نصحني صديق بقراءة كتاب "التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور" للكاتب مصطفى حجازي. الحقيقة أن الكتاب يستحق وبجدارة القراءة لما فيه من محاولة واعية لتشريع الواقع العربي المتخلف من منظور مجتمعي ونفسي، الصديق نصح أيضا بأن أتبعه بكتاب "الإنسان المهدور" للكاتب نفسه.
هنا لست بوارد تقديم قراءة للكتاب، لكن كم القهر القادم من شرقنا العربي يستحق عشرات الدراسات لفهم بعض أسسه وهي ليست دائما سياسية، أو على الأقل في بعض الأحيان تتقدم الأسباب والأسس السياسية وفي أحايين أخرى تتراجع لصالح غيرها.
بالأمس القريب أطاح انفجار مرفأ بيروت بمساحة واسعة من المدينة المقهورة، بالزعامات السياسية، وبالسلاح الإيراني، وبوكلاء الله.
أصابع الاتهام وجهت لحزب الله، الأخير سبق ومارس الاستبداد على بيروت وقهرها في السابع من أيار، واستبد بحاضنته وقهرها وأخرجها من سياق حياتها الطبيعي إلى حياة لاهوتية لا تشبه لبنان، هي الحاضنة نفسها التي مارست استبدادها وقهرها على السوريين الذين بدورهم وزعوا انفسهم بين مستبد ومقهور مع تبادل الادوار بين حين وآخر، لتستمر سلسلة "القهر" في متوالية تمتد أفقيا وعموديا لتطال كل حركة وسكون من دقائق حياة عالمنا العربي، فالعامل الذي يرتبط وجوده بعمله بمزاجية رب العمل مقهور أمام الأخير، والأخير مقهور أمام السلطة الاقتصادية الأعلى والأخيرة بما هو أعلى وهكذا، لتصبح معها حياتنا بكل ثوانيها بين مستبد يلبس ثوبا سياسيا مرة وديني مرة أخرى واقتصادي في ثالثة وشكلا اجتماعيا في سياقات "الاستبداد" والقهر الأسري مرة رابعة وخامسة وعاشرة.
لفتتني الصور القادمة من بلدات إدلب -المقهورة بألف مستبد ومستبد- والتي عبرت عن تضامنها مع محنة بيروت، جميلة هذه الحالة الإنسانية، ولكن إن ذهبنا في عمق رسالتها نجدها موجهة إلى العالم وليس لفتاة فقدت خطيبها في التفجير أو لأم ثكلت بابنها، هي محاولة المقهور للقول للمستبد العالمي إننا بشر، ولسنا إرهابيين، نعي معنى الوجع وتجرعناه لسنين وها نحن نعبر عن تضامننا مع المقهورين مثلنا.. حياتنا في الشرق متوالية لا تنتهي من قهر خلف فينا آلاف العقد والأمراض النفسية والخوف من المستقبل والارتباك من الحاضر، ربما هو الماضي الذي لا حول له ولاقوة الوحيد الذي نركن إليه ونشعر ببعض سكينة عندما نهرب إليه.
تتسرب بين الحين والآخر أخبار عن كارثة دمشق مع كورونا وأحاديث عن عشرات الجثث في ممرات مستشفى المجتهد، دمشق المقهورة بصمت من حاكم مستبد، هو الآخر "مقهور" ووضيع أمام بوتين وخامنئي، وبين هذا وذاك يعيش الناس وربما منذ سنين سابقة على الثورة، حالة قهر، قهر رجل الدين لأتباعه، والتاجر لعامليه وضابط الأمن لكليهما، حالة يمكن تعميمها وإن اختلفت تفاصيلها على كل المجتمع السوري الذي تعايش مع "متوالية القهر" بصمت لسنين طويلة حتى تفجرت عنوة، وتشظت لمتواليات من القهر.
متوالية القهر... حسين الزعبي*
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية