أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أزمة "الرابعة".. موسكو وطهران تتصارعان على ماهر*

يحاول الإيرانيون الالتفاف على خطة الروس - أرشيف

الأمور في المناطق التي يسيطر عليها النظام بحماية روسية ونفوذ إيراني أشبه بمشهد سوريالي، لا يستطيع تفكيكه أحد بمن فيهم روسيا التي دخلت مرحلة إدارة الكارثة دون ضمان نجاحها، وتبدو ملامح التفجير في كلّ جانب، ففي الاقتصاد ليس في الخزينة ما يشتري وقودا لسبعة أيام، ولكي يمنع النظام انهيارا كاملا على المستوى الاجتماعي فهو يحاول الإمساك بالليرة عند سعر معقول، إلا أن الأمر لا يبدو قابلا للتطبيق، وما يجري جمعه من التجار أو من السوق المجاورة ستبتلعه السوق أولاً بأول، وليس ممولو النظام وخطوط إمداده أفضل حالا من إيران إلى لبنان مرورا بالعراق.

الأمر الأكثر إلحاحا بالنسبة للروس هو السيطرة على الفرقة الرابعة، أو تحجيم دورها، وهو ما فشلت به خلال الأسابيع الماضية لأسباب موضوعية، منها أن قوام تلك الفرقة من الرجال والعتاد لا يمكن إخراجه من اللعبة طالما أنه يتحكم بالمعابر وتجارة الحرب من جهة، كما أنه يمثل الحامية الأهم للقصر وساكنه بشار الأسد، وبات هذا التشكيل في ذات الوقت خطرا يتهدد خطط الروس وسياساتهم بل وقدرتهم على الإيفاء بالتعهدات الدولية، وهذا يمس هيبتهم في العمق.

المسألة الأخرى هي أن قيادة هذه الفرقة متمثلة بماهر الأسد شقيق بشار تصعّب المهمة لجهة المخاوف من تبعات محاولة إلغائه بالقوة، خوفاً من تمرّد ينتهي بالسيطرة على الساحل بل والعاصمة دمشق ومعركة طويلة ربما يصعب فيها استخدام الطائرات، وإن حصل فسينتج عنها دمار كبير وضحايا بالآلاف.

هذه اللعبة تفهمها روسيا، لذلك فهي تبحث عن علاج "على البارد"، وربما يعطل هذا العلاج نفوذ إيران على هذه الفرقة، إذ تتقاطع مصلحتها مع دعم ماهر الأسد، وهي التي تعرف أن الروس عملوا مطولا على تدعيم الفيلق الخامس وإنشاء تشكيلات مماثلة في عدد من المناطق لكي تحكم قبضتها، ولهذا فإن المهمة تزداد صعوبة، والحديث عن تعاون بين طهران وموسكو كما يرد من تصريحات آخرها عبر وزير الخارجية جواد ظريف هي "مزحة" سياسية ثقيلة، لأن بين العاصمتين ـ في سوريا ـ ما صنع الحدّاد.

خلال الأيام القليلة الماضية تواردت أنباء مؤكدة عن طلب الروس من ماهر الأسد سحب جميع الحواجز على كامل الأراضي السورية، وهو ما قوبل بالرفض، مع معلومات على الأرض بسحب بعض الحواجز غير الاسترتيجية، وبمقاطعة المعلومات مع ما ورد في إحاطة المبعوث الدولي لسوريا جير بيدرسون لمجلس الأمن الدولي أمس حول وساطة روسية منعت "مواجهة عنيفة" في منطقة طفس بريف درعا الغربي، في إشارة إلى العملية العسكرية التي كانت الفرقة الرابعة وميليشيا إيرانية تنوي تنفيذها في الريف الغربي من المحافظة ومنعها الروس.

يلمّح بعض العارفين بأن موسكو تسعى لحلّ شبيه بما فعلته الدّولة السوفييتية عام 1984 مع رفعت الأسد عندما أمنت له خروجا مشرّفاً إلى موسكو بمنصب نائب للرئيس بعد أن اشتد الخلاف مع شقيقه حافظ الأسد لدرجة كان يمكن معها أن ينفذ انقلابا عسكريا يستولي فيه على السلطة، وقد وردت تفاصيل في مذكرات "الرواية المفقودة" لنائب الرئيس السابق فاروق الشرع عن هذا الخروج بوساطة الرئيس الأذري السابق حيدر علييف ممثلا للسوفييت حيث كان يشغل وقتها منصب نائب رئيس اتحاد الجمهوريات السوفييتة.

يحاول الإيرانيون الالتفاف على خطة الروس، ولهم كلّ المصلحة في ذلك، وهم ينافسون بقوة في هذا الملف، ولعل التحليلات التي تتحدث عن أن بشار الأسد يضع رجلا مع روسيا وأخرى مع إيران، هي تفسيرات لوضع يعيشه مكرها، فتغييره أيضا بالنسبة للروس قبل تسوية وضع ماهر يعني أزمة بديل بالنسبة للحاضنة الاجتماعية، ومن هذا المنطلق يمكن فهم عناصر المعادلة المركّبة بشكل أفضل، مثل التمرّد كحدث نادر لرامي مخلوف، ومسرحية الخلاف بين حزب الله وماهر الأسد، وإصرار الإيرانيين على الحديث عن دعم سوريا بخط ائتماني وتزويده بالوقود بالعملة المحلية السورية حسبما ورد على لسان جواد ظريف، وهذا ينطبق على لبنان كما ورد على لسان أمين عام حزب الله حسن نصر الله أمس.
اليوم تتداخل قصص صراع ممثلي قوى الاحتلال مع مزيد من المتاعب على المستوى الداخلي سيسببها "قانون قيصر" وقد دخل حيز التنفيذ وستظهر نتائجه على المستوى الإقليمي أيضا.

ليس بشار متورطا بقدر تورط بوتين الذي لم يعد يعرف أي مشية سيمشيها على صفيح النار في سوريا، أهي مشية الدّب التي أحرقت الأرض منذ 2015، أم مشية الثعلب مع إيران، أم مشية القيصر أمام إسرائيل والأمريكيين ليثبت أنه ندّ يمكن الاعتماد عليه.

إذا ... إنها أزمة "الرابعة" التي تخفي وراءها جبلاً من الصراعات الدولية والإقليمية والمحلية، ولا يشك عارف بأن الروس ماضون في حلّها بنعومة أو بخبطة قاسية، وبدون ذلك فلا معنى لكلّ المكاسب في المدى المنظور، وسيدفع بوتين ثمناً باهظا يفوق مسألة الصداع.

*من كتاب "زمان الوصل"
(347)    هل أعجبتك المقالة (429)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي