وجوه الطائرة الليبية... ماهر شرف الدين*

الشريط المصوَّر الذي أظهر العشرات من عناصر ما يُسمَّى "الجيش الوطني" وهم يستقلُّون طائرةً متجهةً صوبَ ليبيا للقتال إلى جانب قوَّات "حكومة الوفاق" ضدَّ قوَّات الجنرال خليفة حفتر، يفطر القلب.
وفي حين أنه أثار غضبَ وحنقَ غالبية المثقَّفين الثوريين، أثار هذا الشريط حزني وكَمَدي.
فباستثناء فئةٍ من المقاتلين الذين جاهروا بارتزاقهم أمام الكاميرا، أظهر الفيديو المذكور الكثير من العناصر وهم يحاولون إخفاء وجوههم كي لا تلتقطها الكاميرا: بعضهم أدار وجهه نحو النافذة، وبعضهم استعمل يده أو ذراعه، وبعضهم طأطأ رأسه إلى أن لامس ظهرَ المقعد الذي أمامه.
لقد مثَّلتْ تلك الثواني الأليمة في الفيديو اعترافاً صريحاً منهم –وبأكثر الطرق إذلالاً- بأنَّ ما يفعلونه لهوَ أمرٌ مُشينٌ.
كان تهرُّبهم من عين الكاميرا هرباً من أعين السوريين الذين سيشاهدون الفيديو وربَّما يتعرَّفون على أصحاب تلك الوجوه.
كان إخفاء الوجه محاولةً حزينةً لإخفاء العار، أو محاولةً يائسةً ليقولوا إنهم ليسوا مرتزقةً بل حفنةٌ من الشباب الذين تقطَّعت بهم سُبُل العيش بعدما تقطَّعت بهم سُبُل الثورة.
وما يزيد من فداحة مأساة هؤلاء، الذين نقلتهم الطائرة الليبية ليس بين بلدَيْن فحسب (سوريا وليبيا) بل بين لقبَيْن أيضاً (ثائر ومرتزق)، أنه يوجد بينهم من خسر بيته وأرزاقه وبعضاً من أفراد أسرته خلال الثورة. وها هو اليوم يخسر نفسه بعدما قَبِلَ تأجير بندقيته لمن يدفع.
لذلك قلتُ بأنَّ الفيديو الذي أثار الغضب، حريٌّ به أن يُثير الحزن أوَّلاً. حريٌّ به أن ينظر إلى هؤلاء كضحايا فشل سوريّ عامّ، وفشل ثوريّ خاص في إنتاج قيادة وطنية للثورة في حدودها الدنيا.
وبالطبع، فإنَّ كلامي هذا لا يعفي الذين قبلوا التكسُّب ببنادقهم من مسؤولياتهم، ولا ينزع عنهم صفة الارتزاق.
ولكني أردتُ، فقط، أن ألفتُ النظر إلى أننا لا نستطيع تنزيه ذواتنا بمجرَّد رجم الذين ظهروا في فيديو الطائرة الليبية والتبرُّؤ منهم، ما دام حال الثورة التي ما زلنا نرفع رايتها لم تعد أفضل بكثيرٍ من حال هؤلاء.
*شاعر وكاتب سوري - من كتاب زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية