أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

إدلب.. ولم يعد للحديث بقية... عدنان عبد الرزاق*

وجه من ادلب - جيتي

هامش رقم 1: وثّقت الشبكة السورية لحقوق الانسان مقتل 260 مدنياً في إدلب خلال شهر مايو/أيار الفائت بنيران الأسد، وبينت الشبكة خلال تقرير "أمس السبت" أن بين القتلى 51 طفلاً، و48 سيدة، فيما قتلت القوات الروسية 45، بينهم 17 طفلاً و10 سيدات.

هامش رقم 2: قال رئيس هيئة التفاوض السورية نصر الحريري: لا توجد عملية سياسية في سوريا حالياً، والموضوع أصبح مثار سخرية للسوريين بسبب تصعيد القصف على الشمال السوري.

وأضاف الحريري: على الامم المتحدة أن تكف عن تكرار تصريحاتها حول اللجنة الدستورية وعلينا جميعا أن نكون صريحين ونعترف بوفاة العملية السياسية، خاصة بوجود روسيا التي لم تأت لمناصرة حل سياسي، وإنما أتت لمساعدة النظام السوري من ارتكب الجرائم ضد الشعب السوري وتحقيق حسم عسكري للأسد، خاتماً: لذا ما يتم التعويل عليه الآن هو القتال وفقط القتال، والمستهدف أولا وأخيرا هو الشعب السوري.

إذاً، ومن هذين الهامشين، يضاف لهما أن ليس للضعيف من ضامن، ما هو العمل تجاه إدلب، بعد أن غدت سوريا المصغرّة بالنسبة للثوار وطالبي الحرية والكرامة والدولة الديمقراطية.
ربما ليستوي القول، لا بد من الاعتراف أن ليس للسياسة ولا حتى للسياسيين، بمنطقتنا على الأقل، من ضمائر، ويخطئ من يقيس السياسة على مسطرة الأخلاق، فمنطلقها ومنتهاها، المصالح، ولا شيء عدا المصالح.

لذا، إن أردنا أن نعرف ماذا يجري وسيجري بإدلب، علينا أن تعرف ماذا يجري وسيجري بموسكو وواشنطن وأنقرة، هذا إن لم ندخل بضرورات المعرفة، طهران والرياض وغيرهما، وخاصة، بعد أن بات قرار سوريا خارج أيدي ورغبات وقدرات السوريين، بل ومنح السوريين وعلى كلتا الضفتين، قرارهما للآخرين.

والقصة ولئلا ندخل بمتاهات أو ربما بديهيات، تتعلق بواشنطن أولاً، التي تريد أن تغري أو تعاقب أنقرة من إدلب وفيها، ومن ثم من روسيا التي دفعتها بدور وظيفي وإن غدراً، لمستنقع سيعيدها مرغمة لأفغانستان، وأيضاً من أنقرة التي تحاول المؤاخاة بين الأضداد وتجمع بحسن العلاقات، بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية.

وما يطفو على السطح اليوم، رغم أنه أحد الأسباب وربما أكثرها إعلاناً ومباشرة، هو صفقة صواريخ "إس 400" الروسية لتركيا، والتي كلما اقترب موعد استلامها من تركيا، يرتفع منسوب سفك الدم بسوريا وتنخفض سعر العملة التركية.

وربما من هذه الصفقة التي تخفي وراءها ملفات وحروب مؤجلة، إن تأجيل أو إلغاء أو حتى تصميم على الشراء، سيزول بعض الضباب عن الملف السوري الذي دخل منذ 40 يوماً، بكل ما هو خارج الاتفاقات والتفاهمات وحتى التوقعات، ليصل ببعض الأحايين، إلى ما قبل الاصطدام المباشر بين العواصم الثلاث، وإن وصل فعلاً ومرات عدة، عبر وكلائهم على الأرض.

قصارى القول: ربما القلق، هو الاختصار الأهم لما تعانيه تلك البلدان، ربما وأكثر مما يعانيه السوريون أنفسهم، فأنقرة القلقة من فرض عقوبات أمريكية إن صممت على الصفقة، تضع إلى جانب "الجنون الترامبي" الذي قد يتعدى الاقتصاد ليطاول أعلى الهرم السياسي التركي، علاقاتها مع الأوروبيين بميزان الحسابات، وخاصة بعد الذي رأيناه أخيراً، من مغازلة وعودة ملف انضمامها إلى الاتحاد الاوروبي، إلى فوق الطاولة.

وأنقرة التي رأت بموسكو، بعد اختبار إسقاط الطائرة عام 2015، حليفاً صادقاً على صعيد التجارة ومشروع نقل الغاز "السيل" وبناء مفاعلين نوويين، بل وما يقال عن كشف، أو المساهمة بكشف الانقلاب الفاشل عام 2016، ليس من البساطة العودة عن الالتزامات واستعداء موسكو ورمي البيض من جديد، بالسلة الغربية وحلف الناتو.

بالمقابل، تشعر روسيا بمدى الحرج الذي سببته للحليف التركي، أمام السوريين والعالم بأسره، بعد "أستانا وسوتشي" وتعلم أن شمال غرب سوريا وملف الأكراد، ربما لا تساوم عليهما أنقرة، حتى ولو نسفت الاتفاقات وألغت مشروعات بعشرات المليارات.

ما يضع بوتين، رغم الحدية والمقامرة السياسية التي يعتمدها، أمام ضرورة التنسيق مع تركيا، للبحث على الأقل، بوقف إطلاق النار وتبادل الآراء حول ضمان الاستقرار في المنطقة، خاصة أنه استشف بعض الأفعال التركية التي تجلت بدعم مباشر لثوار إدلب، ما غيّر من المعادلة على الأرض وزاد الشعور الروسي بمدى عمق وخطورة الوحل السوري.

وأما واشنطن الرابحة أياً كانت الخيارات والحلول والنتائج، فهي تؤثر على استدامة الصراع ومنع الانتصار، مع الإمساك بالعصا السياسية عبر التنسيق والمحادثات، مع روسيا وتركيا، والرمي كلما اقتضت الضرورة، بالالتزام بقرار الأمم المتحدة رقم 2254، وعقد محادثات سلام ووضع دستور جديد وإجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة، كما سمعنا من الممثل الأميركي الخاص لشؤون سوريا جيمس جيفري خلال إعلانه المباحثات مع روسيا، أو وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، خلال مباحثاته مع الرئيس الروسي بموسكو.

نهاية القول: كيف يمكن فتح هامش سوري خاص، ضمن هذه المعادلة المركبة ووصول سوريا عموماً وإدلب الآن، لمعركة تصفية حسابات وكسب مصالح، بين الدول الثلاثة.

أعتقد وبالقفز على حقيقة موجعة تتعلق بعدم استقلالية الرأي لدى الفصائل على الأرض، وبالانطلاق من كلام نصر الحريري الذي ومن المؤكد، لم يقله إلا بعد أن رأى وسمع وتأكد، وإن للأسف لم يستقل. 

يتأتى بعض حل من توسيع دائرة المعركة إلى ما يحرق أصابع الجميع، إذ لم يزل لدى الثوار وحتى الآن، بعض أوراق قوة، يمكن خلالها تغيير ملامح الصراع، إن لم نقل عودتهم كلاعب ونسف فترة العبودية والتبعية للعواصم الثلاث.

من هاتيك الحلول التي قد تبدو للبعض مجنونة، نقل المعركة أو بعضها وضمن المتاح ومدى الأذرع النارية، إلى مناطق النظام، لإيجاد شكل من توازن الرعب، فمن يموتون في إدلب ليسوا أرخص ممن يجب أن يموتوا بقوافل وعسكر النظام (وهنا لا نحرض على قتل المدنيين وإن يفعل الأسد)، على أن تأتي هذه الخطوة بموازاة أمرين اثنين:

الأول، موقف ولو متأخراً، من سراق التمثيل السياسي، إن بالائتلاف أو هيئة التفاوض، يعبر عن الخيبة التي نقلها نصر الحريري، إذ ليس صحيحاً كما يشيع بعض المرتزقة، إن استقلنا فسنترك فراغاً ويتلاشى تمثيل الثورة والسوريين، لأن الصحيح هو العكس تماماً، فإن استقلتم، فلن يبقى لدى الجميع ذريعة للتفاوض بغياب طرف لم يزل رغم كل رخاوتكم، فاعلاً.

وأما الأمر الثاني، فهو العمل على زحف شعبي كبير يتقدمه الائتلافيون الذين نقلوا مقرهم للداخل، نحو الحدود التركية السورية، فربما العالم الذي لم يحركه دم وأشلاء الأطفال يحركه الخوف من المهاجرين.

على الأرجح، تلك الحلول محفوفة بالضعف واحتمالات الفشل، لكنها تبقى تحركات واجبة الاتخاذ، بعد أن استمرأ العالم رؤية أشلاء السوريين وضمن الضامنون، صمت ورخاوة ممثلي الثورة والسوريين.

* من كتاب "زمان الوصل"
(237)    هل أعجبتك المقالة (252)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي