر هذا الفريق إلى مساعدة حزب الله، وإيران، والتدخل العسكري الروسي في دعم النظام السوري، وتزامن هذا الدعم مع تقاعس الأمريكيين عن اتخاذ أي إجراء بحق الأسد، عدا الضربة المتواضعة التي وجهتها الإدارة الأمريكية لمطار "الشعيرات"، وهذا ما اعتبره أصحاب النهج الثالث على أنها كلها مؤشرات على أن الأسد لديه فرصة جيدة للبقاء في السلطة على الأقل في مراكز المدن الكبيرة والأراضي التي يسيطر عليها جيداً، خاصة بعد استعادة النظام بمساعدة روسيا غالبية الأراضي المحررة وإعادتها لسلطته، وبالنسبة لمؤيدي هذه القراءة، فإن المواجهة المطولة بين الأسد وحلفائه الشيعة الموالين لإيران مع من تعتبرهم إسرائيل جهاديين وسلفيين هي أفضل سيناريو يمكن تخيله.
كتب المحلل السياسي الإسرائيلي الكاتب والصحفي يوسي ميلمان في صحيفة جيروزاليم بوست: "طالما استمرت الحرب ستضعف سوريا، وسيسقط الآلاف من مقاتلي حزب الله للدفاع عن الأسد ونظامه، وستتحول السياسات الإيرانية عن مسارها، وهذه الأحداث تصب في مصلحة إسرائيل وسيستمر الوضع الاستراتيجي في التحسن... لكن لن يعترف أي مسؤول إسرائيلي بذلك علنًا ... من حقنا أن نفكر جيداً بما يخدم مصلحة بلادنا دون أن نقول لما توصلنا له من قرار أو حقائق".
وفي النهاية يبقى السؤال معلقاً من يحمي الأسد حقيقةً؟ وأين مصلحة إسرائيل في استمرار الوضع في سوريا على ما هو عليه؟
لكن الحقيقة الوحيدة الواضحة اليوم، أن الوضع في الداخل يزداد صعوبة على الشعب السوري الذي يعاني الأمرين اقتصادياً وحياتياً ويحارب في صراع البقاء على جميع الجهات.
"إسرائيل" تفضل بشار الأسد.. مزن مرشد*
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية