في أواخر كانون الأول ديسمبر/2019، وقع دونالد ترامب مشروع قانون ميزانية الدفاع بقيمة 738 مليار دولار تضمن تشريعات لتعزيز نظام العقوبات الحالي الذي يستهدف رأس النظام السوري وحلفائه.
صدر قانون "قيصر" كجزء من القانون الجديد للحماية المدنية، وهو إشارة إلى الاسم المستعار الذي استخدمه مصور الشرطة العسكرية السورية الشجاع الذي استطاع تهريب ما يقرب من 55000 صورة تثبت التعذيب المنهجي الذي ارتكبه النظام في المعتقلات السورية ضد الثائرين على حكمه.
ليست العقوبات الأمريكية جديدة على سوريا فهي مستمرة منذ عام 1979 في الأصل عن الإرهاب الذي ترعاه الدولة واحتلال لبنان وقتها، وسعي دمشق لامتلاك أسلحة الدمار الشامل وبرامج الصواريخ، لمن سوريا استطاعت تجاوز هذه العقوبات في ذلك الوقت بالاعتماد مواردها الذاتية في ظل استقرار سياسي كانت تشهده سوريا وتتفاخر به سوريا الأمن والأمان.
بعد ذلك، قامت إدارة أوباما بتمديد نظام العقوبات بعد اندلاع الثورة في آذار مارس/2011 وما تلاها من صراع.
ولا يختلف هدف التشريع الجديد عن العقوبات السابقة كما جاء في نص قانون "قيصر" نفسه: "إن سياسة الولايات المتحدة هي أنه يجب استخدام الوسائل الدبلوماسية والقسرية الاقتصادية لإجبار حكومة بشار الأسد على وقف هجماتها القاتلة على الشعب السوري ودعم الانتقال إلى حكومة في سوريا تحترم سيادة القانون وحقوق الإنسان والتعايش السلمي مع جيرانها".
سعت العقوبات المفروضة على سوريا إلى تحقيق هذا الهدف من خلال تجميد أصول الدولة السورية واستهداف عشرات الشركات والأفراد، ولا سيما الشخصيات الحكومية والعسكريين والأمنيين والكيانات التي يُعتقد بتورطها في صنع أو استخدام أسلحة كيميائية.
كما فرضت العقوبات الأمريكية على سوريا قيودًا على الاستثمارات الجديدة والصادرات والمبيعات أو توريد الخدمات إلى سوريا من قبل أي مواطن أمريكي أو مقيم.
يتوسع التشريع الجديد، على نظام العقوبات السابق من خلال احتوائه على حكم يوجه عقوبات ضد مؤسسات الحكومة السورية، وكذلك الأفراد الذين يتعاملون مع دمشق.
والواقع أن الحكومة السورية قامت مؤخراً بمغازلة المستثمرين والمانحين الدوليين للمساعدة في إعادة بناء أجزاء من سوريا المدمرة، مع خطط إعادة الإعمار التي تركز على مناطق دمشق وحمص فقط، فقد قامت بعض الشركات والمسؤولين الإماراتيين بزيارة سوريا في الأشهر الأخيرة، مما يشير إلى الاهتمام بالاستثمار في إعادة الإعمار التي يقودها رأس النظام، وخاصة خطة مدينة ماروتا في جنوب غرب دمشق، علاوة على ذلك، قبل تمرير تشريع قيصر مباشرة، وافق البرلمان السوري على عقود التنقيب عن النفط الموقعة مع شركة ميركوري ال ال سي، وشركة فيلادا ال ال سي، وكلاهما شركات روسية ، في ثلاث كتل في دمشق وشمال شرق سوريا.
قبل تمرير تشريع "قيصر"، كان على إدارة ترامب الاعتماد على تهديدات شفوية لثني الحكومات في أوروبا والخليج عن إعادة الانخراط السياسي مع دمشق، أو الاستثمار في المناطق الخاضعة للنظام في سوريا، من أجل جهود إعادة الإعمار، والآن تمثل عقوبات "قيصر" رادعًا حقيقاً وقوي في وجه كل من يفكر بمشاركة النظام في الاستثمارات لصالحه.
وعلى وجه التحديد، ينص التشريع على عقوبات ضد أي شخص "يقدم عن علم، بشكل مباشر أو غير مباشر، خدمات بناء أو مساعدات هندسية ضخمة لحكومة الأسد، ويمكن لإدارة ترامب أن تفرض مزيدًا من العقوبات على أي شركة أو فرد دولي يستثمر في قطاعي الطاقة أو الطيران في سوريا، وكذلك أي شخص يقرض النظام أموالاً بحسب (المادة 102) من القانون.
*قيصر ومخاوف الفقر
تكون المخاوف من تأثير القانون سلباً على معيشة المواطن السوري مبررة إلى حد ما، لكن الواقفين ضد القانون ويحاربونه على أنه سبب خراب عيشة السوريين مخطئين بالمطلق فهم يتناسون- عن قصد أو بغير قصد- أن المواطن السوري مطحونٌ ومفقر منذ أن احتل البعث سوريا، وحولها إلى منشأة استثمارية لمريديه ومتنفذيه، جاعلاً مفاصل المال بيد الأقلية المحيطة برأس النظام سواء الأب أو الابن حالياً، ويظهر النزاع الأخير مع ابن خال الأسد رامي مخلوف واضحاً على التحكم بمال العائلة بين أقارب الأسد الأساسيين وأقاربه الجدد بالمصاهرة.
وانبرى الكثير من السوريين الموالين والمعارضين على حد سواء بمهاجمة عقوبات "قيصر" لمساهمتها في تعميق إفقار بعض قطاعات الشعب السوري ومنع الانتعاش الاقتصادي وجهود إعادة الإعمار، آخذين من الحالة المتردية للوضع المعيشي وارتفاع الدولار الأخير ذريعة لذلك، في حين أن العقوبات في الحقيقة ستمنع التطورات الفاخرة في إعادة الإعمار مثل مدينة ماروتا في جنوب دمشق على سبيل المثال لا الحصر، ولن تؤثر على سعر الدولار المنهار أصلاً نتيجة نقص الموارد الطبيعية في البلاد والإنفاق الحربي المرهق على حساب باقي القطاعات، فالأسد الابن لا يهتم إن مات السوري جوعاً في سبيل بقائه على كرسي الوراثة.
وإدراكًا للتأثيرات السلبية المحتملة للعقوبات على المدنيين في سوريا، ينص البند 302 من قانون "قيصر" على إعفاءات إنسانية، حيث تسمح المادة 302 للرئيس (الأمريكي) بالتنازل عن تطبيق أي عقوبات، فيما يتعلق بالمنظمات غير الحكومية التي تقدم المساعدة الإنسانية في سوريا، ومع ذلك غالبًا ما ترفض البنوك وشركات التأمين والشحن والبائعون الذين يقدمون سلعًا إنسانية التعامل مع المنظمات غير الحكومية الإنسانية بسبب مخاوف من انتهاك العقوبات الأمريكية أو الدولية عن غير قصد.
ويحدد القسم 401 من مشروع قانون "قيصر" 6 متطلبات لرفع العقوبات الأمريكية على سوريا:
1. وضع حد لقصف الطائرات السورية والروسية للمدنيين.
2. إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، ويتم منح منظمات حقوق الإنسان الدولية المناسبة حق الوصول الكامل إلى السجون ومراكز الاحتجاز السورية.
3. توقف قصف "المنشآت الطبية والمدارس والمناطق السكنية وأماكن التجمعات السكنية، بما في ذلك الأسواق" من قبل القوات السورية والروسية والإيرانية والكيانات المرتبطة بها.
4. إمكانية "العودة الآمنة والطوعية والكريمة للسوريين النازحين بسبب النزاع.
5. محاسبة "مرتكبي جرائم الحرب في سوريا والعدالة لضحايا جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد.
بعد كل هذا ألا يستحق قانون "قيصر" منا الترحيب؟
يبقى أن نرى ما إذا كانت العقوبات الموضحة في مشروع قانون "قيصر" ستنفذ بالكامل وبشكل صحيح.
"قيصر" القشة الأخيرة للغرقى السوريين*
*مزن مرشد - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية