على الأرجح، يخطئ جل السوريين المعارضين اليوم، عبر الإفراط بالتفاؤل حيناً والتعويل على ضمير المجتمع الدولي وإحقاق الحق، بقية الأحايين.
فيظنون أن الحصار الداخلي عبر المظاهرات وتفتت الكتلة الصلبة حول الأسد، سينهيه، أو لا بد أن ينهيه وإن عبر التدرّج، إذ لم يبقَ، بالمنطق والعملية، أي ما يستند عليه النظام، داخلياً وخارجيا، ليمد بعمر وراثته، وإن إلى حين.
وينطلقون من المنطق أيضاً، لجهة الظروف الموضوعية، إذ وبمنتهى الاختصار، أنهى الأسد الابن ما بدأ به أبيه، فأتم كامل الدور الوظيفي، من تهديم وقتل وتهجير، ولم يبقَ من مبرر لاستمراره وإلا فإنه قد يتغيّر كامل المخطط وتدخل سوريا مستويات جديدة، ربما المحتلون ومن يهمهم الأمر، لا يعملون نهاياتها وعقابيلها.
فضلاً على أن حمل الأسد، بات عبئاً ثقيلاً على موسكو خاصة، بعد أن تعرّى وعلى الصعد كافة، ولم يترك لأي مناصر "جنح حق" ليستند عليه بالدفاع عنه، كما أن ثمن التدخل والاحتلال، يتم قبضه بتسارع ملفت، إن بالساحل، قواعد وتنقيب، أو بالقواعد العسكرية وعقود الاستثمار.
إذاً، هكذا يرى غالبية السوريين، انتهى الأسد أو يكاد، وما القصة إلا لمسات دولية في إيجاد من يقود سورية خلال فترة انتقالية ستكون حرجة وقاسية على الجميع. وربما يأتي الخبر الصاعق والسار بأية لحظة، انتحار أو هروب وطلب لجوء.
بيد أن السؤال المؤرّق الذي يحاول الجميع تجاهل طرحه هو، أليس في جعبة بشار الأسد وآله، خيارات وخطط بديلة وثمة ما يقايضون عليه بعد؟!
أيعقل أن هكذا نظام متجذّر ومرتبط منذ نصف قرن، سيفتقر لحل يبعده عن "الذل الحتمي" الذي بدأ يلوح ويتراءى؟!
الأرجح يوجد وربما الكثير من الحلول والمقايضات، والتي إن لم تبق الأسد على كرسي أبيه لفترة طويلة، فقد تتركه ليتم هندسة ما بعده وخروجه بشكل ما، ربما الهروب أو القتل أضعفها احتمالية.
ليأتي السؤال عن نقاط القوة التي يمتلكها نظام الأسد حتى اليوم وعن المصالح الدولية بالإبقاء عليه وإن إلى حين.
ربما أهم ما يتمتع به النظام حتى اليوم، هو الشرعية القانونية والسياسية على سوريا والسوريين، فرغم جميع العقوبات التي بدأت منذ منتصف 2011 ومستمرة بقانون قيصر بعد أيام، لم تأت على شرعية الأسد بذكر، بل كانت بالغالب، عقوبات شكلانية من شأنها المساهمة بتنفيذ الدور المرسوم للنظام (المقاوم والممانع) بالشام، أي التهديم والإبادة والتغيير الديموغرافي.
ومن تلك الشرعية ربما، يتفرع عدد لا منتهٍ، من نقاط القوة التي لبشار الأسد وحده، الصلاحية فيها.
فهو يستطيع وبقوة القانون، أن يعهّد ما يشاء لمن يشاء، من أرض وثروات ومصير، والعذر متوفر وبجهد الكبار، الإرهاب والتطرف والخوف من حكم الإسلاميين.
كما أن لجغرافية سورية وتوزع قوميات سكانها، دورا باستقواء بشار الأسد، الذي يحسن استثمارها، حتى قبل تصريح رامي مخلوف "أمن سوريا وأمن إسرائيل" وقبل التطلع الغربي للحد من تطلعات تركيا، إضافة إلى ما يمكن أن تعيقه الجغرافيا السورية، لمشاريع الغاز والنقل أو تحدثه من أذى، إن تحولت لدولة فاشلة.
وثمة أموال وأرصدة وشركات وهناك علاقات وارتباطات وتشابك مصالح وغيرها الكثير إن دخلنا بمتاهة الذكر والعد.
وبالمقابل، ليستوي القول، ثمة مثلها، أو ربما أكثر، من نقاط الضعف والآثام، إن بدأت بجرائم الحرب الموصوفة والمؤكدة، لا تنتهي عند "يكفي" فقد قام بكل ما أول إليه.
نهاية القول: أمام هذه التشابكات، يبقى الفصل لـ"القرار الدولي ومشيئة الكبار" وكل ما عدا ذلك، حقائق تجد آذاناً بمجتمع العقلاء أو دور العبادة ولا مكان لها على خارطة السياسة والمصالح.
إذ يمكن بجزء من جرائم الأسد أن تجر أقواما وليس عصابة إلى "لاهاي"، كما يمكن وحدث مراراً أمام أعيننا، السكوت عن أكثر مما اقترفه الأسد وجعله "فرانكو" المنطقة.
ولكن، وربما بعد "لكن" هو قصارى القول. أيمكن للمجتمع الدولي وأياً بلغت درجة العهر والاستقواء، أن يشاهد تكرار إبادة بالسويداء اليوم وببقية المدن بعد حين، وذلك بعد أن بات الأسد تحت الضوء وخلق شرخاً بالمجتمع الدولي، ما يعني تربص البعض لذريعة جديدة ترجح كفة ميزان، حتى قصف جحره الجمهوري.
وهل يمكن للأسد أن يكفي الشعب السوري بالداخل، بعد انهيارات سعر الصرف وتصدر الفقر والجوع قوائم "غينس".
وأيضاً، أيضمن الأسد بقاء أقرب آله وصحبه إلى جانبه، بعد كل الانكشاف والتعري، وبدء التراسل بين "تجار الأسد وصحبه" حتى مع إسرائيل ؟
الأرجح، عوامل فقدان الأسد مبررات بقائه هي الأقوى، وأغلب الظن التخلي عنه هو الأسلم والأكثر فائدة للجميع...ولكن ليس غداً أو بعد غد أولاً وليس بطريقة تسمح باشتعال سوريا ثانيا، وربما ما رأيناه من إعفاء رئيس مجلس الوزراء وتكليف حسين عرنوس لأجل، يدلل على أن "العرس الديمقراطي" سيتم بعد التأجيل وسنرى "مجلس شعب" جديدا تليه حكومة جديدة وبلمسات روسية ودولية، قد يتشارك فيها، المؤيدون والمعارضون، وذلك بالتوازي مع التحضير لمجلس عسكري أو هيئة ما، تمسك بزمام حكم سوريا، كحد أقصى، بعد مسرحية ربما يقدم العالم القوي على إخراجها، وهي نهاية الفترة الدستورية لحكم ابن أبيه، العام المقبل.
*عدنان عبدالرزاق - من كتاب زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية