أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الإمارات العظمى وإسرائيل الكبرى!*

من حق الإمارات العربية المتحدة، أو بصيغة أدق، سارق قرارها محمد بن زايد، أن يعلن اتفاق "سلام" وأن يطبع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، لأن من يعلن الحرب على الدول العربية المجاورة ويتآمر على الإقليمية الصاعدة ويقود الثورات المضادة على حلم المنطقة العربية، يقوم بجميع الأدوار الإسرائيلية، دون أن يضطر لنقل العلاقات من تحت، إلى فوق الطاولة.

بيد أن ظروفاً إسرائيلية وإماراتية خلال هذه الفترة، دفعت الجانبين لإعلان ما لم يكن سراً، عبر ذريعة مفضوحة، لم يكن لسوقها مبرر أصلاً.
فأن يقول نظام أبو ظبي، أن دافعه لتطبيع العلاقات "الدبلوماسية والتجارية" مع الاحتلال، جاء لوقف ضم أجزاء من الضفة الغربية لإسرائيل، فذلك مرفوض ولأسباب كثيرة، بعض بعضها أن الإمارات لم تنسق مع "السلطة الفلسطينية" كما أن قرار "الضم" قوبل برد أردني حاسم بأنه لو تم، إنما سيتم إلغاء اتفاق السلام الموقع بين الطرفين عام 1994، هذا إن لم نأت على التهديد الأوروبي والدولي بفرض عقوبات على إسرائيل إن أقدمت على "الضم".

إذاً، عذر ابن زايد أقبح من ذنب، رغم أنه ليس مضطراً لتبرير "الخيانة" وشق ما تبقى من الموقف العربي والمبادرة التي قدمها عاهل السعودية الراحل، عبد الله عام 2002 خلال القمة العربية ببيروت "إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل".

كما، وبقراءة سريعة لعنوان "الجريمة" وليس لمضمون الاتفاق، يمكن مشاهدة ما يثير الضحك والألم بآن، وهو اتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل، وكأن الإمارات مجاورة لدولة الاحتلال ولم تتوقف يوماً عن محاربة إسرائيل منذ احتلت فلسطين عام 1948 أو وقت توسعت بمصر وسوريا عام 1967 "خلال تلك الفترة لم يكن من دولة الإمارات على الوجود، لأنها تأسست عام 1971".

قصارى القول ثلاث إشارات:
لا وزن للإمارات ولا على أي صعيد ومستوى، فالخرق للجسد والقرار وحتى الحلم العربي، بدأ منذ "كامب ديفيد" بعهد الرئيس المصري أنور السادات عام 1978 وتكلل عبر "وادي عربة" مع الأردن المجاور عام 1994 ، لتأتي خطوة الإمارات أمس، كإضافة للفضح ليس إلا.

وأما الإشارة الثانية، فهي في آثار الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي على تبدل الواقع الجغرافي والحقوق التاريخية، وحتى على أمل وإصرار العرب والفلسطينيين خاصة، على استرجاع الحقوق والوقوف بوجه محاولات تصفية القضية، آخذين مرحلة التمزق والانهزام بالحسبان.
لتكون الإشارة الثالثة بالسؤال حول ما بعد الفجور الإماراتي، خاصة من دول رحبت ودول رعت ولكنها التزمت الصمت، بمعنى هل ستكون الخطوة البحرينية والعمانية بعيدة، بعد أن مهد نظام الإمارات الطريق لدول الخليج..

والأكثر إيلاماً السؤال حول انزلاق السعودية، توأم الثورات المضادة مع الإمارات وداعمتها، في مستنقع "الواقعية" لأن المملكة العربية السعودية وبصرف النظر عمّا آلت إليه سمعتها ووزنها الدولي بعد حكم الأولاد، تبقى قبلة المسلمين وقاطرة خليجية وعربية من الخطأ التقليل من دورها.

نهاية القول: لا يمكن، ومهما قللنا من أهمية الاتفاق الإماراتي الاسرائيلي، من التنكر لصفعته المؤلمة وإن كانت متوقعة، لأنه أضاف سقطة جديدة للسجل العربي بالهزائم والسقوط، فضلاً عن تمهيده الطريق للخجلى من الدول، لتسقط عن وجهها أقنعة تبني قضايا الشعوب ومعاداة إسرائيل.

لكن الرد على ما نحسب، لا يتأتى من العويل وكشف عورات عيال زايد المفضوحة أصلاً، بل عبر العلم والعمل والوعي، لإنتاج جيل مبادر حر، برأيه وقراراته عن الأوهام التاريخية والارتهان الخارجي، فطريق القدس لا يمر عبر القصير وحلب كما يدعي الممانعون بإيران وحزب الله، كما أن تحرير الأراضي واستعادة الحقوق لن تأتي عبر الشعارات العريضة وأضاليل التوازن الاستراتيجي لمواجهة الاحتلال، كما ترفع دول الطوق وبمقدمتها سوريا الأسد.

بل الطريق الوحيد هو ببناء دول حرة بعد هزيمة الاستبداد، وإلا ستتعاظم سموم "الواقعية" ومقولات عدم القدرة على مواجهة إسرائيل ومن وراءها، وتزيد القناعات الزائفة، باستغلال الراهن لأن العين لا تواجه المخرز، خاصة بواقع استمرار حكم معظم مستبدي المنطقة وتفقير الشعوب، بشرعية وذريعة محاربة إسرائيل.

*عدنان عبدالرزاق - من كتاب زمان الوصل
(268)    هل أعجبتك المقالة (275)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي