أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أصول لعب السياسة وأخلاقها... عدنان عبد الرزاق*

عناصر من "تحرير الشام" في ريف إدلب - جيتي

جدلاً، إن لم نقل عبثاً، البحث بروابط السياسة والأخلاق، أو حتى علاقة السياسة بالحق والمنطق.

فما يقال نظرياً عن السياسة، بأنها طرائق قيادة الجماعة البشرية وتدبر شؤونها، وفق ما يراه الساسة، خيرها ومنافعها، يختلف عن أنها، فن الممكن. وإن بكلا التعريفين، ابتعاد عمّا يقال بتعريف الأخلاق، بأنها مجموعة قيم ومثل.

وإن سعى المنظرون لإيجاد تقاطعات بين الحقلين، بأن المسعى النهائي هو، المنفعة والخير.

إذ وبمنتهى البساطة، تأخذ السياسة وبغالب الأحايين، من العنف والبراغماتية والمقايضة، منطلقات عملها، في حين لا يمكن تمكين الأخلاق أو حتى تمريرها، قسراً أو عبر تبادل المصالح، وهنا لم نأت على تفضيل السياسة على الأخلاق أو أنها بداية إجبارية، وفق المذهب المكيافيللي الذي يرمي بكل الفضائل الأخلاقية لتحقيق غاية السياسة.

وأما سبب هذه المقدمة المجزوءة عن إشكالية لم يتم البت بها حتى الآن، فهو سلوك "هيئة تحرير الشام" المسيطر الأكبر على المناطق المحررة شمال غرب سورية، والذي يسوّقها، مع تحفظات كثيرة، بأنها لعبت سياسة ومن الطراز الواقعي الممتاز.

فإن أغضضنا الطرف، رغم الأهمية بالمسار والمسيرة، عن التبدلات الكثيرة ببنية الهيئة، الايديولوجية والعسكرية خلال العامين الأخيرين خاصة، لنقف فقط عند مؤشرات ثلاثة، يمكن اعتبارها مفاصل وبدايات جديدة، تدلل وإن على نحو حذر، على بدء هذا الفصيل بلعب السياسة وفهم التوازنات ومصالح الدول.

أول المؤشرات شكلي له أهداف تسويقية بعيدة، يتعلق بظهور قائد الهيئة، أبو محمد الجولاني في كروم الزيتون إلى جانب المهجرين ووقوفه يطعم الفلافل للجوعى وتجواله بين سكان إدلب وريفها، ليكتب المطالب ويقف على المظالم.

بعد أن فكك ولم يزل، جماعات ولاحق فصائل واقتص من مذنبين، ليرسّخ، رغم الصعوبة التي يدحضها الواقع، أن الهيئة تحكم بالديمقراطية الإسلامية، أو تسعى، وهي بالطريق، للحكم الرشيد.

والمؤشر الثاني الذي يدخل ضمن التبدّل أو التحوّل بفكر ونهج وتعاطي الهيئة، رأيناه في 20 شباط/فبراير الفائت، وقت التقى الجولاني ومجموعة الأزمات الدولية، ليرسل عبرهم لمن يهمه الأمر، أن الهيئة لا تمارس الإرهاب الخارجي، بل هي فصيل داخلي ذو وزن وثقل، وله حصة بكعكة خراب سوريا ولا يسعى لتحرير فلسطين أو الأندلس أو يصل لسور الصين وحصون روما، كما تشدّق سواه من الفصائل أو كان لدى فصيله من قناعات، تغيرّت بحسب الواقعية والتبدلات الدولية.

ولكي تفهم الرسالة التي أرسلها الجولاني مشوشة ربما، لطالما لا ضمانات دولية ولا توقف خارجي عن العبث بمملكته المستقلة "دولة إدلب"، أبدى الشرعي العام الفصيل، عبد الرحيم عطون "أبو عبد الله الشامي" قبل أيام، ولوسيلة إعلامية دولية "LETEMPS" السويسرية، عن رغبة الهيئة بتطبيع العلاقات مع دول غربية.

وذلك بعد لقاء الهيئة صحافيين والحديث عن المنطقة كدولة تحكمها سلطة ومؤسسات.

قصارى القول: يبدو ومن خلال الأداء والأفعال، أن هيئة تحرير الشام، تسير وبسياسة الأمر الواقع، نحو تشكيل سياسي مسلح، سيفرض شروطه إن لم نقل كامل أجندته، مقتدياً بحركة حماس ربما، على صعيد التسويق والعقائدي أو حزب الله على مستوى الواقعية وقوة السلاح.

أو، وهو أضعف الإيمان، السعي لحصة على طاولة التفاوض أولاً للحصول على مكاسب وحصة تالياً، فالهيئة وفق الأفعال والتسويق، تحكم جغرافيا أكبر من لبنان أو فلسطين، وتضبط إلى حد ما، قد يفوق ما يسيطر عليه سواها، شمال شرق مثلاً، الأرض والأمن وتقدم للشعب المطالب والخدمات والأمن...ولديها من التغطية والتحالفات الاقليمية، ما يغطيها وإن مرحلياً، ولم يبق للقبول والاعتراف الدولي، سوى الطمأنة والتطبيع ومن ثم التفاوض.

نهاية القول: بصرف النظر عن رأيك ورأيك عزيزي القارئ، بهيئة تحرير الشام وما يمكن أن تؤدي خطاها لمشاريع تفتيت أو تطرف أو تبيعة، ثمة بالأمر هنا سياسة في حين لا نر لدى المعارضة أيّ منها.

لأن الدول الكبرى تتعامل مع قوى على الأرض، قوى لها تأثير ولديها قوة عسكرية واجتماعية، وقلما تسأل الدول خلال الاعتراف أو التعامل، بكيف ظهرت هذه القوى أو على ماذا بنيّت.

وتلك الدول الكبرى، قلما تعط وزناً لمن هم خارج الأرض الذين لا يمتلكون سوى الأماني والحكي، وإن أغرقتهم بالوعود والمال لتحقق أهدافاً أبعد من الإنسانية والعدالة والحريات ودفعتهم لأدوار وظيفية، لن يعوا مخاطرها إلا بعد أن يقع الفأس بالرأس.

من هذه الأوجاع وما تفرضه سياسة الأمر الواقع، إن بشمال شرق "مسد" أو شمال غرب" النصرة" يخرج السؤال عمّا يفعله وحققه ساسة المعارضة الأفذاذ الملتهون حتى اليوم، بمناصب ورشى وأدوار خارج حدود وطنهم، لم ولن ولا يمكن أن تصرف لاحقاً، بأي عملة أو صفقة، أو ربما قبول وتشارك بالداخل.

*من كتاب "زمان الوصل"
(238)    هل أعجبتك المقالة (251)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي