لم تتداعَ نقابة محامي النظام للدفاع عن اغتصاب الطفل السوري في لبنان كما فعلت مع قضية فيلا نانسي عجرم، ولم تأخذ من وقت صحافته إلا وقت كتابة خبر عابر يحجز مكانه في كومة الأخبار العادية التي تنشرها، وكذلك أبواقه التي اهتمت حد الجنون بمقتل جورج فلويد الأمريكي تحت حذاء الشرطي الأبيض.
بعض الأصوات القليلة احتجت على الجريمة باعتبارها اعتداء على الطفولة، واعتبرتها مجرد جريمة تتكرر في أكثر من مكان في هذه الأرض، واعترضوا على وصمها بالطائفية رغم ترداد المجرمين لعباراتهم الواضحة في بغضائها وحقدها.
لبنان الكرامة والشعب العنيد بجيش العلمانيين والمثقفين- الذين تهز وجدانهم حملات التنمر ضد المثليين والشاذين، ويتحركون بكل قوتهم للدفاع شتيمة عابرة لفنانة أو راقصة- بعضهم وباشتثناءات اعتدنا وجودها بيننا اعتبروا ما حدث مع الطفل السوري جريمة بشعة تستدعي جلب المعتدين إلى القضاء الذي تحكمه الميليشيا التي ربت هؤلاء الوحوش.
آخر التقارير أن المعتدين ليسوا ثلاثة وحوش بل هناك سبعة مشتبه بهم متورطون في هذه الجريمة وعلى مدى سنوات في انتهاك الجسد الصغير فقط لأنه سوري ضعيف، ولأنهم ينتمون إلى مدرسة القتل والحقد التي تستدعي في جرائمها ثارات أربعة عشر قرناً من المظلومية واللطم، وتحميل مساكين السوريين اللاجئين وزر ذلك التاريخ المظلم.
في نفس التوقيت تقريباً ظهرت جريمة أخرى على أطراف دمشق بطلها شبيح ومرتزق (عامل كهرباء) تشترك مع سابقتها في الدوافع وإن كانت الحالة الجرمية أقرب منها إلى الطائفية المضمرة، وقام الوحشان السوريان باغتصاب امرأة وحرقها مع أطفالها الثلاثة في (بيت سحم)، والسبب الذي تم الإعلان عنه من داخلية النظام هو سرقة 260 ألف ليرة سورية.
في رواية (بيت سحم) القاتل شبيح في فصيل "الدفاع الوطني" الذي تغلب عليه شعارات شبيهة بتلك التي يتردد صداها في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهنا لا يمكن إهمال الدوافع التي بسببها تم بيع بيوت السوريين وأثاثها، وفتحت الأسواق من مسروقاتها، وتم إحراق أغلب بيوت من ثاروا في كل شبر سوري، وفي (بيت سحم) بعد الجريمة تم إحراق البيت في تكرار لمشاهد البشاعة المستمرة منذ عشر سنوات.
في كل تلك الجرائم التي تنال من السوريين سواء في بلاد اللجوء الشقيقة والغربية لا يتوقف العالم أمام الأجساد المنتهكة، ومنذ حادثتي الطفلين (عمران وآلان) بات العالم أقرب إلى الصمم والخرس، وبات النيل من هذا الأجساد العاجزة في متناول الوحوش.
أما في سوريا المسكينة المغتصبة كوطن لا أحد يحمي أطفالها من ويلات الاستغلال بأنواعه..ضحايا صغار لعصابات الإتجار بالمخدرات، وامتهان الجنس، وأهونها هو الاستغلال في ورش العمالة الرخيصة، وفي كل هذا الجحيم ووسطه تعلو هتافات الذاهبين إلى القدس على جثث السوريين، ولكن الحقيقة التي يدركها كل الصامتين - وأولهم السوريون- أن ما يحصل هو اغتصاب طائفي محض تحت مسميات إجرامية بغيضة.
اغتصاب طائفي... عبد الرزاق دياب*
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية