إن كان من وصف لحالة السوريين، ومنذ سنوات، فهو التيه والدوران بحلقة مفرغة، قبل أن يصلوا لحالة اللاجدوى اليوم وربما القبول "من الغنيمة بالإياب".
وتعاظم التيه جراء الخيبة بالدول المتحضرة والديمقراطية، التي برهنت أنها رهينة النفعية ونصيرة القوي، وما حقوق الإنسان ونصرة الشعوب وتحقيق الحريات، سوى شعارات عريضة للوصول للهدف والهيمنة، وإن بأشكال استعمارية جديدة وحداثوية.
أو، تنامت اللاجدوى لأسباب ذاتية تتعلق بعودة السعي الدولي لفرض نظام الأسد، أو تغييب محاسبته وما قيل عن عزل وملاحقة طيلة سني الثورة.
ليعود الصمت أو التلميح بأن بشار الأسد، حل وحيد بغياب البدائل، وإن على جزء من سوريا، إثر ملامح اقتسام الأرض والثروات والنفوذ من محتلين، عاودوا الصراع الشكلي والتوافق وراء الأبواب، لتقسيم سوريا وفق واقعية الاستقواء والأمر الواقع.
بالمقابل، وعلى ضفة المعارضة، لم تنتج "الكيانات"، سياسياً وفكرياً وحتى وطنياً، سوى الوهم والتبعية ومزيد غرق بوحولٍ، إنما خرج السوريون في ثورتهم، للانقلاب عليها، إن بدأت بأبدية المناصب لا تنتهي بالفساد والارتماء بأحضان الدول والممولين.
إذاً، بواقع الحال وقبل استحقاق الرئاسة العام المقبل، ما هو المتاح والممكن، عدا التشكي والسباب واجترار المظلومية، أو السكون إلى أخلاق ديمقراطيّ العالم المتحضر، بأنه لا يمكن القبول بقاتل وإعادة إنتاج مستبدين، علماً وللتذكير، قبلوا وأعادوا عام 2014 وبعد أكبر مجزرة بسلاح محرّم وقتل الآلاف وتهجير الملايين.
قصارى القول: بعد الخيبات المتتالية بولادة أحزاب سياسية سورية، وبعد موت بعض المحاولات بالمهد لأسباب تتراوح بين الأنا وعدم النضوج، قرأنا بالأمس عن مساعي مجموعة من الشباب، إلى تأسيس حزب سوري جديد يقوم على حرية الفكر والعمل والاقتصاد.
وأفرطنا بالأمل، حتى قبل ولادة هذا الحزب لأمرين اثنين.
الأول، جراء ما قرأنا أن نواته أو مركزه الرئيس داخل سوريا وستتوزع كوادره ونشاطاته على جميع الأرض السورية، بل وسيؤوي سوريي دول اللجوء والشتات.
وربما الأهم بدواعي التفاؤل، وعي القائمين على الحزب العتيد، بأن من يدفع يرسم ويخطط ويتحكم، لذا تم الإعلان وقبل إعلان الحزب، أنه لن يقبل أي تمويل وسيقتصر على اشتراكات وتبرعات أعضائه.
وأما السبب الثاني وربما الأهم بتفاؤلنا، هو وصول سوريين، وإن متأخرين، لحقيقة أن الحل بكيان سياسي جامع، حزب سوري يلملم الشباب من المنافي والمهاجر ليلتقوا برابط ايديولوجي مع أهلهم بالداخل على حل سواء.
حزب يجمع في قواعده السوريين الساعين لوطن وقانون وحرية. وبقيادته مخططين وساسة نأوا عن الغرق بمستنقعات الفساد والتبعية والعسكرة والطائفية، ساسة يضعون الوطن بوصلة ويعلموا القواعد أن الأحلام لا تتحقق بالرغبوية والأماني والعدائية.
حزب أبعد من المناطق والانتماءات على أشكالها، ينطلق من الواقع على مرارته وآلامه ويسعى لوصول الكفاءات عبر جهاز الانتخابات والصناديق لا عبر الجهاز التناسلي، كما حكمت سوريا لعقود وتحكم المنطقة بصرصار بن ابي صرصار.
نهاية القول: ثمة نقاط لفتتني بإعلان الحزب العتيد، أولها أن متوسط عمر الأعضاء المؤسسين ثلاثين عاماً، وفي ذلك وله، لزوم وقفة تتعلق بعدم الوقوع بردة فعل، من المسنين الذين سرقوا الحلم وشوهوا الأحزاب وتاجروا بالشعارات والشعب، ولو أننا قرأنا متوسط الأعمار ثلاثين عاماً لكان بذلك أمل كبير بحزب شاب تغلي كوادره أملاً ونشاطاً، ولكن تلك الشريحةالعمرية للمؤسسين، ففي ذلك إشارة استفهام حول ما الذي لدى الثلاثيني سوى أن يستقي من تجارب هنا ويستأنس بمنطلقات حزب هناك ويشطح بالقياس إلى تجارب عالمية قد تسقط بحكم الظرفية والجغرافيا، فكبار السن وبأي مؤسسة وتنظيم، هو بيت الخبرة الذي لا تترجم أفكار الشباب المجنونة، من دون حكمتهم ووعظهم وعصارة خبراتهم.
وثاني النقاط بإعلان الحزب الجديد فترة إعلانه وهي نيسان العام المقبل، أي بالتوازي مع فترة الاستحقاق الرئاسي بسوريا، وهو برأينا إعلان متأخر، إذ يمكن لهذا الحزب، بواقع الفراغ خاصة، أن يقود أو يساهم خلال ذلك الاستحقاق المفصلي والخطر، حيث وليس بذلك إذاعة لسر، لن ولم ولا يمكن للمعارضة أن توافق على اسم مرشح، ما يعني وإعادة للتاريخ، سيكون بشار الأسد بمواجهة نفسه أو بعض الكركوزات بالداخل، ليصفع السوريين ثانية بعصا وهم المنطق والعدالة الدولية.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية