أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

طابور اسمه... الوطن*

من دمشق - جيتي

لم يترك النظام للسوريين إلا مصيراً واحداً هو الذل منذ أن تربع كرسي السلطة إلى الآن، وتحت مسميات عريضة كالقومية والاشتراكية والعروبة، وبات على السوري أن يعيش على هامش النعمة كي يثبت لعنصر المخابرات ولاءه للقائد والوطن.

ليس الطابور جديداً على السوري الوطني فقد توارثه أباً عن جد، ومنذ أن أعلن الأسد الأب أن اليد المنتجة هي اليد العليا في دولة البعث صار السوري متوسلاً وحالماً بعلبة محارم "كنار" وعلبة سمنة ماركة "غندور" يتم تهريبها من لبنان عبر عساكر سرايا الدفاع، وبقية قوات الردع العربية التي حولت اللبناني عدواً أبدياً قبل أن يكون هناك حزباً لله يواصل مسيرة الكراهية بالرصاص وباسم العتبات المقدسة.

دفع السوريون ثمن تحكم البعث بالبلاد من أموالهم وكرامتهم، وفي ثمانينات القرن المنصرم عاشوا الحصار كما لو أنهم في معركة مصير وتحت شعارات الصمود والتصدي وتحقيق التوازن الاستراتيجي مع العدو الذي لا تطلق على جبهته رصاصة، وبينما هم في طوابيرهم كان آل الأسد وحولهم محمد مخلوف وعصابته، وعبد الحليم خدام وعبد الله ألأحمر وبقية الرفاق من صناديد البعث والعسكر يجمعون الثروة والقوة لمواجهة يوم استفاقة الدراويش.

ثم جاءت حقبة الأسد الابن كي تعطى العصابة فرصة أخرى للنهب فالجديد ربما يعني تغييراُ ولو بطيئاً وصغيراً، لكن مؤسسة التسلط باتت أكثر وحشية وتغولا، وأبناء الحرس القديم جاؤوا بما لم يكن يخطر للدراويش ببال، ومع أول صرخة رفض كان الرصاص مزروعاً في الصدور.

الطغمة التي اعتقدت أنها انتصرت واصلت معركة إذلال من نوع آخر وعبر منظومة أكثر أناقة فالعسكرالقساة القتلة أورثوا أبناءهم شركات الإعلان والإنتاج الفني والخليوي وناقلات الشحن البحري، واستثمر اللصوص الصغار بمؤسسات القطاع العام فنهبوها عبر صفقات الفساد ولم يرحموا حتى الأحذية، وكل هذا باسم العالم المفتوح الجديد خارج قفص الاشتراكية.

المحرقة الكبرى كانت آخر إنجازات البعث ورجالاته، وجاء دور طوابير الموت الكبير وصولاً لطوابير الجوع، وصار للخبز بطاقة ذكية تمنح السوري رغيفاً واحداً في اليوم، وبعض الرز والسكر، وأما (طنبر) مازوت التدفئة فخرج من سباق الحنين ليدخل في خانة اللترات المستحيلة، حيث البرد هو سيد الشتاء.

طابور آخر لتعبئة البنزين حيث يمكن للسوري حسب شيخ السلطان "مأمون رحمة" أن يناقش قضايا الوطن وينصب الأفراح أمام محطات الوقود، وأما الحقيقة فهي النوم بانتظار ملء خزان الذل مرة كل أربعة أيام فالإيراني لم يفرج عن نفظه لأن حصة القتل لم يدفعها النظام، والروسي ينتظر أجر مساهمته في المذبحة.

السوريون اليوم يطلقون على بلدهم (بلد الطوابير) حيث لكل سلعة طابور، وغلاة المؤيدين يرون أنها استمرار لتلك المؤامرة التي بدات منذ 2011 بأيدي الخونة ومموليهم فيما يصير الوطن طابورا كبيراً يفضي إلى طريق واحد..الخراب.

*عبد الرزاق دياب - من كتاب زمان الوصل
(249)    هل أعجبتك المقالة (241)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي