• شارك "آل جميل" منذ عقود، ابتداء بالخيل و"صيد الدبلوماسيين" مرورا بابتلاع سوق الموضة
كشفنا في القسم الأول من تقريرنا جزءا من خفايا سيرة "رامي محمد إبراهيم الشاعر" الذي كان يوما ما قصة الحب الأولى في حياة "بشرى حافظ الأسد"، عندما جمعتهما رياضة ركوب الخيل، قبل أن يصبح منفيا هو وكامل عائلته في روسيا.. وقلنا إن "الشاعر" الذي كان ابن عميد واسع السلطات، لم يتابع في منفاه ركوب الخيل فقط، بل أضاف إليه امتطاء صهوات المال والسياسة والإعلام.
وفي هذا الجزء سنعرض مزيدا من التفاصيل المدسوسة في ثنايا حياة "الشاعر" منذ أن وصل موسكو شابا وحتى يومنا هذا الذي جاوز فيه الرجل عامه الستين، حيث سنقدم عينات من أسرار "نشاطه" في ميادين المال والسياسة والإعلام، كلا على حدة، نظرا لكثرة تشعباتها وتشابك جزئياتها، وسنكتفي حاليا بـ"نشاطه" في مجال المال والأعمال.
*إخوان قدري
كحال الكثيرين ممن عاشوا في مهد الشيوعية، حاذرت عائلة "الشاعر" من إظهار ثرواتها سنوات عديدة، باعتبار الثروة رجسا أكبر يقتضي من المرء نكرانه والنأي عنه، أقلها حتى يثبت ولائه لمبادئ "ثورة الكادحين".
وعندما سقطت الشيوعية بتفكك الاتحاد السوفيتي، بدأ –وكحال كثيرين أيضا- يظهر للعلن بعض ما كان مخفيا من قبل، فأعلن "رامي الشاعر" عن تأسيس نادي "الفارس" بإمكانات ضخمة في "زافيدوفو" الواقعة شمال موسكو، والتي تشتهر بمحمياتها الواسعة والخلابة، ولذا فقد اتخذها حكام الاتحاد السوفياتي ومن ثم روسيا مكانا لإقامتهم واستجمامهم، فكانت معادلا لـ"كامب ديفيد" بالنسبة لروؤساء الولايات المتحدة.
وبعد تأسيس نادي "الفارس" باسطبلاته وحلباته وخيوله ومرافقه الفارهة، سارع "الشاعر" بعد ذلك بنحو سنة لإطلاق مشروعه الثاني في نفس المنطقة، متمثلا بـ"نادي صيد البدلوماسيين" الذي جعل منه مقصدا لأصحاب النفوذ والسياسة من نحو 25 دولة، وملتقى لهؤلاء بكبار المتمولين.
لم يكن "الشاعر" وحيدا في تمويل مشروع "الفارس" إذ شاركه آل جميل (إخوان قدري جميل) ممثلين بخالد وأمين جميل، ويبدو أن هذه الشراكة جاءت بالتزامن مع شراكة أضخم، هي شراكتهم في مجموعة "جميلكو" التي تمثل حوت تجارة التجزئة والعلامات الشهيرة في ميدان "الموضة" بكل متعلقاتها من ألبسة وأحذية وعطورات وخلافها، وهذه المجموعة تعد واحدة من أكبر المستحوذين على سوق تدر مئات الملايين من الدولارات، عبر 150 متجرا تمتلكها المجموعة في أنحاء روسيا، فضلا عن مئات نقاط التوزيع المعتمدة (وكلاء) لمنتجاتها.
وإذا كان صيت "خالد جميل" قد ذاع بوصفه رجل أعمال، و"زيرا" لايفوت فرصة التقاط صورة مع "الحسناوات" رغم تجاوزه 62 عاما (من نفس عمر رامي الشاعر)، وشاع أكثر بعد إلقاء القبض عليه السنة الماضية بتهم الاختطاف والاحتجاز القسري، على خلفية نزاع عائلي مع زوجته "مياسا"... إذا كان هذا هو حال "خالد" فإن حال أخيه الأصغر "أمين" أكثر تعقيدا، وإن كانت حياة "أمين" أقل تداولا على وسائل الإعلام واسعة الانتشار.
فقبل نحو 10 سنوات، تسربت إلى العلن قصة خلاف "أمين جميل" مع زوجته الروسية "ن.ب" التي بدأت بنشر غسيله القذر، وكشفت بعض تصرفاته العدوانية حتى منذ كانا عشيقين ولم يرتبطا بعد، فقد تعرف "أمين" على "ن" التي كانت يومها تتربع على عرش جميلات موسكو، وأقسم لها بأنه سيطلق زوجته السورية (له منها ابنتان)، وعندما تعلقت به "ن" شرع "أمين" في إظهار وجهه الحقيقي، فعمد إلى ضربها، فهددته بتركه فرجع إليها معتذرا نادما، ليستمرا في علاقتها الغرامية التي أعقبها زواج، وكانت ثمرة هذه العلاقة بنت وولد (اسم الولد قدري على اسم عمه، الشقيق الأكبر لأمين).
لكن ما اعتذر منه "أمين" عاد ومارسه بشكل أبشع بعد الزواج، وباتت حياة الأسرة، حسب شهادة زوجته جحيما لايطاق، ووصل الضرب في بعض الأوقات حد تهديد "ن" بفقدان حياتها، بينما كان "أمين" الذي يعوم على بحر من الثروة، يمارس تقتيرا شديدا، ويسجل على زوجته كل "روبل" تصرفه، مقابل إنفاقه ببذخ على عشيقاته، حتى إنه ذات مرة خيّر زوجته (حسب روايتها) بأن يعطيها 3 آلاف دولار مقابل أن تسمح له بأن يمارس الرذيلة مع خليلة له.
وتطورت وسائل إذلال "أمين" إلى زوجته التي كانت تسمعه يكرر أمامها بتعمد عبارة مفادها أن المرأة بعد الثلاثين هي كالخيل الهرمة (يتحدث كخبير خيول!) لا فائدة منها سوى بذبحها.. وإزاء كل ذلك توترت العلاقة بينهما أكثر، واكتسبت طابع المكايدة بما تخللها من تعريض حياة الطفلين للخطر على يد والدهما، وكأن "أمين" يترسم خطى أخيه "خالد"، ويقتدي حتما بأخيه الأكبر "قدري" الذي يظهر سجله الجنائي مذكرة تحرش بإحدى الفتيات، تعود إلى سبعينات القرن الماضي..
"
"
(هامش: تاريخ قدري جميل بكل ما يكتنفه من ملابسات وتناقضات، بين رجل يعارض النظام بلسانه ويخدمه بيده، ويضع الشيوعية خلفه والرأسمالية أمامه، ويتحدث بالشفافية وتدور حول غموض ثروته وعلاقاته ألف علامة استفهام... تاريخ قدري جميل هذا يحتاج لتقرير مستقل ومن "الظلم" أن يكون فقرة عابرة في تقرير).
*سرق جملاً وغُرّم شعرة
قد تبدو الاستفاضة في الحديث عن تجاوزات "أمين جميل" نوعا من الخروج عن موضوعنا الرئيس المخصص لــ"رامي الشاعر" عشق بشرى الأسد الأول، لكن عرض هذه التجاوزات لايعدو أن يكون في صلب حديثنا الذي يقود إلى عالم مافياوي يختلط كل شيء بكل شيء.
ففي عام 2008 طفت إلى السطح فضيحة اختلاس وتلاعب مصرفي ضخمة في روسيا، كشفت أن علاقة "رامي الشاعر" و"أمين جميل" المالية تتعدى شراكاتهما في مجموعة "جميلكو" ونادي "الفارس"، لتصل إلى "بنك إيمال"، الذي تبين ضلوعه في عملية غسل أموال تقدر بمليار دولار.. فقط.
ورغم كثرة قضايا الاختلاس والفساد في روسيا، فإن قضية "إيمال" لم تكن لتمر بسهولة دون افتضاح كثير من الأوراق والعلاقات، قياسا إلى قيمة الأموال المتلاعب بها، وإلى ارتباط غسلها بتمويل الإرهاب.
وهكذا اتضح لأول مرة أن كلا من "رامي الشاعر" و"أمين جميل" هما من الملاك البارزين في بنك "إيمال"، ولهذا جرى سوقهما إلى التحقيق، فأنكر الرجلان تورطهما بالتلاعب ونفيا أي علاقة لهما بتمويل الإرهاب، بل إنهما ادعيا أنهما كان "ضحية" كباقي الضحايا الذين فجعتهم فضيحة البنك وبوغتوا بها.
وشيئا فشيئا، تحول "رامي" و"أمين" من مشتبه بهما، إلى مجرد شاهدين في القضية، التي طويت على نحو مثير للسخرية، حيث تم "تلبيس" القضية مبدئيا لـ"أليكسي كولسنيكوف" الرئيس السابق لمجلس إدارة البنك، فاتهم باختلاس مليار دولار (قيمتها حوالي 23 مليار روبل حينها، و64 مليار روبل بسعر اليوم)، منها 400 مليون روبل وضعها في جيبه الخاص.
ورغم ثبوت هذه التهم بحق "كولسنيكوف" فقد جاء الحكم مضحكا جدا، إذا عوقب الرجل بغرامة تعادل 500 ألف روبل (أي جزءا واحدا من أصل 800 جزء من المبلغ الذي وضعه في جبيه الخاص فقط، وحوالي جزءا واحدا من أصل 50 ألف جزء للمبلغ الكامل المقدر بـ23 مليار روبل!).. أي كمن سرق جملا بما عليه ثم تم تغريمه بشعرة من وبره.
وحتى تكتمل حلقة السخرية فقد حكم القضاء على المختلس بالسجن 5 سنوات.. ولكن مع "وقف التنفيذ"، بحجة أن لديه أطفالا صغارا لا يستغنون عن رعايته، وهكذا دفنت جريمة الاختلاس ببساطة، دون أن يعلم أحد كم كان الثمن الذي دفعه "الشاعر" و"جميل" وبقية الشركاء.
لكن دفن هذه القضية على كل ضخامتها، يشير بوضوح إلى قدرة الشريكين (الشاعر وجميل) على دفن قضايا أخرى أكبر أو أقل منها حجما، ومنها قضية التورط في شبكة للاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، طويت في حينها وباتت نسيا منسيا.
*لا مجال للحصر
والخلاصة أن ما كان عارا ينبغي إخفاؤه في عرف الشاب المتأثر بالماركسية واللينينية وفي عرف موسكو التي احتضنته، سرعان ما تحول إلى مصدر للتباهي، وبات بإمكان "الشاعر" أن يجاهر بكل أنواع الترف في حياته الخاصة، فتحول إلى قيصر حقيقي بما يملكه من عقارات ومشروعات ووسائل تنقل (سيارات ويخت) وما يخوضه من مسابقات مزادات في سوق الخيول، وبما يظهره في ملبسه ومأكله وسهرات الطبقة المخملية ورحلات استجمامه حول العالم، وبالذات إلى "ماربيا" الإسبانية، إحدى جنان البذخ على الأرض، والتي "يستثمر" فيها رفعت الأسد ملايين الدولارات المنهوبة من سوريا.
أما عائلته، ولاسيما ابنته الفارسة "ن" فتتقلب في بذخ أبيها الذي وفر لها التدريب في ألمانيا، واشترى لها اسطبلات متنقلة (شاحنات فارهة لنقل الخيول) دمغت عليها اسمها.
وبالإجمال، فإن حصر ثروات "رامي الشاعر" ليس أمرا سهلا على الإطلاق، في بلاد لاتعترف بالشفافية وينخر فيها الفساد حتى النخاع، ولكن الثابت أن الرجل كان وما يزال مالكا أو شريكا في العديد من المؤسسات التجارية والمالية والاستثمارات في ميدان الخيول والبنوك والتجزئة وغيرها.
لقد كان "رامي" دائما يعرف من أين تؤكل الكتف، ولهذا لم يكن غريبا أبدا أن يكون هذا "الدبلوماسي" السابق من أول وضعوا بيضهم في سلة الشيوعية، ثم غدا –للمفارقة- في طليعة من دفعوا عن أفولها وبرروه واستحسنوه، رافضا وصف تفكك الاتحاد السوفيتي بـ"الانهيار"، ومصرا على وصفه بأنه كان "خطوة اتخذتها دولتنا للحفاظ على السلام"، حسب منطوق الرجل في مؤلف له بعنوان: "البيروسترويكا السوفيتية في عيون أجنبي"، كتبه قبل أن يكون بعد قد حظي بنيل الجنسية الروسية.. وللحديث بقايا وشجون أخرى.
في الجزء القادم: "رامي الشاعر" والسياسة.. ما الذي يجمعه بغورباتشوف وبوتين ولافروف وبوغدانوف
تابع الجزء الأول:
تابع الجزء الأول:
قصته مع بشرى الأسد كادت تقتله... "رامي" وحكايات لم ترو تمتد إلى كواليس القيادة في سوريا وروسيا وفلسطين والعراق
إيثار عبدالحق-زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية